السفير الإريترى بالقاهرة «فاسيل جبر سيلاسى تكلا»: أهداف سياسية وراء «سد النهضة».. ودول خليجية تريد «تعطيش مصر»(حوار)

كتب: اخبار الخميس 07-09-2017 22:47

كتبت:سمر إبراهيم

قال السفير الإريترى بالقاهرة، فاسيل جبر سيلاسى تكلا، إن العلاقات بين مصر وإريتريا فى حالة جيدة منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وإنها علاقات استراتيجية وتاريخية، موضحا أن العامل المشترك بين «عبدالناصر والسيسى» يكمن فى أنهما لديهما توجه صادق نحو أفريقيا، لكن هناك اختلافات فى الظروف والمعطيات السياسية فى المنطقة بين حقبة الرئيسين.

وأضاف فى حواره لـ«المصرى اليوم»، أن بناء سد النهضة ليس له أى أغراض إيجابية تصب فى مصلحة الشعب الإثيوبى، وأن قرار بنائه سياسى وليس قرارا اقتصاديا، وأن إثيوبيا لديها «فوبيا» من علاقة إريتريا مع أى دولة أخرى، وليست مصر فقط، بالإضافة إلى أن النظام الإثيوبى يريد إلهاء الشعب عن مشاكله الاقتصادية والسياسية، ويتم تصدير فكرة العدو الخارجى لهم، لافتا إلى أن بعض الدول الغربية والخليجية تقف خلف إثيوبيا فى محاولة لـ«تعطيش مصر» من خلال سد النهضة.. وإلى نص الحوار:

المصري اليوم تحاور« السفير الإريترى بالقاهرة فاسيل جبر سيلاسى تكلا»

■ بداية كيف ترى العلاقات بين مصر وإريتريا؟

- العلاقات بين البلدين فى حالة جيدة، منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فهى علاقات استراتيجية وتاريخية بشكل عميق، مصر ساعدت إريتريا فى حركة الكفاح المسلح للحصول على الاستقلال، وأمدتنا بالسلاح والدعم المالى والسياسى، كما ساعدت طلابنا وأنشأت بيتاً لهم، وفتحت المعاهد والجامعات أمامهم.

■ تحدثت عن مساعدات مصر لإريتريا فى عهد عبدالناصر. ماذا عن العلاقات بين البلدين فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى؟

- العامل المشترك بين «عبدالناصر والسيسى»، أنهما لديهما توجه صادق نحو أفريقيا، لكن هناك اختلافات فى الظروف والمعطيات السياسية فى المنطقة بين حقبة الرئيسين، ففى فترة حكم عبدالناصر كان المد الثورى وحركات التحرر والقومية العربية هى الوضع فى القارة الأفريقية، لكن فى الوقت الحالى المستقبل بين الشعوب عبارة عن مشاريع التبادل الاقتصادى، وأنا مؤمن بأن العلاقات الاقتصادية هى التى تضمن بقاء علاقات الدول ببعضها البعض، على عكس العلاقات السياسية التى من الممكن أن تتأثر بشكل سلبى فى أى لحظة.

السيسى أيضاً مُخلص فى تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه من مشروعات اقتصادية وخطط تنمية، وزيارته لأفريقيا ليست لـ«الشو الإعلامى»، ففى عهدى السادات ومبارك لم تقم مصر مشروعا اقتصاديا واحدا فى إريتريا.

■ كيف تقرأ أزمة سد النهضة؟

- إريتريا أعلنت بشكل رسمى أن بناء سد النهضة ليس له أى غرض إيجابى يصب فى مصلحة الشعب الإثيوبى، وقرار بنائه هو قرار سياسى وليس قرارا اقتصاديا، فنحن لسنا ضد أى مشروع تنموى فى أى دولة أفريقية، ولكن السد ليس لغرض تنموى.

■ ما الغرض الحقيقى من وراء هذا «الهدف السياسى»؟

- إثيوبيا تعتمد بشكل أساسى على المساعدات الاقتصادية، فهى أكثر دولة أفريقية تحصل على مساعدات اقتصادية، من أمريكا والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى، فهى دولة لديها «مجاعة» وتطلب مساعدات من الأمم المتحدة لتغذية شعبها، فهناك بعض الدول تساعدها فى تمويل بناء السد.

