ليلة الثورة أبلغ جمال عبد الناصر أشقاءه بأنه سينجح فى مهمته إذا رأوا الدبابات فى الشوارع

كتب: خالد الشامي الأربعاء 27-09-2017 23:08

ارتبطت عائلتا ناصر وزوجته بصداقة قوية، حيث كان يزور شقيقها مع عمه وزوجته وعندما أراد أن يتزوج أرسلهما لخطبتها وكان برتبة يوزباشى وكانت شقيقتها الكبرى لم تتزوج وأصر جمال على الزواج بعد زواج أختها التى تكبرها، وبعد حوالى سنة تزوجت شقيقتها، ووقتها كانت تقاليد العائلة أن لها الحق فى الرفض لمن لا تريده وليس فيمن تريده، وعقب وفاة والدتها عاشت مع شقيقها عبدالحميد، خريج كلية التجارة، وكان يعمل فى التجارة والبورصة، وكان محافظا لأقصى حد، وعقب فترة رحب شقيقها بالزواج عندما زار ناصر وعائلته بيتهما وكانت الخطوبة يوم 14 يناير سنة 1944، وأبلغه شقيقها بأن عقد القران يكون يوم الزفاف بعد إعداد المسكن، وكان يقابلها مرة واحدة فى الأسبوع بحضور شقيقها أو شقيقتها التى تكبرها وكان يفضل الخروج للسينما وأحيانا المسرح وكانت جميعا بالتاكسى، فيما كان تناول العشاء عقب العودة للمنزل، وبعد خمسة أشهر ونصف تم الزواج فى يوم 29 يونيو سنة 1944، ودائما ما كان يذكر ناصر أن شقيقها هو الوحيد الذى أملى شروطه عليه.

منزل الزوجية والدنجوان جمال يحملها من الطابق الثانى للثالث

لم تر زوجته المنزل الأول أو المفروشات قبل الزفاف وعند الاقتراب من المنزل، حيث كان يسكن فى الطابق الثالث وبمجرد الوصول للطابق الثانى حملها إلى الطابق الثالث وعندما دخلت المسكن وجدته مضيئا بأكمله وهو عبارة عن 5 غرف وجميع تكاليف الأثاث من ورث أبيه.

الضيوف والرجل المحافظ

إذا حضر أحد ومعه زوجته يقابله بمفرده ويصافحه ثم يصطحب الزوجة إلى الصالة ثم يبلغها بأن هناك سيدة فى الصالة فتخرج لتسلم عليها حتى تنتهى زيارة زوجها، فيما لم تكن تسلم على الضيف.

أول حمل وفرحة الأولاد

يداً بيد مع الوالد

وعندما ابتدأت الشعور بأول حمل اصطحبها لطبيب مشهور لمباشرة الحمل وكانت تزوره كل شهر وحدثت الولادة فى 12 يناير سنة 1946 ولم يخبر شقيقتها إلا فى الثامنة صباحا هاتفيا ثم ذهب لينام.

رافق شقيقها رغم إصابته بالدرن

قال أخوها عبدالحميد لإخوته إنه يحب جمال أكثر منهم، وذلك عقب إصابته بالدرن فى عام 46 وكان جمال لا يفارقه ولا يخشى الإصابة والعدوى منه، كما كان يشعر بالضيق من أشقائها لتركهم أخاهم منفردا.

قصة القميص الغارق فى الدماء

بعد 3 شهور ونصف من بدء حرب فلسطين عاد لمنزله فى إجازة لمدة 3 أيام وظهر جرح من رصاصة أثناء الحرب حيث كان هناك جرح حديث وخياطة فى صدره من الناحية اليسرى ووجدت فى الشنطة قميصا وفانلة ومنديلا بها دماء غزيرة، وقال إنه أصيب وهو فى عربة حربية من رصاصة خبطت أولا فى حديد العربة الحربية الأمامى الذى لا يزيد عرضه على بضعة سنتيمترات، مما خفف الإصابة إذ انكسرت منها قطعة دخلت فى صدره.

حصار الفالوجة

علمت عن حصار زوجها فى الفالوجة من خلال جارة شقيقتها التى استوقفتها أثناء ذهابها لتسلم راتبه من البنك الأهلى فسلمت عليها وقالت لها هل لايزال زوجك فى الأسر؟ فردت عليها أنه فى مكان بعيد، ثم سألت ابنة عثمان باشا المهدى، الذى كان يشغل رئيس هيئة الأركان، ثم عادت ممسكة بيدها مجلة المصور وقالت: ها هو زوجك الصاغ جمال عبدالناصر فى صورة مع عدد من الضباط فى الفالوجة.

