«أجزخانات» بلا صيادلة.. «إحنا فى زمن المساعدين»

كتب: الجمعة 18-08-2017 18:54

كان «أحمد جمال» الشاب الثلاثينى فى طور النقاهة من مرض سرطان البروستاتا، بعد أن ظل لمدة 30 شهرًا يُعانى خلال فترة العلاج والتى تعرض خلالها لجلسات العلاج بالإشعاع، تسبب النظام العلاجى بإصابته بنقص شديد فى نسب الكالسيوم والماغنسيوم فى الدم، ما ترتب عليه أوجاع شديدة فى العظام.

توجه الشاب لطبيب متخصص فى العظام، وحصل على وصفة طبية تشمل مضادات للالتهابات ومقويات للعظام ومسكن قوى للألم، قام الشاب بصرفها من إحدى الصيدليات بمنطقة عين شمس بالقاهرة، لكن تدهورت حالته وازدادت آلامه، فعاد مرة أخرى إلى الطبيب، سأله الطبيب عن مدى الانتظام فى تناول الدواء بالجرعات المحددة، أقسم الشاب بتناوله الجرعات فى المواعيد المحددة، وطلب الطبيب من الشاب الانتظام فى العلاج لمدة أسبوع آخر، على أن يعود الشاب حاملاً الدواء، بعد 7 أيام، قام الشاب بزيارة عيادة الطبيب، الذى فاجأه، بمجرد رؤية الدواء، قائلا له إن ما يتناوله ليس الوصفة المذكورة فى الروشتة الطبية «الصيدلى أعطاك دواء مختلفاً تماماً عن المكتوب» فعوضًا عن مضادات التهاب العظام أعطى له «الصيدلى» دواء للمعدة، وعوضًا عن المُسكن أعطاه دواء لتخفيف آلام الصداع.

عاد «أحمد» حاملاً الوصفة الطبية وأصناف الدواء إلى الصيدلية ذاتها، ليقابل الشخص نفسه، ويخبره بأن الدواء الذى يتناوله منذ أكثر من 15 يومًا لم يكن هو الدواء الموصوف له من قبل الطبيب، نظر الشاب الذى يعمل فى الصيدلية الشهيرة إلى الأصناف الدوائية والروشتة، وأخبره أن الدواء «ناقص» ما جعله يصف له دواءً بديلاً، انفعل «أحمد» على الشاب، الذى عاجله بالقول «أنا مش صيدلى.. وبعتذرلك عن الخطأ غير المقصود»، ليتوجه أحمد بعدها إلى قسم الشرطة ويحرر محضرًا ضد الصيدلية ومديرها والشخص العامل بها.

حالة «أحمد جمال» ليست الحالة الوحيدة، ولن تكون الحالة الأخيرة، على حد قول الدكتور شريف عباس، أحد الصيادلة فى منطقة المطرية، والذى يقول إن معظم الصيدليات فى منطقته «لا يُشرف عليها صيادلة، ولا يتواجد فيها سوى مساعدين حاصلين على شهادات لا تمت للصيدلة بأى صلة».

التقطت «المصرى اليوم» طرف الخيط، وقامت بجولة فى ثلاث محافظات مختلفة «القاهرة، الجيزة والقليوبية»، وشملت الجولة 62 صيدلية فى مناطق «الهرم- فيصل- المطرية- عين شمس- مصر الجديدة- قصر العيني- بنها- أبوزعبل والعاشر من رمضان» لتجد أن 58 صيدلة من إجمالى العدد بمعدل 93 % لا يتواجد فيها صيدلى متخصص، ويغيب عنها مديرها.

