فى حقبة الخمسينيات وحتى آخر التسعينيات، ودون منبهات، بل على دقات الساعة البيولوجية تستيقظ الأم وتوقظ زوجها ليصليا الفجر معا، ثم تتجه إلى مطبخها لتبدأ فى الاستعداد لتجهيز الفطار، بينما يتجه الأب بخطوات نشيطة متمما «أصبحنا وأصبح الملك لله»، نحو الراديو، ليدير مفتاح التشغيل على برنامج تلاوة الصباح بصوت القارئ الشيخ محمد رفعت. ثم يطرق على أبواب غرف أبنائه طرقا خفيفا، حتى يوقظهم دون أن يزعجهم، ليستقبلوا أول يوم دراسى.
يستيقظون على دعاء الأم والأب لهم بالتوفيق، يصحبه صوت أم كلثوم «ياصباح الخير يا اللى معانا»، وكأن الجميع كان يستقبل أول يوم دراسى، والذى يودع فيه الأبناء آباءهم منطلقين إلى مدارسهم وجامعاتهم، على أنغام صوت الفنانة نجاح سلام، فى برنامج طريق السلامة «بالسلامة يا حبيبى بالسلامة». لكن هل ظل هذا المشهد وتوارثته الأجيال التالية من الأمهات فى استقبالهن واستعدادهن لأول يوم دراسى، أم اختلف؟ أم اختفى؟ بدءا من لمبة الجاز- والطبلية إلى «الفوالة» لتدميس الفول البيتى، ثم المريلة وشنطة الكتب المدرسية، وبعض الأدوات المدرسية البسيطة وصولا إلى «اليونيفورم» بديل المريلة، واللانش بوكس، والآيباد، وأحدث صيحات الأحذية والشنط المدرسية..
«المصرى اليوم» تصطحب القارئ فى جولة مع الأمهات عبر أجيال مختلفة ومتعاقبة، بدءا من حقبة الخمسينيات حتى الآن، لمعرفة كيف استقبل كل جيل واستعد لأول يوم دراسة، وماذا يعنى لكل جيل مصطلح «أول يوم دراسة»..
«جركن الجاز، ولمبة جاز جديدة أو على الأقل صيانة القديمة، من تغيير شريطها، ولمبتها الزجاجية، وتلميعها، وصيانة الطبلية الخشب التى ستعاصر مذاكرة أبنائها السبعة منذ يومهم الدراسى الأول، وزيارة خاطفة للخياطة التى تخيط مرايل بناتها، وشنط مدرستهم أيضا من ذات القماش، لتأكيد موعد استلامها قبل الدراسة بيوم حتى تتمكن من غسلها وكيها، وشراء فول التدميس».. تلك هى استعدادات الحاجة «رسمية النمر» 87 عاما من محافظة الشرقية لاستقبال أول يوم دراسى. المزيد
ما إن تجلس معها حتى تعيدك إلى أول يوم دراسة بالفعل، وتتسرب إليك الفرحة وتسكنك، من خلال كلامها ووصفها وسعادتها بمشاركة زوجها لها التى افتقدتها بموته.. إنها «الحاجة بدرية أبوالمعاطى» امرأة فى نهاية العقد السادس من عمرها تسكن فى حلوان، ولديها ثلاث بنات وولد. المزيد
فى قرية توشكى غرب بمحافظة أسوان تعيش الحاجة نفيسة مع أسرتها المكونة من زوجها، وأبنائها الستة.. عودت أبناء على الانضباط منذ أول يوم للدراسة. فكانت تستيقظ فجرا، وتوقظهم جميها بهدوء ونظام، وكأنهم فى طابور. وتجهز المريلة التى أحيانا تفصلها بيدها، وتشتريها أحيانا أخرى، فى موسم تخفيضات المدارس. كان زوجها موظفا، وكان يعمل فترتين ليتمكن من تدبير احتياجات أسرته، أما هى فظلت ربة منزل حتى كبر أبناؤها ثم نزلت للعمل لكنها مازالت المسؤولة عن شراء كل متطلباتهم لأول يوم مدرسى. المزيد
هى أسرة كل أمهاتها تربويات، بدءا من الجدة «ليلى» حتى الحفيدة «فدوى» الأمر الذى جعل تعاملهن مختلفا عن غيرهن مع أول يوم دراسى. فهن يستعددن لأول يوم مدرسى فى المنزل والعمل. فالجدة «ليلى» وعمرها 74 عاما كانت تصطحب بناتها الثلاث، قبل المدرسة بأسبوع لتشترى لهن قماش المريلة من محال بنزايون، وتقوم بتفصيله لدى خياطة تختارها بعناية شديدة، لتخرج من تحت أيديها أكثر ثلاث مرايل أناقة وشياكة، ومميزة عن باقى مرايل زميلاتهن فى المدرسة. وكانت ترسل أكبر بناتها لتعتاد تحمل المسؤولية، إلى المكتبة المواجهة للمدرسة، وكان اسم المكتبة «الموناليزا» وتكتب لها قائمة بكل الأدوات والكتب المطلوبة وتشتريها. كان الكشكول بقرش، وكتاب سلاح التلميذ بـ 25 قرشا، والكراسة بتعريفة. وكانت بناتها تلميذات فى نفس المدرسة التى تعمل فيها، يذهبن ويعدن معا. لم تعط دروسا خصوصية لهن فى الصغر، بل أول درس خصوصى كان فى الشهادة الإعدادية فقط، وفى مادة الرياضيات فقط، وثمن الحصة 2 جنيه و75 قرشا. أما فى الثانوية العامة فكانت المادة بعشرين جنيها فى الشهر. وكانت المجموعة المدرسية للمرحلة الابتدائية بخمسين قرشا فى الشهر، وفى الإعدادية بخمسة جنيهات فى الشهر للمادة. المزيد