باحث أمريكى: ما حدث فى مصر انتفاضة وليس ثورة.. والانهيار الاقتصادى سيؤدى لبقاء الجيش

كتب: بسنت زين الدين الجمعة 14-10-2011 17:34

خبرته الممتدة إلى 35 عاماً بصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، قبل التقاعد ساعدته على الالتحاق بمعهد «ويدرو ويلسون» الأمريكى، البروفيسور ديفيد أوتاواى، الذى عمل مراسلاً لـ«واشنطن بوست» فى مصر و الشرق الأوسط لسنوات طويلة، لم ينس أبداً لحظة اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، لكنه لايتزال متخوفاً من إدارة المجلس العسكرى فى مصر للبلاد، فى ظل إيمانه بأن مصر لم تقم بـ«ثورة» بالمعنى الحقيقى للكلمة. «المصرى اليوم» التقت «أوتاواى»، أثناء زيارته إلى مصر مؤخراً، لإلقاء محاضرة فى ندوة «الثورة والثورة المضادة فى العالم العربى»، بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.. وإلى نص الحوار:


■ ما أهم اللحظات التى مررت بها فى منطقة الشرق الأوسط؟


- من أهم الأحداث التى عشتها فى مصر، مشاهدة حادث اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وتغطية أحداث مهمة بالمنطقة مثل غزو لبنان، واستقلال الجزائر، وغزو العراق للكويت.


■ بعد تلك التجارب التى مررت بها.. هناك من يردد أن الثورات العربية الأخيرة ستعيد تشكيل الشرق الأوسط هل توافق على ذلك؟


- مصر وتونس وليبيا لم يحظوا بثورة كاملة، لكن فى نفس الوقت، لا يستطيع أى أحد كبح جماح الحركات المناهضة للديمقراطية فى العالم العربى، ومازلت متشككاً فى حدوث تغيير كبير، ولا أعلم ما نتائج تلك الأحداث.


■ ما التغيير الذى حدث من وجهة نظرك؟


- هناك تغييران أساسيان حدثا جراء ثورات العالم العربى، أولهما أن الشعب قال كلمته وخرج ليعبر عن نفسه وذلك من أهم العوامل التى ستظل باقية فى المشهد السياسى، ثانياً هو حصول الأحزاب الإسلامية على شرعية تمكنها من الانخراط داخل الحياة السياسية.


■ هل ترى التغيير الثانى جيداً أم سيئاً؟


- من أهم مبادئ الديمقراطية هو اندماج أطراف القوى السياسية معاً، وإذا أردت الحصول على الديمقراطية، فعليك الموافقة على الأحزاب الإسلامية ودخولها فى التيار السياسى، دون السماح لهم باستخدام العنف بالطبع، كما أرى أن تلك التغييرات ستستمر لفترة طويلة.


■ فى رأيك ما الثورة التى تستطيع أن تصفها بـ«الناجحة»؟


- مبدئياً، أنا لدى تحفظ شديد على استخدام لفظ «ثورة»، بالنسبة لما حدث فى العالم العربى، لكننى أستطيع أن أقول إن الثورة التونسية هى التى نجحت، نظراً لصغر مساحة تونس وعدد سكانها، فضلاً عن أن الجيش لم يلعب أى دور تاريخى فى سياسة الدولة ولا يعتبر عاملاً مهما حتى الآن، كما أن المجتمع التونسى من الطبقة المتوسطة التى تتميز بالتسامح بين الآخرين، ولذا أعتقد أن تونس لديها فرصة أفضل لامتلاك نظام ديمقراطى فى نهاية المطاف.


■ ما أغرب الأمور التى حدثت أثناء الثورة الليبية؟


- لم أتوقع أبداً أن تقوم دول مجلس التعاون الخليجى، بالاتفاق على إصدار قرار بمنع الطيران فوق المجال الجوى لليبيا، عندما علموا بأن ذلك سيحدث على أيدى قوات الغرب، ما يعنى أن دول التعاون الخليجى تعمل معاً من أجل إسقاط حكومة عربية أخرى، وهذا أمر لم أصدقه، لأن دول المجلس تتبع الحكم الملكى وفى نفس الوقت تدفع إلى وجود حكومة ديمقراطية فى دولة أخرى.


■ لماذا تنحرف الثورات عن طريقها؟


- المشكلة فى الشرق الأوسط تتلخص فى انخفاض مستوى الثقافة السياسية، فضلاً عن عدم تقبل الآخر على جميع المستويات، فالأحزاب الإسلامية لا تثق فى الأحزاب العلمانية والعكس، وبالتالى لا تستطيع التوصل إلى بيئة ديمقراطية فى ظل عدم وجود أرضية سياسية مشتركة بين جميع الجوانب.


■ ما أهم مبادئ الثقافة السياسية؟


- أولاً تعلم التوصل إلى حل وسط أو التسوية، وثانياً التسامح وتقبل الآخر، لتجنب الوصول إلى مرحلة الصراع.


■ متى يحدث ذلك؟


- بالطبع تلك المبادئ لا يمكن تعلمها فى ليلة وضحاها، لكن الشعب العربى سيحتاج وقتاً لتعلمها وتطبيقها.


■ ماذا عن الثورة المصرية؟


- لا أستطيع أن أتوقع ما سيحدث بمصر، لكن المصريين لم يمروا بثورة كما هو شائع، لكنهم أطلقوا انتفاضة شعبية قائمة على صوت الشعب، لأن الثورة الحقيقية تعنى وجود تغيير جذرى فى النخبة السياسية، بجانب تعديل الاقتصاد والحالة الاجتماعية للشعب بشكل عام، وهذا ما لم يحدث مطلقاً فى مصر.


■ هل تقصد أن يوم 25 يناير لم يكن ثورة؟


- آخر ثورة حقيقية مر بها الشعب المصرى هى ثورة 23 يوليو عام 1952، وبالمقارنة بما حدث منذ يوم 25 يناير وحتى الآن، فتلك لا تعتبر ثورة بمعنى الكلمة، لكن كل ما حدث هو ظهور التيار الإسلامى على الساحة السياسية فقط.


■ كيف ترى حكم «المجلس العسكرى» للبلاد؟


- لا أستطيع حتى الآن فهم أسلوبه، ومازلت أسأل نفسى حتى الآن لماذا لم يستطع المجلس السيطرة على ميدان التحرير، بعد مرور أكثر من 8 أشهر على ثورة 25 يناير، ولا أحد يعلم ماذا ينتوى المجلس فعله.


■ هل أنت متخوف من قيادة المجلس العسكرى للبلاد؟


- أنا لا أحب طريقة حكم المجلس للبلاد، وأتخوف من طريقة تعاملهم، وأشعر بالقلق من تكرار سيناريو الثورة السودانية، التى مرت بانقلاب عسكرى، لكننى أرى أن المجلس لديه شعبية كبيرة فى مصر، لكنها خارج ميدان التحرير.


■ ما رأيك فى طريقة تعامل المجلس مع أحداث «ماسبيرو» الأخيرة؟


- أنا شعرت بالأسف الشديد لما حدث أمام مبنى ماسبيرو منذ أيام، وبدأت أسأل نفسى، لماذا لم يستطع قادة المجلس السيطرة على تلك الاشتباكات وترك الأمور إلى ما آلت إليه، فهم لم يكن لديهم جنود أو عساكر بعدد كاف للسيطرة على الاشتباكات، ما دفع المتظاهرين إلى افتعال الفوضى.


كما أننى لا أعلم هوية «الأيدى الخارجية» التى قال المجلس إنها وراء أحداث ماسبيرو، ولكن إذا كان ذلك صحيحاً، فعليهم توضيح هويتهم وطبيعة تمويلهم.


■ ما تقديرك لدور الأحزاب السياسية فى الفترة الانتقالية التى تمر بها مصر؟


- مصر دولة قوية منذ عهد الفراعنة، ومرت بنظام حكم عسكرى لفترة طويلة فى عام 1952 وبالتالى تلك التقاليد لايمكن أن تختفى فجأة، ومن هنا من الصعب جداً أن نرى الأحزاب السياسية منقسمة فى ظل تلك الظروف، لأن ذلك سينذر بوجود حكومة ائتلافية تصارع بعضها حتى تتفق على سياسة محددة، وعلينا الالتفات إلى أوضاع عدم الاستقرار وعدم اليقين، لأن ذلك سيجبر الجيش على العودة مجدداً.


■ ما كلمة السر لنجاح الأحزاب؟


- أولاً الديمقراطية تعتبر أمراً جديداً هنا، ثانياً من مسؤولية القائمين على الأحزاب السياسية تعلم كيفية التعامل والتصرف معا للتوصل إلى برنامج مشترك يرضى جميع الأطراف، وهذا يتطلب التعاون مع بعضهم البعض.


■ ماذا عن جماعة الإخوان المسلمين؟


- أعتقد أن فئات عديدة من داخل جماعة الإخوان أصبحوا أكثر اعتدالاً، ولست متأكداً من قيادة الإخوان بشأن ذلك، لكننى أؤكد أن انخراط الجماعة فى العملية السياسية فى مصر، سيجبرها على أن تصبح معتدلة، على أن تتبع أسلوب التسوية مع الآخرين، كما أن وجود ضغط من وراء انتقادات الرأى العام والحكومة الائتلافية فيما بعد، سيجبر الجماعة على تعديل موقفها من أجل الاشتراك فى العملية السياسية.


■ ماذا تتوقع بشأن خوض الجماعة الانتخابات البرلمانية المقبلة؟


- أعتقد أن الجماعة ستحصل على 35% على أكثر تقدير من مقاعد البرلمان، وليس 65%، كما يردد البعض.


■ ما رأيك بشأن ما تردد عن اتصالات أمريكية مع حزب الحرية والعدالة التابع للجماعة؟


- هذا أمر جيد لأنها تعتبر فرصة لمعرفة الآخر، ومن مصلحة الإخوان المسلمين أن يستمعوا إلى آرء العالم الخارجى عنهم، وبالتالى سيصبحون أكثر اعتدالاً، على الجانب الآخر، فمن المهم أن يدرك الأمريكيون أن الإخوان سيصبحون جزءاً من الحكومة المصرية المقبلة، وبالتالى يحتاجون لمعرفة أهدافهم ورغباتهم وموقفهم ووضعهم السياسى بمصر.


■ ماذا عما تناثر حول توقيع صفقة بين الجيش والإخوان؟


- لا أعلم، لكن ما آراه الآن هو أن الجماعة ترغب فى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على عكس ما يريده المجلس، لذا أنا أراهم يتفقون ويختلفون من حين لآخر، لكننى أستبعد وجود اتفاق أو صفقة بينهما.


■ قلت من قبل إن أمريكا لا تهتم بتحقيق الديمقراطية فى مصر لانشغالها بالتعامل مع سوريا وإيران؟


- أعتقد أن إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، مهتمة أكثر بتحقيق الاستقرار فى مصر قبل الديمقراطية، والدليل هو موافقة الإدارة على تقديم المعونة العسكرية التى تبلغ 1.3 مليار دولار، ومن هنا أرى ذلك دليلاً واضحاً لدعم حكم المجلس العسكرى أكثر من دعم الأحزاب السياسية.


■ توالت العديد من التقارير الصحفية عن تدهور الوضع الاقتصادى فى مصر.. هل تؤيد ما أوردته تلك التقارير؟


- فى الحقيقة، مصر تشهد أسوأ حالات الاقتصاد منذ وقت طويل، بسبب رفض السلطة الحصول على المعونات الخارجية إلى حد كبير، لكن النقطة الأكثر خطورة هى أن سوء الاقتصاد فى مصر سيعزز بقاء «المجلس العسكرى» فى السلطة بدعوى جلب الاستقرار.


■ ما سبب ذلك التراجع الاقتصادى؟


- لأن كل الناس تريد الحصول على الأموال فقط، دون التفكير فى كيفية عمل هذا، ولهذا قاموا بالإضرابات والمظاهرات للحصول على عائد مادى دون التفكير فى كيفية النهوض بالبلاد.


■ ما رأيك فى مرشحى الرئاسة المحتملين؟


- أنا مصاب بخيبة الأمل من عدم وجود مرشح من سن الشباب فى قائمة المرشحين لمنصب الرئاسة بمصر، فالشباب المصرى هو الذى قام بالثورة، ومن الطبيعى أن يظهر أحدهم لتمثيل تلك الفئة، لكن كل المطروحين على الساحة من السياسيين فقط، كما أننى لا أرى أى دعم من الجانب الأمريكى للمرشحين الحاليين.


■ ماذا عن محاكمة الرئيس السابق حسنى مبارك؟


- أعتقد أنها ستكون محاكمة طويلة الأمد.


■ لماذا؟


- لأننى لم أر حتى الآن أى دليل ضده بشأن إعطاء أوامر إطلاق النار على المتظاهرين، كما أننى لا أعلم ما الدلائل المقامة ضده بشأن اتهامه فى قضايا فساد، لكننى أعتقد أن نجليه «علاء وجمال»، يواجهان أدلة قوية بشأن تورطهما فى قضايا فساد، لكن لاتوجد أدلة على «مبارك» نفسه.


■ ما نصيحتك لمصر؟


- لا أملك نصيحة محددة، لكن ما أستطيع قوله هو التحلى بالصبر والإصرار، لأن من ينتظر حدوث أى أمر بشكل سريع، لايتمتع بحدوثه على الإطلاق، فكل شىء يحتاج وقتاً لتغييره، وأقول لكل مصرى «لاتستسلم وكن صابراً».