■ ما هى تلك الدول؟

- أى دولة تريد محاربة مصر لن تلجأ للحل العسكرى المباشر، فهذا الأسلوب لم يعد موجودا على أرض الواقع، إذن الورقة الأخيرة فى تلك الحرب «تعطيش مصر»، لأنه «لو مفيش نهر النيل.. مفيش مصر».

■ هل تقصد أن إثيوبيا تريد «تعطيش مصر»؟

- ليست إثيوبيا فقط، لكن بعض الدول الغربية والخليجية، تقف خلف إثيوبيا وتدعم بناء سد النهضة، خاصة أن المنطقة التى أقيم فيها سد النهضة غير صالحة للزراعة.

وهنا أريد العودة لتاريخ سد النهضة، فى عام 1993 حضرت إريتريا فى أول تمثيل رسمى لها كدولة مستقلة، أحد المؤتمرات الأفريقية فى القاهرة، بحضور أيضاً «ملس زيناوى» رئيس وزراء إثيوبيا آنذاك، وكانت العلاقات بين البلدين ممتازة فى ذلك الوقت، وهنا طرح زيناوى فكرة، مثلما يبيع العرب البترول لنا، نقوم ببيع المياه لجميع الدول، فرفض الرئيس الإريترى بشدة هذا الطرح، وهنا رد عليه الراحل اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة الأسبق، وقال لزيناوى «إنت مين عشان تقول كده؟».

■ وما موقفكم من اتفاقية «عنتيبى»؟

المصري اليوم تحاور« السفير الإريترى بالقاهرة فاسيل جبر سيلاسى تكلا»

- باطلة، طبقاً للمعاهدات الدولية السابقة المتعلقة بدول حوض النيل.

■ بعض المحللين السياسيين قالوا إن إريتريا أفضل ورقة للضغط على إثيوبيا بسبب الحرب القديمة بينهما وإن تعميق العلاقات بينها ومصر له دلائل ورسائل ستصل سريعًا إلى إثيوبيا. ما ردك؟

- إثيوبيا لديها «فوبيا» من علاقة إريتريا مع أى دولة أخرى، وليست مصر فقط، بالإضافة إلى أن النظام الإثيوبى يريد إلهاء الشعب عن مشاكله الاقتصادية والسياسية، ويتم تصدير فكرة العدو الخارجى لهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، إثيوبيا استفادت داخلياً كثيراً من الاجتماع الذى عقده الرئيس الأسبق محمد مرسى، لمناقشة أزمة السد مع القوى الوطنية، لتضخيم تلك الفكرة عند الشعب الإثيوبى، فكلما عملت إريتريا على توطيد علاقتها بمصر، نجد إثيوبيا تتهمنا بأننا سنساعد مصر على استهداف السد عسكرياً من خلال أراضينا، فهذا الحديث ليس حديث دول بل «لعب أطفال».

وفى حقيقة الأمر أن مصر لا تريد استهداف السد عسكرياً على الإطلاق، وليس لها أى مكاسب سياسية فى هذا الأمر، فجميع الدول الأفريقية لن تسمح بذلك، ولن نسمح أيضاً باستخدام أراضينا لتحقيق تلك الأهداف، ورغم الخلافات بين إثيوبيا وإريتريا، فنحن نؤكد لمصر دائماً أنها لها مطلق الحرية فى إقامة علاقات استراتيجية مع أى دولة تريدها، حتى وإن كانت إثيوبيا لأنه حق سياسى لمصر، وليس لنا أى شأن به.

■ ما ردك على بعض التقارير الإعلامية التى تم نشرها فى عدد من الصحف الأجنبية بأن مصر استطاعت نزع موافقة إريتريا لإنشاء قاعدة بحرية عسكرية بها؟

المصري اليوم تحاور« السفير الإريترى بالقاهرة فاسيل جبر سيلاسى تكلا»

- ليس كل ما يتم نشره فى الصحف صحيحا، فهناك بعض الأخبار تكون عبارة عن «بالونات اختبار»، والبعض الآخر يتم تسريبه لصالح بعض أجهزة المخابرات الغربية.

خلافنا الرئيسى مع أمريكا هو رفض إريتريا إقامة قاعدة عسكرية على أرضها، وإذا وافقنا على هذا العرض كان يمكننا تجنب العديد من الحروب والضغوط الدولية علينا، وبلادنا لا تقدم تنازلات سياسية لأى دولة مهما كانت علاقتنا بها.

