فى خطوة جديدة ترسّخ المكاسب التى حصلت عليها المرأة التونسية، نتيجة تاريخ طويل من النضال، أعلن الرئيس الباجى قائد السبسى ضرورة المساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث، وحق التونسية المسلمة فى الزواج من غير المسلم.
ما بين ترحيب فى المجتمع التونسى خاصة بين الحركات النسوية والحقوقية، وغضب مؤسسة الأزهر الشريف فى مصر، باتت مقترحات السبسى، عناوين لصحف ومواقع وفضائيات عربية وغربية.
رئيس اتحاد المرأة التونسية، راضية الجربى، اعتبرت المقترحات ثورية، موضحة أن تونس مستعدة على المستوى التشريعى والقانونى والاجتماعى لتطبيقها على أرض الواقع.
وفق «الجربى»، التى تحدثت لـ«المصرى اليوم»، فإن تونس لها تاريخ فى مسألة المواريث، بدأت منذ الثلاثينيات، وتنم عن أن القادة التونسيين إصلاحيون فى الأساس، وينظرون لحقوق المرأة باعتبارها حقوقا اجتماعية لا يوجد ما يمنع التطرق إليها، حتى لو أثارت غضب لدى البعض.
وردّت الناشطة النسوية، على المعترضين على مقترحات السبسى باعتبارها مخالفة لنص قرآنى، قائلة: «المقترحات تتماشى مع النص الدستورى التونسى، ومع الاتفاقيات الدولية الموقعّة عليها مثل اتفاقية مناهضة العنف ضد المرأة، والمجتمع التونسى مُستعد للمساواة بين الأفراد، ولدينا منظومة قانونية تسمح بإعادة النظر فى أشياء لم تعد صالحة فى وقتنا الحالى».
يوافقها فى الرأى، الناشط والباحث التونسى، هادى يحمد، بقوله، إن هذه ليست المرة الأولى التى تقدم فيها السلطة السياسية مقترحات إصلاحية تُسهم فى نظرة جديدة للميراث الإسلامى، موضحاً أن الرئيس الحبيب بورقيبة، كان من رواد تحرير المرأة عبر إقرار مجلة الأحوال الشخصية التى ألغت تعدد الزوجات.
وأضاف «يحمد» أن اقتراحات السبسى تأتى فى إطار التماشى الإصلاحى التونسى لتحرير المرأة، وأن تلك المقترحات ناضلت من أجلها المنظمات النسوية التونسية منذ عشرينيات القرن الماضى، حيث كان مطلب المساواة فى الميراث من المطالب الأساسية لمنظمة نساء ديمقراطيات.
ورداً على زعم بعض المعارضين للمقترحات بأن السبسى قدمها كدعاية انتخابية لإعادة انتخابه رئيساً لولاية ثانية، قال: «لو اعتبر البعض أن المقترحات تأتى فى إطار سياسى أو انتخابى فإن الأمر فى اعتقادى مشروع، لأن دور السياسيين فى السلطة أو الطامحين إليها طرح مشاريع ومقترحات من أجل جلب رضاء وأصوات ناخبيهم وهذا أمر معمول به فى كل الديمقراطيات العريقة. هذه المطالَب سياسية واجتماعية والذين يطرحونها والقادرون على تطبيقها يجب أن تكون لهم السلطة والنفوذ السياسى لإنزالها فى الواقع».
وأشار «يحمد» إلى أن وضع الميراث لم يعد يعبر عن الواقع التونسى، وأن المرأة أصبحت عاملة فى كل القطاعات بتونس، وأصبحت تشكل نصف اليد العاملة، وفاقت الرجل فى قطاعات مثل الطب، والتعليم، بجانب أن القاضيات أصبحن يمثلن حوالى 40% من الجهاز القضائى، مؤكدا أنه من الإجحاف أن يُبقى رئيس الدولة على منظومة المواريث القديمة، لأنها تنتمى إلى نظام قديم ووضعية لم تعد صالحة فى العصر الحالى.
