(إذا بُليتم فاستتروا) يا عرب

عبد الناصر سلامة الخميس 14-09-2017 21:07

اجتماع وزراء الخارجية العرب الثلاثاء الماضى، فى دورتهم الـ١٤٨، بمقر جامعة الدول العربية، أثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن هذه المنظمة أصبحت من الماضى، ليس ذلك فقط، بل إن وجودها فى حد ذاته أصبح عبئاً على الحالة الراهنة، ذلك أن اللقاءات أو الاجتماعات التى كان من المفترض أن تسعى إلى لم الشمل أو احتواء الأزمات، باتت تسفر عن مزيد من الفرقة والانقسام، ليس من خلال أحداث طارئة أو مواقف سياسية متباينة تفرزها الرؤى المتباينة حول هذا الموضوع أو ذاك، وإنما عن سبق إصرار وترصد، على طريقة لقاءات التجار بالأسواق، أو المافيا فى الملاهى الليلية، الترصد واضح، كما التحفز والانتقام.

الأدهى من ذلك، هو أن الأحداث جميعها كانت على الهواء مباشرة، من خلال سوء نية أيضاً، ذلك أن هناك من بين المتنازعين من كان يرفض أن تستكمل الجلسات سرية، نزولاً على اقتراح بعض الدول الأعضاء، انطلاقاً من النصيحة الشرعية (إذا بُلِيتُم فاستتروا)، وقد نجح فى النهاية أنصار المقولة الشوارعية الدارجة (يا رايح كتَّر من الفضايح)، على اعتبار أن اللقاء عبارة عن بضع ساعات يجب استغلالها فى كل ما هو سيئ، فقد لا نلتقى مرة أخرى، أو قد لا نلتقى قريباً!!

ما لم يدركه هؤلاء وأولئك أن ما حدث قد أصاب الشارع العربى ككل فى مقتل، ذلك أنه تأكد من أنه لا أمل فى الإصلاح، فى الوقت الذى اتسعت فيه الهوة بين مواطنى الدول المتنازعة بصفة خاصة إلى الحد الذى يصعب برؤه مستقبلاً، وقد وضح هذا سريعاً فى تلاسنات مواقع التواصل الاجتماعى، فى الوقت الذى سار فيه الإعلام الرسمى والبرامج التليفزيونية الليلية فى ركب التخريب وصب الزيت على النار، معتبراً أن هذا هو دوره فى المقام الأول، مستخدماً فى ذلك أحط الألفاظ والمصطلحات، فى الوقت الذى كان يجب أن يرفع فيه شارة الحداد على المنظمة الإقليمية الأهم عربياً، أو هكذا يجب أن تكون.

فى الوقت نفسه، كان مستوى التمثيل هزيلاً خلال الاجتماعات، التى رغم كونها وزارية، إلا أن الحضور على مستوى الوزراء لم يتجاوز عدد أصابع اليد، وهو فى حد ذاته دليل آخر دامغ على حالة الاستهتار واللامبالاة التى أصبحت عليها الجامعة، أو العمل العربى المشترك عموماً، ذلك أن هناك من يرى أن الأمر لا يستحق العناء، ومن يرى أنه لا يستحق الاهتمام، ومن يعلم مسبقاً بما سوف تؤول إليه الأوضاع، ومن اعتمد على التجارب السابقة، التى كان يتم خلالها إعداد البيانات الختامية سلفاً، ذراً للرماد فى العيون، لا أكثر من ذلك ولا أقل.

إذا تحدثنا بصراحة فسوف نجد أن مواطنى معظم الدول الأعضاء أَوْلى بمبالغ المساهمات أو الحصص المالية السنوية التى يتم سدادها للجامعة، خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار أن هناك سبع دول على الأقل لم تعد تسدد مساهماتها، وهو ما جعل الدول القادرة على السداد تنطلق فى مواقفها من تشدد واضح، وفرض الوصاية، على غرار تعامل الولايات المتحدة مع منظمة الأمم المتحدة، فى التلويح بوقف السداد بين الحين والآخر، ذلك أنها الدولة الأكثر مساهمة، وهو ما يهدد عملية الإنفاق على المنظمة الدولية ككل، من رواتب موظفين، وأسفار مسؤولين، ومكاتب خارجية وخلافه، وهو ما جعل المنظمة تتلقى الأوامر من واشنطن فى أحيان كثيرة.

أعتقد أنه بات مهماً الآن، وبعد هذا الاجتماع تحديداً، الاعتراف بأن أى اجتماعات عربية، حتى لو كانت على مستوى القمة، سوف تُفضى إلى مزيد من الاهتراء والمهاترات، فى ظل عدم وجود قادة يستطيعون السيطرة، أو على الأقل يستطيعون القيام بمبادرات مبكرة من شأنها احتواء الأزمات، أو المصالحة بين هذه الدولة وتلك، وإذا وضعنا فى الاعتبار أيضاً مجمل الحالة العربية الحالية فسوف نعى أن تعليق عمل الجامعة فى هذه المرحلة سوف يكون أكثر فاعلية، حتى لا تتراجع الأوضاع أكثر من ذلك، فى ظل عدم مشاركة سوريا، وبعض المشاركات الأخرى التى تفتقد إلى الشرعية، ناهيك عن الحالة الخليجية الأكثر دراما، والتى أصبح أطرافها يتبادلون التهديدات على الهواء دون خجل.

على أى حال، ومنذ الغزو العراقى للكويت عام ١٩٩٠، لم يكن العرب بهذا الحال أبداً، ذلك أن الأزمات كانت دائماً وأبداً لا ترقى إلى استخدام القوة المسلحة، كما هو الحال فى العدوان على اليمن، أو الاستفتاء على التقسيم كما هو منتظر فى شمال العراق، أو الاستعداد لعمل عسكرى فيما يتعلق بالأزمة الخليجية، كما أشار إلى ذلك فى واشنطن الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت، أو تقاسم أدوار القوات الأجنبية كما هو الحال على الأراضى السورية، أو تنازع الميليشيات كما هو الحال على الأراضى الليبية، إلى غير ذلك من نار تحت الرماد داخلياً فى العديد من الأقطار، وهو ما يجعلنا ننعى الجغرافيا العربية والتاريخ معاً، وليس فقط ذلك المبنى المطل على نيل القاهرة، إلا أن النصيحة تبقى مستمرة: (إذا بُلِيتُم فاستتروا) يا عرب.