إيران تواصل القمع: نساء في «سجون المرشد» (تقرير)

كتب: رضا غُنيم الإثنين 18-09-2017 13:07

اعتقلت السلطات الإيرانية، قبل أيام، راحلة راحميبور، إحدى المدافعات عن حقوق الإنسان، لسعيها للكشف عن الحقيقة حول اختفاء شقيقها وابنته الرضيعة.

وطالبت منظمة العفو الدولية طهران بالإفراج فوراً، ودون قيد أو شرط، عن «راحميبور»، التي استهدفتها السلطات الإيرانية قبل عام بسبب نشاطها السلمي، وصدر حكم ضدها بالحبس عام، وتنتظر الآن حكم الاستنئاف.

وقالت ماجدالينا مغربي، نائبة المديرة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا: «لقد أُجبرت راحله راحميبور بالفعل على تحمل القلق والأسى من اختفاء أحبائها قسراً، وتواجه حكماً بالسجن جائراً على جهودها لمعرفة مصيرهما. ويقدم اعتقالها دليلاً آخر على عزم السلطات الإيرانية على تخويفها كي تلتزم الصمت، وتُطيل من معاناتها».

سجل إيران في التعامل مع الناشطات في مجال حقوق الإنسان، والمطالبات بالإصلاح الديمقراطي، طويل، ويصل قمع السلطات هناك إلى حد اعتقالهن بتهم تعتبرها منظمات حقوقية دولية «وهمية»، مثل تهديد الأمن القومي، والتخابر مع إسرائيل، جراء محاولتهن الكشف عن الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون في طهران.

وحسب منظمات حقوقية غربية، تعتقل إيران كثيرا من الناشطات العاملات في المجال الحقوقي.

وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش- غير حكومية- «النساء الإيرانيات في السجن، هذا يشمل ناشطات حقوق الإنسان والمحاميات والصحفيات. المشترك بينهن هو سعيهن الحثيث للعدالة، معرضات أنفسهن وعائلاتهن وسمعتهن لخطر كبير».

وأشارت المنظمة الدولية إلى أن إيران صعّدت منذ 2005 إجراءاتها القمعية ضد نشطاء المجتمع المدني الإيراني، بما في ذلك أولئك الذين ينادون بحقوق المرأة ويرفعون صوتهم ضد القوانين التمييزية.

قمع النساء في إيران

من بين أشهر الناشطات اللاتي تعرضن للاعتقال والتعذيب الصحفية كامليا انتخابي فرد، التي كانت تكتب للصحيفة الإصلاحية اليومية «زن»، بتهمة «التخابر مع إسرائيل». سُجنت في زنزانة انفرادية، ومن شّدة تعذيبها اعترفت بأفعال لم ترتكبها، حتى تتخلص من مأساة التعذيب.

وأعلنت «كامليا» في كتاباتها رفضها للحكم الديني، وكشف تعذيب المواطنين في السجون، والانتهاكات التي ترتكبها السلطات في حق المرأة.

تروى قصتها في السجن بكتاب «كامليا.. سيرة إيرانية»، قائلة إنها اُعتقلت بتهمة «التخابر مع إسرائيل»، وواجهها المُحقق بتهمتها بأسلوب حاد: «أيتها الجاسوسة الإسرائيلية. من يمدّك بالمعلومات في إسرائيل؟. أخبريني، سوف تُفضين بكل ما تعرفيه عن تجسسك، ستنالين من الضرب ما يجعلك تتذكرين الحليب الذي رضعت وأنتي طفلة».

ارتدت «كامليا» أثناء استجوابها عصابة على عينيها مُجبرة، أثناء جلسات الاستجواب، تعرضت للتعذيب، وكانت أشبّه بالمحكوم عليها بالإعدام، ترتعش كثيراً: «عندما اقترب المُحقق مني خبط بقوة كتاباً أو صحيفة ملفوفة على رأسي. عندما اقترب مني تجمّدت من شدة الخوف، كنت أنتظر أن أتلقى ضربة رهيبة أو طعنة من أداة حادة. كنت مرعوبة أن يقتلني».

مرّت أيام «كامليا» في السجن بطيئة كأنها ألف عام، حسبما تقول، دون أن تلوح أي بارقة أمل في الظلام، متنقلة من السجن إلى قاعة المحكمة. في الجلسة الأول لمحاكمتها، واجهها القاضي: «أنتٍ كائن آدمي أم وحش؟. يجب أن تفهمي أن حكماً بالإعدام ينتظرك. لكٍ صلات بمصادر إسرائيلية، وتتجسسين لصالح دولة إسرائيل، ومتورطة في نشاطات لمنظمات تجسس أمريكية لتشويه صورة حكم الجمهورية الإسلامية».

دافعت «كامليا»، التي عارضت السلطة في قضايا عدة، عن نفسها: «صدقني. لا شيء من هذه الاتهامات صحيح. دعني أذهب إلى بيتي»، فردّ القاضي: «كل شيء موثق هنا. إن هذه محكمة عادلة. محكمة ثورية، لا أحد يُجلب إلى هنا دون سبب. اعترفي، واطلبي الغفران».

لم تتحمّل الشاعرة «كامليا» التعذيب، والإهانات، وقررت الاعتراف بوقائع لم ترتكبها لوقف التعذيب، واختلقت قصصاً تتلاءم مع الأسماء الواردة في قائمة الاتهامات، ووصل الأمر بها إلى الاعتراف بأنها تعشق المستجوب «الهمجي» كي تنجو بنفسها، وتسبب اعترافها في النجاة من السجن والإعدام، حيث حصلت على البراءة، لكنها ظلت لفترة مُجندة من قبل مستجوبها، وتتجسس على زملائها.