بلوفر جمال وشغل التريكو

فى أحد الخطابات أثناء عمله أبلغته بأنها تشغل له «بلوفر» من التريكو ولونه رمادى فاتح وعند وصوله عرف الجيران والناس فى المحال القريبة من منزلنا.. والكل كان يعرف الفالوجة والحصار وبعد أن استراح ارتدى البدلة العادية وسأل عن البلوفر ثم ارتداه.

ميلاد خالد يوم 25 ديسمبر 1949

وعند الذهاب إلى الطبيب الذى باشرها أثناء ولادة هدى، قال لهم هل علمتم بالأسعار الجديدة فسأله جمال: وهل هذا يسرى أيضا على القدماء؟ فرد الدكتور قائلا: المستشفى مبنى على أحدث تصميم ومجهز بكل وسائل الراحة، والخدمة يقوم بها ممرضات أجنبيات، وقال ببساطة توجد الدرجة الثانية. رد جمال على الفور قائلا: يعنى هذا معناه أنت ترتفع ونحن ننزل؟! وبعد خروجنا من عنده قال لى جمال: سوف لا أذهب لهذا الدكتور أبدا. ويوم ميلاد عبدالحميد فى 29 أكتوبر سنة 1951، قالت له أتمنى أن يكون ولدا حتى لا يكون خالد مدللا، فقال لها: كونى مطمئنة أنا سوف لا أعطيه فرصة ليكون مدللا، مافيش حد يدلع.

أنور السادات

وفى إحدى الزيارات زارنا شخص أبلغت ناصر بأنه ضابط شديد السمرة، فقال لها زوجته بيضاء جدا، وكان أغلب الزوار يأتون ويسلمون عسكرى المراسلة أوراقا بتوقيتات الزيارة.

منشورات

فى يوم من الأيام وقبل رجوع جمال من الشغل حضر ضابط وطلب مقابلتها، وأعطاها دفتر دوسيهات كبيرا لونه بنى ففتحته فوجدت أوراقا فوق بعضها قرأت واحدة والتى تليها، وجدت نفس الكلام المكتوب وفهمت أنها منشورات مهاجمة لنظام الحكم فى البلد، وكانت تعرف جيدا عن خطورة المنشورات وكانت تخشى أن يتم إطلاق الرصاص عليه أو يطلقه على أحد.

ليلة الثورة

الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وأبناؤه

فى الثانى والعشرين من يوليو سنة 1952 وفى السابعة صباحا دخل جمال الحجرة وكان يلبس الملابس العادية.. القميص والبنطلون ولم ينم طول الليل، وكان من عادته أن يغسل وجهه قبل النوم، فقالت لنفسها سينام مبكرا، لكنه فتح الدولاب وارتدى البدلة العسكرية، فسألته للمرة الأولى إنت رايح فين بالبدلة الرسمية دلوقتى؟ فقال يجب أن ننتهى من تصحيح أوراق طلاب كلية الأركان، وفى الثانية عشرة مساء سمعت صوت طلقات رصاص كثيرة من ناحية قصر القبة، فخرجت لتبلغ أشقاءه الذين كانوا يجلسون فى الصالة بأن الضرب من ناحية قصر الملك ولابد أن يكون جمال من الذين يطلقون الرصاص ويهاجمون القصر، وقبل الساعة الثانية صباحا رأت العربات المصفحة والدبابات، ثم رأت أشقاءه يقفزون من الفرح فأدركت أنه انقلاب عسكرى، ثم قالوا لها إن جمال أبلغهم أنه ذاهب فى مهمة خطيرة، وقال إذا رأيتم الجيش نازل والدبابات والعربات اعرفوا إنى نجحت، وإذا لم تروا ذلك فاسألوا عنى. وفى الصباح اتصل بها وقال لها إن الملك سيراه فى الجرائد وسيرى صوره فى عربة جيب، وقال إنه لف الشوارع الرئيسية فى البلد مع اللواء محمد نجيب، وكانت أول مرة تسمع اسمه.