والنظام الإريترى يريد عودة الدور المصرى مرة أخرى فى أفريقيا، ليس لمصلحة شخصية لنا، بل لصالح مصر أولًا، فإذا نظرنا إلى قناة السويس سنجد أن أمنها وأمن حركة التجارة العالمية يبدأ من الجنوب، جزء كبير من انتصار حرب السادس من أكتوبر، كان للدور الكبير والاستراتيجى الذى لعبته القوات البحرية المصرية فى الحفاظ على أمن الجنوب، فقد حان الوقت لإبراز الدور المصرى وظهوره بشكل أكبر من ذلك فى تلك المنطقة.

■ ماذا تقصد بعبارة «إبراز الدور المصرى» فى منطقة الجنوب؟

- البوارج الأمريكية العسكرية تجوب العالم، لتوصيل رسالة واضحة بأنها متواجدة فى المشهد بشكل دائم، ومصر الآن تمتلك بوارج عسكرية حديثة ومتطورة، وأعتقد أنه قد حان وقتها.

■ ما سبب الخلافات مع إثيوبيا؟

المصري اليوم تحاور« السفير الإريترى بالقاهرة فاسيل جبر سيلاسى تكلا»

- فى حقبة التسعينيات أراد الشعب الإريترى الاستقلال، فقدمنا طلبا إلى الأمم المتحدة برئاسة الراحل دكتور بطرس غالى، آنذاك، بإجراء استفتاء شعبى على تحقيق الاستقلال والانفصال عن إثيوبيا، فقامت أمريكا برفض فكرة إجراء استفتاء شعبى على هذا المطلب، لكن تمسكنا بمطلبنا لآخر لحظة ووافقت الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة، وتم إجراء الاستفتاء وكانت نتيجته 99.9% مؤيداً للاستقلال عن إثيوبيا.

وفى عام 1993 تم إعلان قيام دولة إريتريا رسمياً، وبدأننا فى توطيد علاقتنا الخارجية مع بقية الدول، وهنا بدأت أمريكا وضع شروطها علينا بإعادة القاعدة الأمريكية العسكرية لبلادنا مرة أخرى، بالإضافة إلى تقديم بعض التسهيلات فى مياه البحر الأحمر، فرفضنا تلك المطالب كاملة، لأننا لا نفرط فى حرية قرارنا السياسى وسيادة أراضينا، والأكثر من ذلك إريتريا الدولة الوحيدة التى أدانت رسمياً الغزو الأمريكى للصومال، فجامعة الدول العربية لم تصدر بيانا تدين هذا الغزو، حتى «مبارك» قال «نتفهم» ولم يدِن الغزو أيضاً! وهذا أكبر دليل على أن القرار السياسى وقتها لم يكن بيد مصر.

المصري اليوم تحاور« السفير الإريترى بالقاهرة فاسيل جبر سيلاسى تكلا»

كل هذه الأسباب دفعت إثيوبيا لخلق نزاع مع بلادنا وقاموا باحتلال منطقة حدودية معنا تُدعى «بادمى» بهدف إعطاء درس قاس لنا، وتحقيق العديد من المكاسب الإثيوبية والأمريكية فى المنطقة، بعد تلك الأحداث تم عقد قمة الجزائر، وأمريكا هى التى قامت بكتابة اتفاقية ترسيم الحدود بيننا وبين إثيوبيا، من الألف إلى الياء، وأهم ثلاث نقاط بالاتفاقية هى أن الخلاف الحدودى مسؤولية محكمة العدل الدولية، قرار المحكمة مُلزم ونهائى للطرفين، أى دولة ترفض تنفيذ القرار يتم تطبيق عدد من العقوبات الدولية عليها، وكان الغرض من تلك النقاط هو تعجيز إريتريا، لأن أمريكا كانت تتوقع أن الحكم سيصدر لصالح إثيوبيا، وعلى عكس التوقعات الأمريكية، المحكمة أصدرت حكمها بأن تلك الأراضى المحتلة هى أراض إريترية ولابد من انسحاب إثيوبيا منها، وتم ترسيم الحدود بشكلها الجديد، ولكن إثيوبيا رفضت الانسحاب وتنفيذ قرار المحكمة، ومنذ ذلك الوقت والخلافات عالقة بيننا، لأن حل الأزمة فى يد أمريكا فهى الدولة الوحيدة القادرة على إخراج إثيوبيا من بلادنا.