مصطفى الفقى: شخصية كبيرة فى الرئاسة أكدت لي أن «مبارك» لن يترشح وابنه سيكون البديل

كتب: محمود مسلم الإثنين 07-03-2011 17:27

يعتبر المفكر د. مصطفى الفقى من القلائل، الذين يملكون القدرة على جمع المعلومات وتحليلها والتعبير عنها بوضوح وقوة.. لذا لم يكن غريباً تهافت القنوات الفضائية عليه سواء أثناء الثورة أو فى الأزمات السابقة.

الفقى الذى كان يعتبره النظام السابق، متمرداً، حيث أقحم نفسه كثيراً فى «عش الدبابير»، فكان دائماً مثيراً للجدل، خاصة أنه عمل داخل مؤسسات الرئاسة والخارجية ومجلسى الشعب والشورى، كما انفتح على المجتمع من خلال آرائه وأفكاره، وتفاعل حتى مع المعارضة.. وهو ما مكنه من أن يقترب من الأحداث والشخصيات.. ويبتعد أيضاً ليكون صورة أقرب للحقيقة..

كيف ترى مستقبل مصر بعد 25 يناير؟

- لابد أن أعترف بأن هناك درجة من درجات القلق نشعر بها جميعاً، وهذا قلق مشروع لأن التحولات أكبر مما نتصور، وهى تبدو مثل ابن فى سن معينة قيل له فجأة إن أباك ليس أباك.

نحن أمام صدمة حقيقية نتيجة للحجم الذى اكتشف من مخالفات وفساد فى جميع مناحى الحياة، وبالتالى نحن نريد لهذه الثورة التى روتها دماء أكثر من 600 شهيد و5 آلاف جريح أن تؤدى إلى تحول حقيقى فى مصر.

لقد كنا نعانى إذا ما ذهبنا إلى أى بلد من الشعور بتضاؤل حجمنا وتهميش دورنا، وبأننا خارج السياق، وانعكس هذا الشعور على طريقة تعامل العالم كله مع الجاليات المصرية فى الدول العربية.

إلى هذا الحد كانت مصر «خربانة»؟

- يبدو من حجم الفساد الذى نسمع عنه أن هناك قدراً من المبالغة، لأن الناس معلقة دائما بالمواقف الحادة وبالتعميم، وفى كل حال القدر المتيقن منها فى حد ذاته «مقلق للغاية»، وبالتالى يجب أن نقدر أنه جرى تجريف لمصر من خبراتها ومن ثرواتها ومن عقولها، وكل هذا أدى إلى حالة من حالات الشعور بالألم لدى المواطن العادى لكنه ألم مختلط بالأمل لو قدر أن المصرى كسر لأول مرة حاجز الخوف من الحاكم.

متى شعرت بهذا الخوف؟

- كثيرا ما عانيت منه، لأننى كنت أعتقد أن هذا الأمر يقع فى الإطار.

لكن تم تعيينك مؤخرا فى مجلس الشورى؟

- التعيين فى الشورى جاء بعدما أعلنت أننى لن أترشح فى مجلس الشعب، وقيل لى قد لا يتم تعيينى فى مجلس الشعب إطلاقا، أما إذا عينت فى الشورى سيكون أفضل على أساس أن الشورى مجلس الخبرات والعقلاء أو الحكماء بشكل أو بآخر، وتحقق ذلك ولم يكن له أى معنى بالرضا، لأن العام الماضى بالذات شهد، نتيجة الحوار الذى أجريته معك، أن قامت الدنيا ولم تقعد ولقد أثبتت الأيام بعد ثورة 25 يناير أن ما قلته عن أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لابد أن يباركا ويؤيدا أى وجود رئاسى فى مصر، كان من أدق وأوضح العبارات التى قيلت فى السنوات العشر الأخيرة، وتستطيع أن ترى ذلك فى حجم اهتمام أوباما، والذى خرج على الناس فى أحد الأيام 3 مرات للتحدث عن مصر تليفزيونيا. أيضا هيلارى كلينتون تحدثت أكثر من 12 مرة، والمتحدث الرسمى كان يتحدث صباحا ومساء، بينما كان مجلس الوزراء الإسرائيلى فى حالة انعقاد دائم، ووقف العالم العربى على أطراف أقدامه.