نظام المراسلة

ألغى جمال فى أول أسبوع بعد الثورة نظام المراسلة، لكن رفض المراسل أن يترك جمال وقال سأظل عندكم فأبى فقير وماذا سأعمل فى قريتى؟، ثم قام جمال بتعيينه فى أمن الرئاسة، أما عسكرى المراسلة الذى رافقه فى حرب فلسطين فرآه جمال يلوح له فى إحدى رحلات الصعيد فشكى له سوء أحواله فعينه الرئيس عسكرى أمن فى منشية البكرى.

أم كلثوم

من المفارقات كان جمال وزوجته حريصين على سماع أم كلثوم، وعقب قيام الثورة، اتصلت أم كلثوم هاتفيا بزوجة ناصر، وقالت إنها قابلت البكباشى جمال عبدالناصر فى القيادة العامة وسألته عنها فأخذت ميعادا وتقابلا، لكن أثر المكالمة كان كبيرا.

المصران الأعور والطعام المسلوق

فى شهر مايو سنة 1953 شعر جمال بألم فى بطنه وطلب طعاما خفيفا من الخضار المسلوق ولم يحضر على الغداء، لكنها فوجئت بعبدالحكيم عبدالناصر يقول لها جمال بخير وفاق من البنج بعد إجراء عملية المصران الأعور.

مؤامرة سلاح الفرسان

الفرحة بالحفيد

فى مايو سنة 1954 حضر جمال للبيت وقال لها جهزى نفسك والأولاد واذهبى لشقيقتك فى الجيزة وخذى معك ملابس للنوم وامضى الليلة عندها، ويجب أن تغادرى البيت قبل الثامنة مساء لأن البيت ربما يهاجم ويحتمل دخول بعض الضباط بالدبابات لنسفه، ولا ترجعى إلا بعد أن أكلمك بنفسى بالتليفون، وفى الصباح اتصل بها وقال لها أجهضنا المؤامرة.

قصة المصحفين وحادث المنشية

وعندما كان مقررا أن يلقى خطابا فى المنشية بالإسكندرية غادر البيت وقت الغروب، وقبل خروجه كان يضع دائما فى جيبه مصحفا صغيرا فى غلاف من المعدن الأبيض لم يجده وقت خروجه وكان متعجلا، فأحضرت له مصحفا آخر بغلاف من الكرتون فأخذه جمال ووضعه فى جيبه، وعند خروجه وجدت المصحف ذا الغلاف المعدن الذى اعتاد أن يخرج به فجريت مسرعة وأعطته له، وكان بالقرب من الباب فأخذه ووضعه فى جيبه وخرج بالمصحفين ومن وقتها ظل يخرج بالمصحفين.

التعليم

كان الرئيس يهتم بتعليم أولاده، ورغم شغله المتواصل كان يرى الشهادات كل شهر ويقارنها بالشهر الذى سبقه، ويطلب أولاده ويتحدث معهم عن الدرجات فكانت تضعها على الترابيزة فى حجرة النوم حتى يراها ويوقع عليها بإمضائه، وكانت هدى دائما الأولى بتفوق إذ تسبق الثانية بعدد كبير من الدرجات، وخالد إما الأول أو الثانى منافسة بينه وبين زميله، وقد لاحظ الرئيس وكان يضحك لهذه المنافسة. ولم يكن يعامل أطفاله بشدة ويقول إن الطفل الذى يُضرب يخاف، ولكى يحمى نفسه يكذب، وعندما يكبر يتعود على الكذب، وأهم شىء فى تربية الطفل ألا يكذب أبدا وأنه عندما يغلط ينبّه للصواب.

الطعام

وطعام الإفطار كوب لبن أو عصير فاكهة، وهو نفس الأمر فى العشاء مع تناول الجبنة البيضاء والزبادى، وفى الغداء لحم إما طيور أو سمك مع خضار وأرز، وفى عام 1958 أصيب بمرض السكرى وأصبحت تقلل كثيرا من الحلويات.

الهدايا

أسرة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر

كان يتقبل أن تكون الهدايا رمزية، عندما أهدى رؤساء وملوك، وبالأخص العرب، طائرة ومركبا وفرسا من رؤساء الدول سلمها للدولة ولم يترك بعد رحيله إلا العربية الأوستن السوداء، وقد ظلت باسمه فى قلم المرور، وعندما أهداه أحد رجال الأعمال الأغنياء العرب أصحاب الملايين هدية وكانت تقدر بمائة ألف جنيه، قال لم نقم بثورة لمثل هذا، وكلف صلاح الشاهد، كبير الأمناء، بإرجاعها وتقبل قلم «باركر».