الناشطة الإيرانية، راحلة راحميبور

وفي أغسطس عام 2014، اُعتقلت الرسامة والناشطة الإيرانية، آتينا فرقداني، بسبب تنظيمها معرضاً حول انتهاك حقوق الطفل في إيران، وإعلان تضامنها مع المعتقلين السياسيين.

وقالت منظمة العفو الدولية إن التهم الموجّهة لـ«فرقداني» ترجع إلى اجتماعها مع عائلات معتقلين سياسيين، وتوجيه انتقادات للسلطات الإيرانية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ورسوماتها التي سخرت فيها من أعضاء البرلمان الذين ناقشوا مشروعات قوانين تهدف إلى تقنين الحصول على وسائل منع الحمل طوعياً وخدمات تنظيم الأسرة.

وبعد شهرين، أفرجت السلطات عن الناشطة بكفالة مالية بسبب تدهور صحتها، لحين عقد جلسة محاكمتها. ونشرت مقطع فيديو على موقع «يوتيوب»، تكشف فيه تعرضها للتعذيب النفسي والجسدي في سجن «إيفين» الشهير، وإجبارها على خلع ملابسها كاملة.

Download Video as MP4

ونقلت الصحف والمواقع العربية والغربية شهادة الناشطة الإيرانية، باعتبار ما حدث معها «جريمة» يستوجب معاقبة المسؤولين عنها. تقول «فرقداني»: «السجانة ضربتني على وجهي، ويدّي أيضاً ضربتها على الحائط وتورمّت، وجردتني من ملابسي بعنف، وآثار أظافرها على جسدي، بجانب شتائم وألفاظ بذيئة».

وتضيف: «وضعوا كاميرات في حمامات السجن، وعندما سألت أخبروني أنها لا تعمل، لكني اكتشفت أنها تعمل. وأضربت عن الطعام من سوء المعاملة حتى تم الإفراج عني بكفالة مالية»، مشيرة إلى أن الهدف من مقطع الفيديو، كشف الإساءات التي تحدث بحق المعتقلات.

بعد انتشار مقطع الفيديو، اعتقلت السلطات الإيرانية «فرقداني»، وجرى محاكمتها في يونيو 2015، بتهمة «التجمع والتواطؤ بقصد ارتكاب جرائم ضد الأمن القومي، ونشر دعاية مغرضة ضد النظام، والإساءة إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وقضت المحكمة بحبسها 12 عاما، إلا أن محكمة استئناف في طهران خفضت مدة حبسها إلى 9 أشهر، وأُفرج عنها في 3 مايو 2016.

وخلال تواجدها في السجن عقب الحكم الصادر بحبسها 12 عاماً، تعرضت «فرقداني» لإجراء فحص العذرية والحمل، بسبب مصافحة محاميها، وفق الرسالة التي سرّبتها من السجن، ونشرتها منظمة العفو الدولية.

وقالت الناشطة المعارضة للسلطة في طهران: «السلطات القضائية نقلتني إلى مركز طبي خارج السجن في 12 أغسطس 2015، وأرغمتني على الخضوع إلى ذلك الفحص بغرض التحقيق في تهمة إقامة علاقة جنسية غير شرعية مع المحامي».

وفي مايو 2016، أصدرت محكمة الثورة الإيرانية حكماً على الناشطة الحقوقية، نرجس محمدي، بالسجن 16 عاماً، بتهم «الدعاية ضد النظام، وعقد اجتماعات غير مرخصة والتواطؤ مع جهات تريد استهداف الأمن القومي الإيراني، وتشكيل وفتح مكتب لمنظمة لم تحصل على ترخيص قانوني».

وحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن الناشطة الإيرانية وُضعت في سجن «إيفين» الشهير، وتعاني من مشكلات صحية مزمنة.

وقالت المنظمة الدولية، إن واحدة من الاتهامات التي لاحقت «محمدي»، ربما كانت متصلة باجتماع لها في 2014 مع كاثرين أشتون، الممثلة العليا السابقة للاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية والسياسات الأمنية آنذاك. وأوضحت: «هذا الاجتماع لم يُذكر في الحُكم، إلا أن قرار الاتهام ذكر الاجتماع بصفته دليل على العمل ضد أمن الدولة».

وحسب هيومن رايتس، فإن الاتهامات التي أيّدتها المحكمة تبدو غامضة، وتتعلق بالمساس بأمن الدولة، وهي من النوع المستخدم بكثرة ضد النشطاء، وعلى سبيل المثال فإن «التنظيم غير القانوني» المذكور في الحكم، هو منظمة «خطوة خطوة لوقف عقوبة الإعدام» التي أسسها نشطاء بارزون لم تكن محمدي بينهم وقت تأسيسها في 2013، وهدف المنظمة خفض حالات الإعدام في إيران.

الناشطة الإيرانية نرجس محمدي

وتتعرض الناشطة الحقوقية، إلى معاملة غير إنسانية في السجن، وغياب الرعاية الصحفية الكافية، ما أدى إلى معاناتها، حسب منظمة «هيومن رايتس».

وكتبت «محمدي» التي طالبت بإلغاء عقوبة الإعدام، رسالة من محبسها، تطالب فيها منظمات حقوق الإنسان الدولية، والأمم المتحدة، بدعم منظمات المجتمع المدني في بلادها، لأنها «تتعرض لقمع لا يحتمل من الدولة، وتدفع ثمنًا باهظًا».