الحدث كان ضخما، فمصر ليست بلدا هينا حتى يستهين به البعض، مصر تستعيد وزنها الحقيقى ومكانتها الطبيعية التى كانت تفقدها بشكل كبير جداً على مدى العقود الأخيرة بدعوى أن الدور الإقليمى وممارسته يمثل عودة إلى العصر الناصرى، وهذا «كلام مضحك»، فالدور الإقليمى مرتبط بفكرة المجال الحيوى.

ومن كان يطلق هذا الكلام؟

- بعض الكتاب والمفكرين المصريين كانوا يتحدثون عن ذلك، وأنا كتبت مرة حديثا كان عنوان «جريدة البديل»، قلت فيه إن الرئيس مبارك لا يعنيه الدور الإقليمى بقدر ما يعنيه البناء الداخلى، واتصل بى السفير نبيل فهمى الصديق العزيز، وقال لى إن هذا العنوان سيجر عليك أهوالا. وبالفعل كنت فى دمشق فى اليوم التالى وتلقيت اتصالين من مسؤولين كبيرين فى الرئاسة يبلغانى فيه أن الأمور وصلت إلى حد لا يمكن تجاوزه، وأنك خارج عن إطار ما يجب العمل به، ودائما تتصرف «من عندياتك»، وليس لديك التزام حزبى ولا التزام سياسى.

ولا أخفيك أننى كنت أشعر بالقلق الدائم، لأننى عندما كنت رفضت الذهاب إلى إسرائيل ضمن احتفالات الكنيست بمرور 25 عاما على اتفاقية السلام، وفعلا كان لدى وعكة صحية فى ركبتى، وذهبت إلى جنيف، فتلقيت مزيداً من الوعيد والتهديد من شخصيات فى الحزب قالت لى فى مكالمة استمرت ثلث الساعة إن هذا لا يجوز، ويجب أن تكون ملتزماً حزبياً.

هل كان هذا المسؤول صفوت الشريف؟

- لا لم يكن أمين عام الحزب، ولا أريد أن أخوض فى الأسماء، ولكننى فوجئت بأننى فى أول تشكيل للجان الحزب قد أخرجت من تشكيل لجنة «مصر والعالم» وتولاها بعدى د.محمد عبداللاه.

تحدثت عن دور مصر.. هل تراه تراجع فى المنطقة؟

- طبعا، ولا ينكر أحد ذلك. أنا كنت مرة فى منزل صديقى العزيز عماد الدين أديب، وكان هناك الراحل رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان، وكان يتحدث عن خطورة «هيبة مصر» عربياً وإقليمياً، وهذا انعكس حتى على طائفة السنة التى يتزعمها فى لبنان. القوة الناعمة لمصر تراجعت فى المنطقة العربية، حتى التعليم تراجع، والثقافة تراجعت، ودور الأزهر تراجع.

يجب أن نعترف بهذا، ومن يقل بغير ذلك «واهم»، لقد جاء علينا حين من الدهر كان يجرى فيه الحديث عن مصر كما لو كانت قوة هامشية فى المنطقة. إيران تتصدر.. تركيا تتحرك.. سوريا تنشط، وأنت وجودك محدود، وبه قدر كبير جدا من الانكفاء الداخلى.

واهم من يتصور أن مصر دولة يمكن أن تعيش فى «عزلة».. هذا مستحيل، فمصر قائدة فى الحرب، ورائدة فى السلام.

