نجحت ثورة الياسمين التونسية فى اقتلاع نظام الرئيس زين العابدين بن على من جذوره وغرس بذور نظام جديد، قائم على الديمقراطية وتداول السلطة واحترام إرادة الشعب فى اختيار ومساءلة حكامه، إلا أن الثورة تواجه اختباراً لا يقل صعوبة عن إسقاط النظام، يتمثل فى قدرتها على الحد من ممارسات القمع والتعذيب التى بلغت ذروتها فى العهد البائد ولاتزال مستمرة وتنال من حرية وكرامة التونسيين بعد مرور أكثر من 8 شهور على عمر الثورة.
واكتشاف هذا التحدى الجديد الذى تواجهه ثورة تونس جاء بعد شهادات تلقتها منظمة مكافحة التعذيب فى تونس تفيد بوقوع ممارسات قمعية لسجناء ومعتقلين ليصبح عنوان أحدث تقرير للمنظمة هو: «التعذيب تواصل بعد الثورة»، وأكدت رئيسة المنظمة الناشطة التونسية راضية نصراوى أن أطفالاً فى الـ14 و15 شاركوا فى تظاهرات سلمية تعرضوا أيضاً للتعذيب، معربة عن استيائها من المشهد بقولها: «كان فى اعتقادنا أن التعذيب والعنف البوليسى سيرحلان مع رحيل بن على.. لكن صدمنا لاستمرار هذه الانتهاكات».
وقدم التقرير شهادات عن هذه الممارسات خلال الفترة من 15 يناير إلى 30 سبتمبر 2011 فى عدد من المدن التونسية، لاسيما العاصمة تونس، ومن المتوقع أن تصدر المنظمة تقريراً نهائياً نهاية العام الجارى «حول الحالات الأكثر خطورة»، وكشف التقرير بعض الانتهاكات من بينها لجوء رجال الأمن للقوة المفرطة لتفريق الاعتصامات والضرب المبرح والتنكيل خلال عمليات الاعتقال فى مراكز الأمن والسجون.
كانت أبرز الشهادات للشباب فؤاد البدروشى «17 عاما»، الذى أكد تعرضه لانتهاكات أثناء اعتقاله فى مايو الماضى إثر تفريق تظاهرة فى شارع الحبيب بورقيبة الرئيسى ونتج عن التحرش به كسر فى عموده الفقرى ووجوده داخل زنزانة برفقة عشرات الأطفال المعتقلين والاستعانة بكلاب لتخويفهم، وهو الأمر الذى اعتبرته المنظمة «انطباعاً للضحايا بأن الأمور لم تتغير نحو الأحسن بعد الثورة وأن الشرطة لديها ضوء أخضر لممارسة التعذيب»، وبالتالى دعت المنظمة الحقوقية إلى «اتخاذ إجراءات عملية لفتح تحقيق مستقل حول التعذيب ومحاسبة مرتكبيه، فضلا عن إنشاء مركز طبى ونفسى لمساعدة ضحايا الانتهاكات وعلاجهم».
كما أوصت المنظمة بـ«إصدار قانون تعترف فيه الدولة بوقوع أعمال تعذيب فى الماضى والاعتذار للضحايا وإقرار عدم سقوط جريمة التعذيب بمرور الزمن، وصولاً إلى تشكيل محكمة لحقوق الإنسان».
ومن المعروف أنه بعد سقوط نظام بن على صادقت السلطات الانتقالية فى فبراير الماضى على انضمام تونس إلى المعاهدة الدولية ضد التعذيب و3 بروتوكولات دولية أخرى حول حقوق الإنسان.
وأثار التعذيب فى تونس الرأى العام العالمى بعد سقوط النظام السابق مما دفع الأمم المتحدة إلى إرسال محققها بشأن التعذيب جوان مينديز فى زيارة إلى تونس فى مايو الماضى لمساعدة السلطات الانتقالية لضمان محاكمة الذين مارسوا التعذيب فى عهد نظام بن على وتعويض ضحاياهم.
ويتزايد الخطر على الكثير من التونسيين عندما تكتشف - وفقاً لدراسة عالمية - أن قطاعاً كبيراً من أفراد الشعب مصاب بالاكتئاب النفسى والقلق، وهى الدراسة الصادرة عن منظمة الصحة العالمية ومنع الرئيس المخلوع بن على نشر نتائج فى 2005، أظهرت أن تونسيا من بين اثنين يعانى من «الاضطرابات النفسية»، حيث أعلنت رئيسة «الجمعية التونسية للطب النفسى» الدكتورة ريم غشام أن المنظمة لفتت فى الدراسة نظر السلطات إلى أن «نصف التونسيين يعانون من اضطرابات نفسية، وأن عدد المصابين بهذه الاضطرابات يزداد من يوم إلى آخر».
وأرجع أطباء انتشار الاضطرابات والأمراض النفسية فى تونس إلى ما عاشته البلاد طوال 23 عاما من حكم «بن على» من استبداد وغياب للعدالة الاجتماعية وكبت وقمع للحريات العامة والخاصة، فيما ربط مراقبون بين ارتفاع عدد محاولات الانتحار فى تونس «10 آلاف محاولة انتحار سنوياً» وهشاشة صحة التونسيين النفسية.