وحول مخالفة مقترحات السبسى للشريعة الإسلامية فى نظر المعارضين له، وعلى رأسهم مؤسسة الأزهر، قال الباحث التونسى، إن الرئيس اعتمد على دستور يُقر لدولة المدنية مستبعداً الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسى للتشريع، وصوّت نواب حركة النهضة بأنفسهم على ذلك، مضيفاً: «الدستور التونسى أقر مبدأ المساواة التامة بين المرأة والرجل فى المجتمع، والرئيس دعا إلى تنزيل هذا المبدأ الدستورى فى الواقع. ينطبق الأمر على قضية زواج المرأة التونسية المسلمة بغير المسلم، هذا الأمر ينتمى إلى الحرية الشخصية التى ضمنها الدستور، ولا دخل لأى مؤسسة فى اختيار المرأة لزوجها بصرف النظر عن جنسه أو دينه. نحن هنا أيضا ضمن مبدأ حرية الضمير التى أقرها الدستور فى بنده السادس».
وتنص المادة الثانية من الدستور التونسى على أن «تونس دولة مدنية تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلوية القانون»، ونصت المادة 21 على أن «المواطنين والمواطنات متساوون فى الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون دون تمييز».
فى مصر، رفضت مؤسسة الأزهر، مقترح السبسى، حول المساواة بين النساء والرجال فى الميراث، لأنها «تتصادم مع أحكام شريعة الإسلام، وتظلم المرأة ولا تنصفها»، وهو ما وصفه الباحث التونسى بـ«التناقض»، موضحاً: «من المهم طرح سؤال على المعارضين للقرار، وفى مقدمتهم وكيل الأزهر، عباس شومان: لماذا تتحمسون لتطبيق حكم المواريث ولا تتحمسون لتطبيق أحكام أخرى قطعية النص والدلالة من قبيل حكم قطع يد السارق مثلاً أو حكم جلد الزانى والزانية وغيرها من الأحكام؟. هل الحماسة والغيرة على تطبيق الحدود والأحكام عند هؤلاء تتعلق فقط بالمرأة وإبقائها فى حالة دونية؟ فى كل الحالات وتتمة للمسألة الشرعية من المهم القول لوكيل الأزهر ومن يريد التدخل فى مسيرة التحديث فى تونس إن دار الإفتاء عندنا أدرى بالواقع التونسى، وبَارَكْت اقتراحات رئيس الدولة».
وعن مصير مقترحات السبسى إذا رفضها البرلمان التونسى. يقول يحمد: «مجرد طرح المسألة للنقاش من أعلى سلطة سياسية يعتبر مكسباً للمجتمع الحداثى فى تونس. نحن عبر اقتراحات رئيس الجمهورية فتحنا فوهة قمقم مسكوت عنها فى المجتمع التقليدى العربى والإسلامى. من المستحيل العودة للوراء بعد كل هذا الجدل والنقاش».
فيما رأى نائب رئيس حركة النهضة الإسلامية، عبدالفتاح مورو، أن زواج المسلمة من غير المسلم اختيار شخصى، يندرج ضمن حرية الضمير التى نص عليها الدستور التونسى، موضحاً: «من حق المرأة الاختيار».
عضو لجنة الحريات الفردية والمساواة فى البرلمان، إقبال الغربى، قالت لـ«المصرى اليوم»: إن اللجنة تدرس الوضع الحالى لتحويل المبادرة الرئاسية إلى قوانين، مؤكدة أنها مطالبة بصياغة تقرير عن وضع الحريات الفردية فى تونس، يتضمن تشخيصا للوضع الحالى، وبحث الدراسات السابقة حول موضوع الحريات الفردية والمساواة بين الجنسين. وفيما يتعلق بالخلاف بشأن المقترحات، أوضحت أن تونس الثورة تحتاج إلى حوار مجتمعى، مشيرة إلى أن الاختلاف على المبادرة الرئاسية صحى وضرورى، لأن ذلك جوهر الديمقراطية.
وحول الجدل داخل البرلمان التونسى، حيث ترفض حركة النهضة تحويل المقترح إلى قانون، قالت النائبة الإسلامية يمينة الزغلامى، إن دعوة السبسى لن تمر فى مجلس الشعب، والبرلمان هو صاحب السلطة فى صياغة القوانين. فيما لم يصدر بيان رسمى من الحركة حتى الآن.