رأت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن حجب نحو 290 مليون دولار من أموال المساعدات الأمريكية لمصر جاء رداً على «سجل حقوق الإنسان المتردى فى مصر وعلاقتها الدافئة بكوريا الشمالية»، بحسب زعم الصحيفة، التى نقلت صدمة المحللين من تلك الخطوة، خاصة بعدما أغدق الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الثناء على الرئيس عبدالفتاح السيسى فى المكتب البيضاوى بواشنطن، فى إبريل الماضى.
وأفادت الصحيفة بأن مصر من بين أكبر المستفيدين من المعونة الأمريكية، وأوضحت تأكيد وزارة الخارجية الأمريكية أن الحجب كان نتيجة عدم إحراز تقدم فى مجال حقوق الإنسان، وإقرار قانون جديد يقيد أنشطة المنظمات غير الحكومية.
وردا على سؤال حول ما إذا كانت علاقة مصر القوية مع كوريا الشمالية قد لعبت دورا فى القرار، أقر مسؤول فى وزارة الخارجية الأمريكية، لم يذكر اسمه للصحيفة، بأن هذا الموضوع من المسائل المثيرة للقلق وتمت مناقشته مع القاهرة، لكنه رفض تقديم تفاصيل عن المحادثات، حسب زعمه.
وأشارت الصحيفة إلى أن السيسى أقر قانون الجمعيات الأهلية الجديد، بعد نحو شهرين من اجتماعه مع ترامب، مما أثار المخاوف بشأن وضع المنظمات غير الحكومية، ولا سيما التى تمولها الحكومات والمنظمات الغربية، ونقلت عن عدة جمعيات مصرية، من بينها منظمات تعمل مع ضحايا التعذيب فى الشرطة، إن القانون سيجعل عليهم من المستحيل مواصلة عملهم وقد يجبرهم على الإغلاق.
وعبر المدير التنفيذى لمعهد «واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، روبرت ساتلوف، عن تفاجئه من الرسائل المتضاربة التى يرسلها ترامب للنظام المصرى، وقال للصحيفة إنه «من غير المعتاد أن تتخذ إدارة ترامب إجراء عقابيا ضد مصر نظرا لتواصل الرئيس الأمريكى مع الرئيس السيسى واحتضانه العام للحكومة المصرية». وأضاف «لا أقول إن التقارير حول وضع حقوق الإنسان فى مصر أو ارتباطها بكوريا الشمالية بالأمر الجديد».
وأكدت الصحيفة أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة أثارت قضية كوريا الشمالية فى محادثات مع القاهرة، ولكن دون حدوث أى تقدم، وتوقعت الصحيفة أن تضغط واشنطن على مصر بسبب علاقاتها المدنية والعسكرية مع كوريا الشمالية.
وأوضحت أن زيادة العزلة الاقتصادية والدبلوماسية لكوريا الشمالية أولوية قصوى لوزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون، حيث يطلب من القادة الأجانب فى كل اجتماع قطع العلاقات مع بيونج يانج.
وقالت الصحيفة إن الإجراءات التى اتخذتها إدارة ترامب «لم تكن صعبة كالمتوقع»، موضحة أن إدارة ترامب أنقذت 195 مليون دولار من المساعدات المحجوبة من التمويل العسكرى، من أن يقف التصرف بها بالكامل فى نهاية السنة المالية فى 30 سبتمبر، وتعاد الأموال التى لم تنفق إلى الكونجرس، حيث أصدر تيلرسون قرارا بوضع تلك الأموال فى حساب منفصل وحجبها حتى تُظهر مصر بعض التقدم، وأضافت الصحيفة «بهذه الطريقة، يمكن لمصر فى نهاية المطاف الحصول على الأموال إذا تحسن سجل حقوق الإنسان فيها».
وبدورها، أفادت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أنه فى إجراء منفصل قرر «تيلرسون» إخراج مصر من مساعدات عسكرية أخرى بقيمة 65.7 مليون دولار، و30 مليون دولار كمساعدات اقتصادية، وإعطائها لدول أخرى دون تحديدها. وقال مسؤول فى وزارة الخارجية الأمريكية للصحيفة، أمس: «أردنا أن نبعث رسالة بعدم رضانا لانعدام التقدم فى مجال حقوق الإنسان وقانون المنظمات غير الحكومية، نريد أن نرى تقدما».
وأكدت الصحيفة أن المسؤولين الأمريكيين كلما التقوا نظراءهم المصريين، أشاروا إلى مخاوفهم بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، كما عبروا عن قلقهم بشكل خاص من تأثير قانون المنظمات غير الحكومية.
ورأى موقع قناة «سى. إن. بى. سى» الأمريكية أن قرار حجب وتقليص المعونات، يعكس رغبة الولايات المتحدة فى مواصلة التعاون الأمنى، والتعبير عن الإحباط من موقف القاهرة من الحريات المدنية.
وقال مصدر بوزارة الخارجية الأمريكية للموقع: «إن تعزيز التعاون الأمنى مع مصر أمر هام للأمن الوطنى الأمريكى، وأن وزير الخارجية الأمريكى رأى انه من مصلحة الولايات المتحدة حجب المساعدات».
وأشار موقع شبكة «سى. إن. إن» الأمريكية إلى أن القرار يشكل تحولا ملحوظا آخر فى مواقف ترامب الخارجية، بالنظر إلى أن إدارته أوضحت فى وقت مبكر أن حقوق الإنسان لن تعطى الأولوية على المصالح الاقتصادية أو الاستراتيجية.
وقال مسؤول فى الإدارة الأمريكية للشبكة إن ذلك تغير جاء نتيجة «مباغتة» مصر للإدارة الأمريكية بالمضى قدماً فى إقرار بقانون يقيد المنظمات غير الحكومية فى التنمية والعمل الاجتماعى، وأضاف أن ترامب وافق على قرار بوقف المساعدات فى وقت سابق، وأن وزير الخارجية صدق عليه، الأسبوع الماضى.
وكان ترامب صدق، فى مايو الماضى، على قانون خطة الإنفاق الحكومى للعام الأول من إدارته، بعدما أقرها الكونجرس، وتشمل تخصيص 1.3 مليار دولار للمساعدات العسكرية إلى مصر، ونحو 112 مليون دولار معونة اقتصادية.
وأقر القانون 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية حتى 30 سبتمبر 2018، مع حجب 15٪ منها حتى يؤكد وزير الخارجية الأمريكى أن الحكومة المصرية تتخذ خطوات فعالة «لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية الأقليات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين»، وأفاد بأنه لا يمكن حجب الأموال المخصصة من المساعدات العسكرية لتأمين الحدود المصرية ومكافحة الإرهاب أو إخضاعها لشروط المعونة الأمريكية بحقوق الإنسان والديمقراطية.
وأكد قانون خطة الإنفاق الأمريكية ضرورة ضخ المساعدات الاقتصادية لمصر فى برامج دعم الديمقراطية، والتنمية فى سيناء، وإنفاق 35 مليون دولار من الأموال المخصصة للمنح الاقتصادية، على البرامج الموجهة لتنمية التعليم العالى، وأن يوجه ثلث المبلغ للمنح الدراسية للطلبة المصريين غير القادرين، وأكد أنه لا يمكن أن يتم تحويل أموال المعونة بشكل مباشر، أو دعم الموازنة العامة المصرية، إلا فى حالة تقديم وزير الخارجية الأمريكى تقريرا للجان المعنية فى الكونجرس، يفيد بالتزام وتقدم مصر فى مسار سياسات الإصلاح الاقتصادى.