من تتوقع أن يكون رئيس الجمهورية المقبل؟

- إذا كان ما أعلنه المجلس العسكرى من أنه لن يكون هناك مرشح عسكرى آخر، فسوف يكون الأمر محصورا فى عدد من المدنيين سيتقدمهم السيد عمرو موسى، لأنه رجل خرج من رحم العقدين الآخرين فى العمل السياسى، فعمل وزيرا للخارجية طوال 10 سنوات، وأمينا عاما لجامعة الدول العربية 10 سنوات، أى أنه على الساحة بشكل مطلق، وأيضا لديه قبول جماهيرى عام فى بعض الأوساط.

لكن البعض يعتبره محسوباً على النظام السابق؟

- للأسف، كنا نتمنى أن تكون هناك قيادة فى الأربعينيات أو فى بداية الخمسينيات من العمر، لكن مشكلة الثورة أنها ثورة تكنولوجيا المعلومات والفيس بوك، والفيس بوك يحدث تجميعا، لكنه لا يصنع قيادة، والذى رأيناه الآن أن هناك ثورة «بلا رأس حقيقى»، حتى كل الأسماء التى طرحت جرى التشكيك فيها أو ظهرت بدائل منافسة لها. أنا شخصياً استمعت لعدد منهم، وانبهرت من مستوى العقلية والقدرة على الإقناع لديهم، لازم أعترف بأسماء مثل مصطفى النجار وشادى الغزالى، وغيرهما.

ومن غير عمرو موسى؟

- عمرو موسى لديه فرصة تبدو أكبر، أيضا شخص مثل حمدين صباحى قد تبدو له فرصة إذا جمع أصوات الناصريين واليسار، ومن يستطيع منهم أن يحوز قدراً من التحالف الضمنى مع الإخوان قد تكون فرصته أكبر.

الإخوان هم أكثر من حصد نتائج إيجابية من الثورة حتى الآن، فالثورة ليست ثورتهم وحدهم، هم شاركوا فيها ربما بـ20%، لكن لديهم خبرة تنظيمية ونضالية واضحة، فهم الذين أقاموا الشاشات فى ميدان التحرير، وهم الذين حموا مداخل الميدان فى لحظات معينة، وهم الذين حاربوا فى موقعة الجمل، وبالتالى كان طبيعيا أنهم حصدوا، يعنى الفارق بين صلاة الجمعة بقيادة الشيخ يوسف القرضاوى والجمعة التالية، هو الفارق بين وجود الإخوان وعدم وجودهم، فالأولى كان التجمع مكثفا والموقف رهيباً، بينما كانت الثانية بعدد لا بأس به، لكنه لا يصل إلى الجمعة السابقة.

الإخوان المسلمون حققوا ما لم يحققوه منذ عام 1829، دخلوا القصر الجمهورى رسميا، وأصبحوا جزءا معترفاً به فى المفاوضات بعد أن كان يسميهم البعض «المحظورة»، وأنا لم أفعل هذا أبداً، وأتحدى فى أى حوار لى أن استخدمت لا كلمة المحظورة أو المنحلة، لكننى كنت أسميهم باسمهم الطبيعى، وكان هذا رأيى قبل الثورة وبعد الثورة وسيظل، رغم أننى أختلف معهم فى الآراء السياسية 180 درجة، إلا أننى اتفق مع حقهم فى المشاركة السياسية والاندماج فى العمل السياسى، وهذا الحق لا أنكره عليهم، لذا كان طبيعياً أن يتصل بى الشيخ محمد مهدى عاكف مرتين فى أثناء الثورة، ويتصل بى محمد عبد القدوس، وغيرهما. أنا لى أصدقاء من داخل الجماعة، لأنهم يعرفون أن بينى وبينهم «حبال ود»، لكن بينى وبينهم أيضا خلاف فكرى كبير.

وهل تتوقع أن يرشح البرادعى نفسه لانتخابات الرئاسة؟

- ربما.

