لا أحد يعرف الحقيقة كاملة، هناك نصف آخر لا تعرفه.. وقف المعلم يشرح الدرس، وأتى بطالبين وطلب من كل منهما أن ينظر إلى الآخر.. وأشار إلى كل واحد أن ينظر إلى كرة على الترابيزة.. وقال لكل واحد: ما لونها؟.. قال أحدهما بيضاء، فجن جنون الثانى، وقال إنها سوداء.. فطلب تبديل الأماكن، فاكتشف من قال إنها سوداء، أنه كان يرى النصف الأسود فقط، بينما من كان يقول إنها بيضاء، لم يكتشف أن هناك نصفاً آخر!
وقس على هذا ما يحدث فى حياتنا السياسية والاجتماعية واليومية.. فنحن نرى نصف الحقيقة فقط، لكننا نغضب حين يقول آخر إن هناك نصفاً أسود للحقيقة.. فلا الحياة كلها بيضاء، ولا الحياة كلها سوداء.. الحل هو المعرفة.. إتاحة المعلومات.. إفساح المجال لوجهات نظر مختلفة.. معظم مشكلاتنا أن المعلومات فى الأدراج المغلقة.. حارس البوابة لا يسمح بشىء.. لا يعرف أن الناس تتخبط، لأنه لا «يقبل» الآخر!
كثيرون لا يعرفون مثلاً نصف الحقيقة وراء فك حكومة حماس فى غزة.. هناك حالة ريبة.. مع أن الأزمة كانت فى رأب الصدع، طوال سنوات مضت لحل القضية.. مؤسف أن تكون هناك اتهامات بلا سبب.. مفترض أن ما حدث عودة للصواب.. البعض يشكك فى جدية حماس، يرون أنها مناورة.. يتهمونها بأنها وراء سقوط آلاف الشهداء فى سيناء، إنهم يقفون على «الطرف الآخر».. فلا توجد لديهم «معلومات»!
مشكلاتنا سببها أننا نقطع بأننا على صواب دائماً، ولا أحد على صواب طوال الوقت.. الأصل أننا نبحث عن الحقيقة.. أنا مثلاً كل يوم أطرح الأسئلة.. لا أطرح إجابات.. أبحث عن إجابات عند الدولة.. المأساة أن الدولة لا ترد على أحد.. لا تشرح مواقفها.. تتخيل أنها تدير عزبة.. لا تعرف أن هناك شركاء.. فإذا هم حصلوا على المعلومات عرفوا الحقيقة.. قرارات كثيرة بلا «مبررات».. الإحساس بالغضب يزيد!.
نحن نكتب كل يوم، ويخطئ البعض إذا تصور أننا ندعى قول الحقيقة، ولا شىء غيرها.. إنها مجرد رؤية قد تصيب وقد تخطئ.. ربما هى مشاركة فى الحل لا أكثر ولا أقل.. وللأسف هم أيضاً يعتقدون أنهم على صواب.. وينحازون لطرف دون آخر.. بعضهم ليس عنده مؤهلات أصلاً.. لكنه مقتنع بنفسه.. يشبه طباخ نيويورك، المحلل السياسى «المزيف».. يتكلم فى السياسة والاقتصاد وكرة القدم، مع أنه جاهل!
لماذا لا نعترف أننا على طرف واحد من الطاولة؟.. ولماذا لا نعترف أننا نرى نصف الكرة فقط؟.. فلا الكرة سوداء فقط، ولا بيضاء فقط.. الكرة نصفها أسود ونصفها أبيض.. هذه هى الحقيقة.. ولا يعنى هذا أن نقف فى المنطقة الرمادية.. بالعكس.. ولكن فقط علينا أن نضع احتمالاً بأن «الحقيقة» غير ما نعرف.. وقد طبقت مثلاً هذا الكلام على حكاية فاتورة الكهرباء.. ما الذى سوف تفعله «الجهة السيادية» بالضبط؟!
باختصار، هناك نصف آخر لحقيقة تعويم الدولار والتضخم ورفع سعر الفائدة.. هناك نصف آخر لحقيقة ما يقوله ترامب عن كوريا الشمالية وإيران.. هناك نصف آخر لحقيقة غياب بوتين والرئيس الصينى شى بينج عن اجتماعات الأمم المتحدة 72.. وأخيراً هناك نصف آخر لإعلام الحمامات.. هل هو تطوير أم تأميم؟!