يقول جوبلز، وزير الدعاية النازى، (كلما استمعت إلى كلمة مثقف تحسست مسدسى)، ملحوظة البعض يتشكك فى نسبها إليه، ليس دورنا هذه المرة تقصى الحقيقة فى الأقاويل السياسية الشهيرة، دعنا نُطبق عليها القاعدة اللغوية (خطأ شائع خير من صحيح مهجور)، فإذا كان جوبلز يتحسس مسدسه بسبب كلمة مثقف، فأنا أتحسس عقلى كلما استمعت إلى كلمة استراتيجى.
أتابعهم عبر (الميديا) فى كل المواقف التى يتصدرون فيها المشهد، وأكتشف أن الحصيلة بالنسبة لى (صفر)، مثلا لولا قدر الله منى فريق النادى الأهلى بهدف فى مرماه فى الشوط الأول، فإن موعدنا فى الاستراحة ما بين الشوطين مع الاستراتيجى (الخبير الكُروى)، وبعد مقدمة يُسبغ فيها مقدم البرنامج كل الصفات اللوذعية على هذا الخبير، الذى لم تنجب الدنيا له مثيلا، ستجده ينظر للسماء متأملا ويسرح قليلا ويقدح زناد فكره، ثم يقول بعد (البسملة) و(الحوقلة)، ليس أمام الأهلى سوى أن يسارع مع صافرة الحكم عندما يبدأ الشوط الثانى بإحراز هدف التعادل وبعدها يجب أن يضيف هدفين متتاليين حتى يضمن اعتلاء القمة، مع ضرورة تعزيز الخطة الدفاعية حتى لا تهتز شباكه بهجمة مترددة.
هل هذا الأمر يحتاج إلى استراتيجى يحصل كمقابل مادى على شىء وشويات، إذا سألت (حلاوتهم) التى تبيع البلح على ناصية الحارة ألن تقل نفس الكلام.
لماذا نبحث عن الاستراتيجى ونصدقه ونمنحه الكثير من حر أموالنا؟ دع استراتيجى الشؤون العسكرية جانبا، وأخذا بالأحوط فلن نقترب منه. علينا أن نواصل الحديث مع الخبير الاستراتيجى الإعلامى، المطلوب هو التأكيد أن الشاشة هى سر العنف فى الشارع، وهو بالضبط ما تؤمن به الدولة وتروج له بأن محمد رمضان (الأسطورة) و(عبده موتة) شكلا البنية التحتية لانتشار العنف، وعلى الناس أن تصدق أن العنف لا يعبر عن قصور أمنى، ولكنه فقط (عبده موتة)، ننتقل إلى خبير استراتيجى آخر وهو رجل الدين، لدينا دائما أسئلة شائكة نوجهها لرجل الدين هو يتحدث من منطلقاته الفكرية المطلقة، مثلا الشيخ الإمام الأكبر أحمد الطيب عندما يسأله أحد عن الدعوة التى تتبناها الدولة (تجديد الخطاب الدينى)؟ يجيبهم (نعم للتجديد)، وبهذا يضمن رضى النظام ويضيف فى نفس الجملة (لا للتبديد)، فترضى عنه المؤسسة الدينية، التى بطبعها ترفض أن تتحرك أى خطوة بعيدا عما ألفته وتوارثته من إجماع هيئة كبار العلماء.
أين هى حدود التبديد ومتى ننطلق للتجديد، لن تجد إجابة محددة، لكن فقط تلك الإجابات الفضفاضة التى ترضى عادة كل الأطراف، وكل منا يأخذها على المحمل الذى يريده.
الداعية ربما يمتلك مساحة أوسع من الإمام الأكبر، وهكذا مثلا توجهوا إلى د. سعاد صالح، يسألونها فى تفاصيل حساسة مثل ما هو المسموح فى العلاقة بين الخطيبين، وهل يجوز مثلا أن يقول الخطيب لخطيبته بحبك؟ فتأتى إجابة د. سعاد هذا محرم شرعا، دعنا نتخيل الحوار بين خطيبين هو يتجنب استخدام كلمة أحبك، فيقول مثلا وحشتينى، هل تعتبر حلالا؟ ثم لو قالت له خطيبته وانت وحشتنى، فجاء رده أيضا متجنبا كلمة أحبك و(انتِ وحشتينى جدا جدا)، أليس من الممكن أن تحمل جدا جدا نوايا أشد ضراوة من بحبك فقط!!.
سيبك من كل هؤلاء الاستراتيجيين، واستمع فقط للاستراتيجى الكامن فى أعماقك، عملا بنصيحة أم كلثوم (اسأل روحك اسأل قلبك)!!.