وخلال جولة «المصرى اليوم» على الصيدليات بالمناطق المذكورة، توجهنا بمجموعة من الأسئلة الفنية للقائمين على إدارة الصيدليات محل التحقيق شملت مدى فاعلية أنواع من الدواء المخصصة لعلاج اضطرابات النوم ومواعيد تناوله والآثار الجانبية المصاحبة، ووجدت صعوبة فى الحصول على الإجابات المناسبة، إذ قال العاملون فى 58 صيدلية من إجمالى 62 صيدلية إنهم غير متخصصين فى علوم الأدوية، وأشار معظمهم -45 شخصا- إلى حصولهم على مؤهلات لا تتناسب والعمل فى الصيدليات طبقًا لقانون الصيدلية، ومن ضمن تلك المؤهلات «دبلوم التجارة- بكالوريوس الآداب- دبلوم الزراعة- بكالوريوس الزراعة- بكالوريوس التربية النوعية- بكالوريوس التجارة»، فيما أدعى بعضهم -13 شخصًا- كونهم لا يزالون طلابًا فى كليات «العلوم والصيدلة».

يعمل «محمود.ك» فى صيدلية شهيرة بمنطقة الهرم، تزيد مساحتها على 120 مترًا، وتحتوى على أكثر من 15 ألف صنف دوائى، يقول الشاب الحاصل على بكالوريوس الآداب قسم جغرافيا إنه يعمل فى المهنة منذ 7 أعوام، ويتقاضى راتبًا شهريًا لا يقل عن 2100 جنيه، يأتى محمود إلى الصيدلية كل صباح، ويعمل لمدة 10 ساعات متتالية، يُصاحبه فيها مُراهق يقوم بمهام التنظيف ورص علب الدواء، يستقبل محمود نحو 70 مريضا يوميًا «منهم اللى معاه روشتة ومنهم اللى جى بيشتكى من سخونية أو التهابات أو صداع»، يقول محمود إنه يلتزم بصرف الدواء المكتوب فى الوصفات الطبية، ويقوم بكتابة الجرعات اللازمة على علب الدواء «حتى لو الدكتور مش كاتب الجرعة فى الروشتة أنا بكتبها للمريض بالخبرة»، أما فى حالة شكوى المريض يقوم الشاب بوصف دواء له «ببص على زوره لو فيه التهاب ببيع له مضاد حيوى.. لو محتاج حقنة بوصفله حقنة.. وكله بالخبرة».

يقول محمود إن الفترات التى قضاها فى العمل فى الصيدليات أكسبته خبرة كبيرة موازية –إن لم تكن أفضل- من خبرة الصيدلى المؤهل الذى قضى 5 سنوات يدرس العلوم الصيدلانية فى الكليات فـ«بيع الدواء مش محتاج دراسة، ولو المريض سخن واديتله مضاد حيوى مش هيموت يعنى لو المضاد الحيوى غلط».

«هذا النموذج ليس الوحيد ولن يكون الأخير» حسب «محمد إبراهيم» الحاصل على بكالوريوس الصيدلة من جامعة القاهرة والذى يملك صيدلية صغيرة، يعمل بها منفردًا منذ أن قام بافتتاحها قبل 4 سنوات، ورغم مرور تلك الفترة إلا أنه لا يزال يتذكر فترة عمله الأولى، كان وقتها حين لا يزال حديث التخرج يحتاج إلى صقل دراسته بتدريب عملى «نزلت فى صيدلة كبيرة فى ميدان الجامع بمصر الجديدة، اللى كان بيدربنى واحد من المساعدين.. حسيت بإهانة كبيرة، وقتها؛ كلمت الدكتور صاحب الصيدلية فقالى إنه بيعتمد عليه أكثر من أى صيدلى، وعشان كده قررت إنى لما هفتح صيدلية مش هسمح لمساعد إنه ييجى ويتعامل مع الناس ولا يدرب صيادلة».

