بمقتل الزعيم الليبى معمر القذافى فإن الجماهيرية الليبية فى طريقها إلى القبر بعد 42 عاماً من الخدمة الفاشلة، ولكن رغم الاحتفالات الصاخبة بمقتل القذافى، فإن المراقبين والمحللين يرسمون مستقبلاً قاتماً لليبيا.
ويرى الخبراء أن الصراع الذى ظهرت بوادره بين العلمانيين والإسلاميين فى المجلس الانتقالى وكذلك الصراع الذى بين القبائل والقوى الإسلامية من جانب آخر فى ظل وجود لفلول النظام السابق وهى ميليشيات مسلحة سيحسمه الجنوب الليبى الذى لم يظهر موقفه بعد على السطح، حيث تركزت المعارك بطول الساحل الشمالى.
وصرح د.خالد حنفى الخبير فى الشأن الليبى والأفريقى لـ«المصرى اليوم» بأنه لا يمكن فصل مستقبل الدولة الليبية، فى مرحلة ما بعد القذافى، عن القوى الداخلية والخارجية التى أسهمت فى إسقاط نظامه، حيث إنها ستلعب دوراً مؤثراً فى تشكيل مستقبل هذا البلد.
فقد اتسمت الثورة الليبية بخصائص لم تتكرر فى الربيع العربى، على الأقل حتى الآن، لعل أبرزها: حالة العسكرة التى فرضت على الثورة، فاتخذت شكل حرب أهلية، والإسهام الفعال لقوات الناتو فى إسقاط نظام القذافى، فضلا عن اختفاء البنية السياسية التحتية للنظام الجماهيرى أو تفتتها، سواء أكانت مؤسسات عسكرية أم سياسية، بما يشير إلى أن التحدى الرئيسى فى المرحلة الانتقالية لا يتعلق ببناء نظام سياسى فحسب، وإنما صياغة دولة جديدة على أسس مختلفة.
وتوجد تحديات جسيمة أمنية وسياسية تلقى بظلالها على المشهد الليبى، بما يدفع إلى محاولة فهم طبيعة القوى التى ستسهم فى تشكيل مستقبل ليبيا، واحتمالات التوافق والخلاف المصالحى المتوقع فيما بينها.
والآن بدأَت تلوح فى الأُفق ملامح معركة سياسية داخل نطاق المجلس الانتقالى الليبى، الذى يمثِّل الهيئة السياسية المعبِّرة عن الثورة طوال الأشهر الماضية، ويتجلَّى هذا الصراع السياسى بين العلمانيين والإسلاميين؛ حيث يتخوف العلمانيون من أن يعملَ الإسلاميون - الذين ما زالوا يتمتَّعون بالقيادة الميدانية، ويَحظون بثقة الثوَّار وولائهم - على استغلال القوَّة وذلك النفوذ فى التأكيد على دورٍ مُهَيمن على الساحة السياسية فى ليبيا الجديدة. ويقول أحد قادة الثوَّار - الذى اشْتَرَط سِريَّة هُويَّته - مُعَلِّقًا على الصراع السياسى داخل المجلس الانتقالى: «نحن لا نريد أيَّ مساحة فى المستقبل لهذه التيَّارات الإسلامية؛ حتى لا يَسرقوا الثورة»!
ويرى حنفى أنه بعد القذافى فإن بقيت الفلول وهى ميليشيات مسلحة وقبائل منقسمة لكل منها مصالحها كان القذافى يشترى ولاء أغلبها بأموال النفط فإن الصراعات المتعددة بين القوى المتواجدة الآن على الساحة ستحدد مستقبل ليبيا، وهذه القوى هى «الناتو» والمجلس الانتقالى، القبائل، والكتائب، والميليشيات التابعة للقذافى.
وترتسم السيناريوهات بين انهيار تام للدولة، أو انقسامها لعدة دويلات، فضلا عن ميل العديد من التقديرات لبقاء قوات الناتو من خلال «الأمن الناعم» لتشكل المؤسسات الأمنية والمساعدة فى عملية التحول الديمقراطى، فضلا عن مواجهة أى خطر لسيطرة متشددين على الحكم، مثلما حذر الأمين العام لحلف الناتو فوج راسموسين فى إطار ما يطلق عليه البعض «الاحتلال الناعم» لليبيا.
فيما يرجح البعض احتمال «توطن» قوات الناتو على سواحل ليبيا، كمقدمة لتعزيز وجوده العسكرى فى الشرق الأوسط والدفاع عن مصالحه النفطية والأمنية بدلا من أفغانستان. وفيما يتعلق بالوضع فى القبائل يرى المراقبون أن قبائل الغرب، خاصة المقارحة، كانت مستفيدة من امتيازات نظام القذافى. إلا أن دورها كان فاعلا فى إسقاط طرابلس، فى إطار منظومة ثوار الغرب. فرغم أن البعض يحاول إظهار أن دخول طرابلس جاء على وقع ضربات الناتو فقط، فإن ثمة دلائل على دور رئيسى للقبائل فى إسقاط العاصمة. وهو لايزال مثار جدل، إذ إن ثوار الغرب المنتمين للقبائل ليس لهم تمثيل فى المجلس الوطنى الانتقالى، ولديهم خلافات مع ثوار الشرق.
الأمر الأهم هو أن القبائل التى كثيرا ما دعمت فى غالبيتها نظام القذافى «مناطق سرت وترهونة وبنى وليد وسبها وغدامس»، لا يمكن إزاحتها من معادلة تشكيل الدولة، وإلا فلن يكون هنالك استقرار فى ليبيا، ولعل مطالبات القبائل بنصيب من الحكومة، والمجلس التنفيذى للمجلس الوطنى الانتقالى تشير إلى أنها ستكون لاعبا رئيسيا فى تشكيل معادلة الحكم بعد القذافى. ويرى المراقبون أن قبائل الجنوب قد تكون هى الحاسم الفعلى للصراع القبلى ولوحدة البلاد، فقد كان القذافى يعمل على إعلان دولة منفصلة فى الجنوب يسمونها «الطوارق» أو «أفريقيا العظمى».
بخلاف هذه القوى الرئيسية، هنالك قوى لم تكن متواجدة على الأرض، وإنما مارست من الخارج ضغوطا إعلامية فى الرأى العام العالمى وشبكات التواصل الاجتماعى لمصلحة الثورة، مثل معارضة المهجر فى الولايات المتحدة وبريطانيا، والتى تنقسم بين قوى ليبرالية وإسلامية وملكية، وهى تتشرذم إلى أكثر من 25 حركة سياسية، منها: الحركة الوطنية الديمقراطية الليبية، والجبهة الوطنية من أجل إنقاذ ليبيا، أو حركة الكفاح الوطنى الليبى، والاتحاد الدستورى ذو الاتجاه الملكى، وله أنصار فى شرق ليبيا، وبدا ذلك واضحا فى مسألة تبنى علم الملكية مع بداية الثورة. فالتوافق بين جميع القوى سيؤدى للمرور من عنق الزجاجة وهو الأمر المستبعد فى ظل بوادر الانقسام والانشقاق التى ظهرت جلية حتى قبل مقتل القذافى بين القوى المتصارعة وخاصة داخل المجلس الانتقالى الحاكم.