ما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبة ساحة التغيير بالعاصمة اليمنية صنعاء بميدان التحرير بالقاهرة، حيث انتقلت الروح المصرية لتحل فى المكان والزمان وبطبيعة الحال فى الإنسان، حيث رفعت نفس الشعارات تقريبا، كما يردد المتظاهرون نفس الهتافات، حتى صورة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر رُفعت إلى عنان السماء لدرجة أنك تشعر للوهلة الأولى بأنك تمشى فى ميدان التحرير بالقاهرة، حيث تعود بك الذاكرة إلى الوراء أكثر من شهر حينما اندلعت الثورة المصرية.
فى الساحة يستقبلك خمسة سياجات أمنية منيعة، صُنعت من دم ولحم شباب آمن بالتغيير، اصطفوا فى مجموعات لتفتيش الراغبين فى الدخول إلى مدينتهم الجديدة التى أطلقوا عليها «ساحة التغيير»، وأصبح مقرها أمام جامعة صنعاء اليمنية، يسعى إليهم راغبو التغيير والإصلاح وإسقاط النظام.
الساعة كانت الثانية عشرة والنصف عندما دخلت الساحة، برفقة شاب مصرى يدعى مصعب كان دليلى خلال الجولة، وأحيانا المترجم الذى يفك بعض طلاسم اللهجة اليمنية، وعندها فقط اكتشفت أن الصورة لم تختلف كثيرا عن تلك الصورة التى عشناها فى ميدان التحرير خلال ثورة 25 يناير، فقط مساحات ضيقة تظللها خيام أشبه بالمساكن إلا أنها صُنعت من الحبال والقماش والبلاستيك، وإن كانت من وجهة نظرهم أفسح بكثير من وطن ضاق بتطلعاتهم ورغبتهم فى التغيير.
ومع بداية الجولة بالساحة تستقبلك آثار دمار وسيارتان محترقتان كُتبت عليهما عبارات إدانة مثل «سيارات بلطجية النظام»، و«ارحل» وغيرها من العبارات الدالة على كراهية النظام كتبها المتظاهرون ووضعوها فى منتصف الساحة، كنصب تذكارى يدل على آثارهم ليلة أن حاولوا اقتحام الساحة عنوة فوقعت المعركة التى راح ضحيتها شابان وجرح قرابة 20.
فيما رفعت الخيام الأخرى لافتات بأسماء مثل خيمة «أبناء مأرب»، وخيمة «شباب البيضاء»، «شباب التغيير»، «شباب الثورة»، ورفع البعض منها صوراً لقادة يمنيين سابقين وقادة عالميين مثل «الرئيس الراحل جمال عبدالناصر» و«جيفارا».
الجميع كان ينظر إلىّ نظرة مختلفة، وإن كان أحد لا يعترض مسيرتى، وبنظرة عامة على الساحة تكتشف أن الحياة تزداد نشاطاً وحيوية وحماساً لا نظير له، ففى العمق البعيد تكاد تصل إلى مسامعك أصوات شباب يرقصون على إيقاع الطبول، وهم ينشدون أغانى ثورية وقصائد وطنية.
وهنا ينام البعض على الرصيف فوق «ملايات أو مراتب» خفيفة، بينما لا تخلو الساحة من مجموعات يغدون ويروحون، بعضهم يبيع «القات» وآخرون يوزعون طعاما، فيما تخصص البعض فى تقديم المشروبات الساخنة وغيرها، مثل التمر والعرقسوس وعصائر الفاكهة المنتشرة
فى مدخل شارع العدل، تقابلك لوحة عملاقة كُتبت عليها عبارات «ارحل»، وفى مكان آخر تجد العبارة نفسها ولكن بمختلف اللغات العالمية، كما كتبت على الأرض بخط أبيض كبير.