أصبح العمل بالصيدلة «مهنة من لا مهنة له»، على حد قول الصيدلى محمد إبراهيم، والذى يرى أن وجود من يصفهم بـ«الدخلاء» فى عموم صيدليات مصر أثر بالسلب على صورة الصيدلى وجودة الخدمة العلاجية، ويشير شادى إلى أن الجمهور يتعامل مع الصيدلى على أنه مجرد «بائع فى سوبر ماركت» إذ قل تأثير الصيادلة على المرضى بسبب شكهم فى مؤهلات من يقوم بصرف الدواء لهم «انعدمت الثقة بين الصيدلى والمريض». ويرى «محمد» أن إجبار الصيدليات على تشغيل الصيادلة فقط يصب مباشرة فى مصلحة كل من المريض والمهنة نفسها «لو الصيدليات اللى مفهاش صيادلة قفلت.. أعداد الصيدليات هتقل، وبالتالى الأرباح هتزيد، وهترتفع أجور الصيادلة لتتناسب مع مؤهلاتهم العلمية. والدواء هيتوصف صح للمريض، وبالتالى الخدمة الطبية هتكون أحسن وأفضل».

تنص المادة الأولى فى قانون رقم 127 لسنة 1955 فى شأن مزاولة مهنة الصيدلة على أنه «لا يجوز لأحد أن يزاول مهنة الصيدلة بأى صفة كانت إلا إذا كان مصريا أو بلد تجيز قوانينه للمصريين مزاولة مهنة الصيدلة به وكان اسمه مقيدا بسجل الصيادلة بوزارة الصحة العمومية وفى جدول نقابة الصيادلة.

ويعرف القانون مزاولة مهنة الصيدلة بتجهيز أو تركيب أو تجزئة أى دواء أو عقار أو نبات طبى أو مادة صيدلية تستعمل من الباطن أو الظاهر أو بطريق الحقن لوقاية الإنسان أو الحيوان من الأمراض أو علاجه منها أو توصف بأن لها هذه المزايا.

ويعاقب القانون بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من زاول مهنة الصيدلة بدون ترخيص أو حصل على ترخيص بفتح مؤسسة صيدلية بطريق التحاليل أو باستعارة اسم صيدلى. ويعاقب بنفس العقوبة الصيدلى الذى أعار اسمه لهذا الغرض ويحكم بإغلاق المؤسسة موضع المخالفة وإلغاء الترخيص الممنوح لها. ويعاقب بالعقوبة نفسها كل شخص غير مرخص له فى مزاولة المهنة يعلن عن نفسه بأى وسيلة من وسائل النشر إذا كان من شأن ذلك أن يحمل الجمهور على الاعتقاد بأن له الحق فى مزاولة مهنة الصيدلة وكذلك كل صيدلى يسمح لكل شخص غير مرخص له فى مزاولة مهنة الصيدلة بمزاولتها باسمه فى أى مؤسسة صيدلية.

وطبقًا للمادة 11 من قانون رقم 127 لسنة 1955 بشأن قانون مزاولة مهنة الصيدلة، فإن المدير المسؤول هو الشخص المناط به التواجد فى الصيدلية للحفاظ على ما فيها من أدوية وما يترتب عليها من حفظ طبقًا للمواصفات الفنية وتداول وصرف هذه الأدوية للمرضى، على أن يراعى الأمانة وتطبيق العلم الذى لديه ويقوم بإعطاء كافة الإرشادات الطبية اللازمة والمتعلقة بطريقة الاستعمال والحفظ، وأيضًا تحضير الأدوية، وكذلك مسؤول عن العاملين بالمؤسسة ويكونون تحت إشرافه.

وبحسب القانون نفسه، يجب على المدير المسؤول أن يكون حاصلاً على بكالوريوس فى العلوم الصيدلية، ولابد من «مرور عام كامل على تخرجه قضاها فى مزاولة المهنة فى مؤسسة حكومية أو أهلية، ويكون هذا بمستندات رسمية المادة 19 من القانون 127 لسنة 1955».

الدكتور «يوسف أمين» مدير عام المنطقة الطبية لشرق القاهرة، وهى الجهة المنوط بها التفتيش على الصيدليات يقول فى تصريحات لـ«المصرى اليوم» إن إدارته تقوم بإعداد محاضر شهرية للصيدليات التى لا يتواجد بها صيادلة «كل شهر بنعمل أكثر من 10 محاضر غلق للصيدليات»، مشيرًا إلى أن المفتشين يقومون بدورهم على أكمل وجه لضبط النظام عبر خطة موضوعة سلفًا «المرور بيكون عشوائى على الصيدليات واحنا لسنا مقصرين على الإطلاق».