زواج هدى ومنى

عندما تخرجت هدى فى الثانوية العامة بتفوق والتحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، كانت من ضمن الذين صافحهم الرئيس فى عيد العلم سنة 1963 وأهداهم جائزة وشهادة تقدير، فيما قابلت هدى الطالب بالكلية حاتم صادق وكان فى الفرقة الثالثة وأبلغت والدتها أنه يريد خطبتها، فأبلغها أنه عندما يحين خطبتها سيسأل عنه، فى الوقت الذى اعتذر للكثيرين للتقدم لخطبتهما من أولاد الأغنياء والباشوات السابقين، واعتذر بأنهما يكملان دراستيهما، فيما قال إنه لن يستطيع السؤال عن حاتم إذا كانا متفقين وقال إحنا صعايدة وعقد القران بعد أسبوعين وتم زفافها فى 5 أغسطس سنة 1965 قبل أن تتخرج فى الجامعة وبعد انتهاء حفل الزفاف، وعند مغادرة هدى البيت صافحها الرئيس وقبلها وبكى، وفى سنة 1966 تخرجت فى الكلية ونجحت بتفوق بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، وعينت مع زوجها حاتم صادق فى رئاسة الجمهورية. وعندما كانت رغبة منى الالتحاق بالاقتصاد والعلوم السياسة، لكن مجموعها لا يؤهلها فالتحقت بالجامعة الأمريكية، ثم تقدم لخطبتها أشرف مروان خريج كلية العلوم وكان ضابطا فى القوات المسلحة بقسم الكيمياء برتبة ملازم أول، ووالده ضابط بالقوات المسلحة برتبة عميد وتم الزفاف فى 7 يوليو سنة 1966.

عدوان 5 يونيو 1967

وفى أول يونيو 1967 كان الاعتداء الإسرائيلى على سوريا وقال إن اليهود سيعتدون على مصر، وحدد بالضبط يوما وحصل الاعتداء الإسرائيلى فى نفس اليوم الذى حدده، وفى يوم 9 يونيو ألقى الرئيس خطاب التنحى، فقال الابن الأصغر عبدالحميد «أحسن يا ماما علشان بابا يستريح»، وعندما عاد للمنزل علا صوت الجماهير وخلع بدلته ولبس البيجامة ورقد على السرير.

يوم الوداع

وفى اللحظات الأخيرة دخلت الزوجة الحجرة ووجدته مضطجعا على السرير وتناول الزبادى، وظل الرئيس يتحدث فى التليفون حتى الساعة الثانية عشرة ثم قال: سأنام مبكرا، وغدا سأذهب فى الصباح لتوديع الملك فيصل وأمير الكويت وأطفأ النور ونام، وفى الصباح استيقظ قبل الثامنة، وحضر الطبيب الخاص ثم ذهب للمطار وتناول فاكهة فقط، وعقب العودة رأت الطبيب يجرى له فحص رسم قلب ورأى زوجته ونادى عليها فدخلت الحجرة، وأشار لها بيدها وهو راقد على السرير بالجلوس وظلت نحو عشر دقائق وهو راقد لم يتكلم، وعندما جاء الدكتور الصاوى حبيب طلب عصير برتقال وليمونا، فشرب عبدالناصر البرتقال وبعد دقائق حضر دكتور منصور فايز فقالت له أنت جيت ليه يا دكتور دلوقتى؟ أنا لما بشوفك بعرف إن الرئيس تعبان وبكون مشغولة. ثم دخل طبيب تلو الآخر، وزاره حسين الشافعى ومحمد حسنين هيكل وكل واحد يدخل الحجرة ولا يخرج منها وكانت تبكى، ثم رأت حسين الشافعى يخرج من الحجرة يبكى ويقول: مش معقول يا ريس، وحضر خالد وعبدالحكيم فى هذه اللحظة ولم يكونا فى البيت ولا يدريان شيئا، ودخلا مسرعين، وحضرت هدى وكانت لا تعلم بما جرى بعد ذهابها لبيتها، ثم دخلت زوجته غرفته بعدما ارتدت ثوب الحداد إعلانا برحيل الزعيم والزوج والأب، لتطلب طلبا أخيرا من رئاسة الجمهورية أن ترقد بجانبه بعد وفاته.