وبالنسبة للدكتور أحمد زويل؟

- زويل طبعاً معه الجنسية الأمريكية، وكان يتصور مثلما يتصور كثيرون أن الولايات المتحدة الأمريكية تسمح بازدواج الجنسية ومصر تسمح بازدواج الجنسية، لكن التعديلات الدستورية الأخيرة قاطعة فى هذا الشأن بأن من حمل الجنسية الأجنبية فى وقت ما وتنازل عنها، لا يسمح له بالترشح.

وهل تتوقع أن ترشح المؤسسة العسكرية أحد قادتها فى الانتخابات الرئاسية؟

- والله، حتى الآن هم أعلنوا أن المؤسسة العسكرية لا تنتوى تقديم مرشح، لكن قد يأتى عسكرى سابق، ولا بأس فالعسكريون أيضا من الشعب.

يعنى الفريق أحمد شفيق مثلا؟

- لا أعلم، خصوصا أننى أعتقد أن وضع السيد أحمد شفيق قبل توليه رئاسة الوزارة كان يبدو فى نظر كثيرين أقوى، لأنه جاء فى ظروف صعبة وتعرض لمواقف ليست سهلة، وإن كان أداؤه طيبا لدى كثير من القطاعات، وأنا سمعت البعض يرشحه لهذا المنصب.

لو خاضت هذه الأسماء التى ذكرناها.. أيها ستؤيد؟

- طبعا سؤال صعب، لكننى سأرى البرامج المطروحة. ورغم زمالتى لـ «عمرو موسى» طوال الـ 40 سنة الماضية، فإننى لا أستطيع أن أجزم بمن منهم سيكون له القدرة على تحريك الجماهير أكثر.

وعليك الوضع فى الاعتبار أن رئاسة الجمهورية ليست القاهرة، وإنما هى محافظات الجمهورية، هى الفلاحون والصعايدة، هى العمال، هى العشوائيات، هى المساجد والكنائس، هى الأحياء الراقية، إنها «شيلة تقيلة». لذلك حتى فى استطلاعات الرأى العام السيد عمرو موسى يحصل على أعلى النتائج، لكنها ليست نتائج كبيرة، هو أعلى من منافسيه لكن لا توجد شخصية توافقية بدرجة كبيرة.

بعض الناس تكلمت عن الجنزورى؟

- لا أعتقد، هذا الأمر يمكن أن يكون بسبب صمت الجنزورى فى السنوات الماضية، وذلك حسب عليه ولم يحسب له، حيث إنك تعرف ثم تنتظر لحظة الخلاص لتتحدث. نعم كان يتحدث مع بعض الناس وأنا منهم باعتبارى من أصدقائه، إنما الرأى العام كان واقعا تحت سيطرة الأفكار المعادية لمرحلة الجنزورى، فلقد جرى تشويهه بصورة كبيرة، رغم أن الرجل لا يستحق ذلك، وفى رأيى أن الرجل عمل فى بداية عصر بدأت به مرحلة التدهور وزيادة حجم الفساد السياسى والإدارى فى مصر.

وما أهم أسباب الثورة من وجهة نظرك؟

- أرى أنها ليست قضية اقتصادية بحتة، وخذ مثالا لذلك تونس، الثورة بدأت ولم تأت بسبب البطالة أو الفقر، وإنما أتت بسبب الإحساس بشيوع الفساد، وشعور الفرد بالتهميش، وأنه لا قيمة ولا رأى له، يحدثونه عن التوريث، ويرى أن السيد جمال مبارك لا يسعى رسمياً إلى طلب تأييد المواطنين. هذا فى حد ذاته درجة عالية من درجات الاستعلاء.

لم أسمع جمال مبارك فى حياتى يتحدث عن تطلعه لمنصب رئيس الجمهورية، وإنما أرى أن كل ما يجرى أمامى من تعديلات وتصرفات وإجراءات يