كانت زيارة منطقة سجون طرة مجرد حلم، للتعرف على طبيعة الحياة داخل هذا السجن، الذى جمع بين جدرانه الكثير من المشاهير، فكثيراً ما كتبنا عن الحياة بداخله دون أن ندخله حتى أتيحت لنا الفرصة بعد طول عناء ومحاولات سابقة، ولكن الحلم الحقيقى لم يكن فى زيارة منطقة السجون، ولكن فى زيارة سجن شديد الحراسة أو ما يعرف بالعقرب، الذى سجن فيه الآلاف من أعضاء جماعتى الجهاد والجماعة الإسلامية، وأغلقت بعض زنازينه 7 سنوات على أصحابها، فضلاً عن حجب الزيارة عنهم طيلة هذه الفترة.
«المصرى اليوم» أجرت حواراً مطولاً مع الشيخ محمد، شقيق أيمن الظواهرى، الرجل الثانى فى تنظيم القاعدة، بعدما اخترقت سجن العقرب، الذى كان يظن أنه لن يغادره إلا إلى حبل المشنقة نتيجة أفكاره التى رفض أن يراهن أو يساوم عليها فهو أحد المحكومين بالإعدام، كما قال لنا، رغم أنه لم يبلغ بالحكم ولم يوقع عليه ولم يكن يعرف أنه سيخرج من أشد السجون ضراوة بعد إجراء هذا الحوار بساعات قليلة.
■نريد أن تعطينا نبذة عنك وكيف قبض عليك، وما التهم الموجهة إليك؟
- اسمى محمد ربيع الظواهرى، مهندس معمارى، وكنت أعمل مدير إدارة بهيئة الإغاثة الإسلامية بالسعودية، وعمرى الآن 58 عاماً، وطوردت من كل الأجهزة الأمنية فى العالم بداية من أجهزة الأمن السعودية عام 1994 بإيعاز من الأمن المصرى، وهربت إلى اليمن ثم السودان ثم أذربيجان ثم الإمارات حتى قبض علىّ ولم يتم ترحيلى إلا بعد 4 أشهر بعد القبض علىّ فى الإمارات وظللت معزولاً عن العالم طيلة فترة الاستجواب، التى عذبت فيها عذاباً شديداً ثم سلمتنى الإمارات للأمن المصرى الذى صنع نفس الشىء، بعدها نقلت إلى المقر الرئيسى لجهاز أمن الدولة بمدينة نصر ومنه إلى سجن العقرب قبل سنوات.
■ما الضغوط التى تعرضت لها وما وضعك داخل السجن؟
- تعرضت لضغوط كثيرة ممثلة فى التعذيب الوحشى ومحاولة كسر الإرادة، من أجل التخلى عن معتقداتى، ففضلاً عن التعذيب كانت تأتينى التهديدات يوماً بعد الآخر، ومن التهديدات تنفيذ حكم الإعدام الصادر فى حقى، الذى لم أعلن به ولم أوقع عليه، فربما يكون قد صدر من محكمة عسكرية غيابياً، ولكنهم لا يريدون تنفيذ الحكم لغرض فى أنفسهم لا أعلمه، على كل الأحوال هم يحاولون إرهابى بهذا الحكم المزعوم، رغم أننى سألت أحد وكلاء النيابة عن موقفى فقال باستغراب شديد، هو أنت مش عارف موقفك؟!، فقت له نعم، فأخذ يقرأ فى ملف الأوراق الذى أمامه نصف ساعة ثم قال لى: أنت معتقل.
■هل وجهت إليك تهم بعينها؟
- لا، فمنذ تم القبض علىّ وأنا رهين أجهزة الأمن التى تمارس تعذيبها ضدى، ووجه لى تهديد من قبل جهاز أمن الدولة قبل أن يحل بأننى إذا انتقدت مبادرة الدكتور سيد إمام والداعية لوقف العنف، فسوف ينفذون حكم الإعدام الصادر فى حقى.
■هل لاقت مبادرة وقف العنف التى تبنتها قيادات جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية قبولكم؟
- بالطبع لم تلق القبول، ففيها العديد من المخالفات الشرعية الكبيرة.
■ولكن كل من وافق على المبادرة خرج من السجن وحاول أن يعمل وفق أفكاره ومعتقداته،؟
- هذا الكلام غير صحيح، فهناك من وافقوا على مبادرة وقف العنف، ولكنهم لم يخرجوا من السجون، مثل عبود وطارق الزمر اللذين ظلا حبيسين بعد قضائهما فترة العقوبة 10 سنوات إضافية، فقد سجنا ثلاثة عقود كاملة، ولم يخرجا إلا قبل أيام، رغم أن المبادرة خرجت فى عام 1997.
وقيل لى من قبل أجهزة الأمن لو وافقت على المبادرة سوف تخرج من السجن، لكن عدم موافقتى عليها كان مرتبطاً بمبدأ ودين، فرفضى وقبولى أى شىء مرتبطان برؤية شرعية.
■هل هناك علاقة للقبض عليك بشقيقك؟
- طبعاً، ثبته الله وحفظه من كل سوء ومكروه، إذ تسربت شائعة بين الناس بأننى قتلت وذهبت جمجمتى لأمريكا، وأخذوا تحليل الـDNA للتعرف على شخصية شقيقى، لأنه بطبيعة الحال مرصود من قبل المخابرات الأمريكية، ودعنى أقل لك إننى الآن فى السجن بمثابة رهينة لدى أجهزة الأمن حتى يظهر الدكتور أيمن الظواهرى، وكانوا يحاولون الضغط على أخى حتى لا ينفذ عمليات أكثر.
■كيف ترى مصر بعد ثورة 25 يناير؟
- أرى الغمة أزيلت بزوال النظام، الذى كان يرهب الناس فى كل كبيرة وصغيرة، وإن كنا لا نؤيد التوجه العلمانى فى الثورة مع تأييدنا لها فى حد ذاتها، فالإسلاميون يأملون فى أن يأخذوا جانباً من الحرية حتى ينشروا فكرهم الصحيح، وبعض العلمانيين «راكبين الموجة»، والثورة بها رافد إسلامى لا يمكن تجاهله ويطالب بتطبيق الشريعة.
■ما ملاحظاتك على مبادرات وقف العنف؟
- ملاحظات شرعية، فنحن لا نضع أيدينا فى يد النظام العلمانى، ومن وافق على المبادرات هم إخوان سلفيون وجهاد وكلنا نصب فى رافد واحد، فكلنا أبناء حركة إسلامية واحدة، قد نختلف فى الاتجاهات لكننا لا نختلف فى الهدف، وتحفظاتنا نحافظ عليها فيما بيننا.
■كم شخصاً مقتنعاً بأفكارك داخل السجون؟
- كثيرون، والفكر السلفى الجهادى هو الغالب فى السجون ومؤيدوه تمتلئ بهم الزنازين الآن، وتحت الضغط هناك من يتخلى عن بعض أفكاره ومعتقداته، لكن دعنى أقل لك إن هناك سجوناً بأكملها ترفض المبادرات.
■ما هى؟
- سجن الاستقبال وسجن الوادى الجديد وسجن أبوزعبل وسجن وادى النطرون واحد، هدفنا وضابطنا فى كل هذا شرعى، ونحاول إزالة النظام الطاغوتى المتكبر، ونرفض أن يكون النظام العلمانى هو البديل، لأننا نرفضه أيضاً، فضابطنا شرع الله ولا شىء سواه.
■أين الدكتور أيمن الظواهرى؟
- لا أحد يعرف مكانه، ولا نملك سوى الدعاء له بالتثبيت، وأن يحفظه الله ويهديه وينصره، لأن أمريكا لو أمسكت خيطاً يؤدى إليه فلن تتركه.
■الكثير يرى أن ما يفعله الظواهرى وتنظيم القاعدة إرهاب.. فما رأيك؟
- الغرب يحاول تشويه صورتنا، لأنه يرانا بمنظور العدو، وقد دخلوا بلادنا واحتلوها، فطبيعى أن يصفونا بأننا إرهابيون، فضلاً عن انتهاكهم الأعراض، وما نعيشه الآن يسمى جهاد الدفع، وعلى المسلمين جميعاً أن يدفعوا هذا الضرر، ونحن مأمورون بإرهاب أعداء الله، الذين ينتهكون الأعراض، وقرار تنفيذ القاعدة عمليات داخل أمريكا جاء بعد أن قامت أمريكا بحربها ضد المسلمين، ونحن فقط أردنا دفع ضررها عنا.
■هل لأفكار «القاعدة» وجود فى مصر، وما أعداد من يعتقدونها؟
- هذه الأفكار موجودة فى العالم كله وليس فى مصر فقط، ولا أعرف أعداد من يعتقدونها فى مصر، فالفكر السلفى الجهادى يجتاح العالم بأكمله، وهؤلاء يدافعون عن حرمات وأعراض المسلمين وأراضيهم أيضاً.
■لكن هناك إسلاميين يطرحون منهجاً وسطاً بعيداً عن العنف؟
- نحترم هذا الفكر، وتاريخ الحركات الإسلامية فيه اجتهادات، وكلها تخدم الإسلام، وفى الوقت نفسه لا نقبل أن يهاجمنا أحد لأننا لا نهاجم أحداً، وجميعهم فى طريق الدعوة إلى الله.
■مع من سوف تعمل فى حال خروجك؟
- كلهم إخوانى.
■لكن لك رأياً فقهياً ربما يمنعك من العمل مع من تفاعلوا مع مبادرات وقف العنف؟
- كلنا واحد، فهناك من يتولى الدعوة وهناك من يتولى الجهاد.
■ولكنك مع الذين يتولون الجهاد؟
- الله أعلم، أرى أن الجهاد فى موضعه أمر شرعى واجب على المسلمين، كما أمر الله عز وجل، وأحد الأوجه الشرعية مواجهة أمريكا، التى تعتدى على ديار المسلمين كما ترى، أقصد الجهاد بكل صوره التى يأمرنا الله عز وجل بها.
■كيف تعيش فى السجن؟
- حاولت أجهزة الأمن الضغط علىّ لتغيير أفكارى وآرائى الشرعية، ولكننا والحمد لله صبرنا.
■ما الأشياء التى كانت أجهزة الأمن تساومك عليها؟
- أمور كثيرة، غير أنهم لا يمنعون عنى الدواء، فالأطباء طالبوا بضرورة عمل أشعة مقطعية وتحليل عينات وكان هناك اشتباه فى ورم وكان يستلزم متابعة، وقال لى ضابط فى أمن الدولة: إنت أخو أيمن الظواهرى يبقى مش هتخرج.
■وماذا كانت تريد منك أجهزة الأمن تحديداً؟
- أن أتعاون معها فى تقديم معلومات وغيره، وقد منعونى لنفس السبب من زيارة والدتى المريضة أو حضور جنازتها أو حتى عزائها والزيارات الأسرية ممنوعة عنى بطبيعة الحال.
■وماذا كان هدف الأجهزة الأمنية من وراء ذلك؟
- التخلى عن أفكارى واجتهاداتى الشخصية وآرائى الشرعية، حتى يقول هؤلاء الضباط إننا استطعنا بالفعل أن نغير من أفكار هؤلاء المتطرفين، وأتذكر عندما خرجت مبادرة الدكتور سيد إمام، وأخذت إلى مقر أمن الدولة بالمخالفة لقانون السجون، وحذرونى من التعليق عليها، وعذبونى بالصعق بالكهرباء فى أماكن حساسة.
■هل ترى أنه لابد لأى تيار إسلامى أن يكون له جناح عسكرى؟
- نعمل ما يأمرنا به الله، يأمرنا بالدعوة فندعو، ويأمرنا بأن نتعلم فنتعلم، ويأمرنا بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فنفعل، ويأمرنا بالجهاد فنجاهد، وإن لم نستطع فإننا نقول إن الجهاد واجب.