يتعلق الأمر بـ«الضمير»على حد قول «أمين» الذى يرى أن جهات التفتيش لا تستطيع «وضع عسكرى على كل صيدلة لمراقبتها» مؤكدًا أن الصيدليات المخالفة تتعرض للغلق من جهات التفتيش «نُعد محضرا إداريا ونغلق الصيدلية».

لكن؛ وبحسب صيدلى تحتفظ المصرى اليوم باسمه، لا يفيد غلق الصيدلية فى معالجة الظاهرة التى باتت منتشرة كالنار فى الهشيم على حد قوله، ويضيف: «تقوم جهات التفتيش بعملية الغلق حال عدم تواجد مدير بالصيدلية، إلا أن هشاشة القانون وضعفه يجعلان صاحب الصيدلية يقوم بفتحها مرة أخرى بمجرد رحيل لجنة التفتيش».

يتفق «يوسف أمين» مدير عام المنطقة الطبية بشرق القاهرة مع القول بضعف القانون، مشيرًا إلى أنه من الضرورى تشديد العقوبات وغلق الصيدليات بشكل نهائى حال تكرار مخالفة عدم وجود صيدلى فى أوقات العمل الرسمية. مشيرًا إلى أن المريض يجب عليه الامتناع عن صرف الدواء حال عدم وجود صيدلى مؤهل فى الصيدلية «المريض المفروض يسأل الأول اللى واقف فى الصيدلية ولو ملقهوش صيدلى يمشى، ويقدم شكوى عشان يساعدنا فى غلق الصيدليات المخالفة».

يعمل فى الإدارة التى يرأسها الدكتور «يوسف أمين» نحو 5 مفتشين يناط إليهم التفتيش على الصيدليات فى شرق القاهرة، وهو عدد يراه الصيدلى «محمد إبراهيم» غير كاف على الإطلاق للتفتيش على الصيدليات التى يتجاوز عددها 420 صيدلية فى منطقة المطرية وحدها «إزاى خمسة هيفتشوا على 400 منشأة».. غير أن الدكتور «يوسف أمين» يؤكد أن المنطقة الطبية لديها خطة للمرور على كافة الصيدليات بصورة مفاجئة ودون أى إشعار «بنمر على الصيدليات صباحاً ومساء وخلال فترات الليل. ونؤكد أننا نقوم بغلق الصيدليات المخالفة على الفور».

حسب تصريحات صحفية لنقيب الصيادلة، الدكتور محيى عبيد، فإن عدد أعضاء الجمعية العمومية للنقابة العامة والفرعيات يبلغ 213 ألف عضو، ويشير نقيب الصيادلة فى التصريحات الصحفية إلى أن هذا العدد يكفى لتقديم خدمات إلى مليار و50 مليون مواطن، وفق النظم العالمية التى تحدد صيدليا لكل 5 آلاف مواطن. مشيرًا إلى أن هناك نحو 71 ألف صيدلية فى مصر تستطيع تقديم الخدمة لعشرة أضعاف أعداد المصريين.

لكن ما الذى يجعل الصيدليات خالية من الصيادلة؟.. الإجابة يقدمها الصيدلى «شريف عباس» والذى يضطر لإغلاق الصيدلة التى يمتلكها لأكثر من 12 ساعة يوميًا بسبب عدم توافر صيدلى يرغب بالعمل فى المكان. ويقول شريف إن الأجور الهزيلة التى يتلقاها شباب الصيادلة تمنعهم من العمل فى المهنة، مشيرًا إلى أن الشباب يفضلون السفر للخارج أو العمل فى تسويق الدواء «الساعة الشهرية للصيدلى لا تتعدى 250 جنيها، يعنى مرتبه فى الشهر مش هيزيد على 2500 جنيه لو اشتغل 10 ساعات فى اليوم، وبالتالى بيفضل يشتغل فى التسويق ويسيب المهنة للمساعدين».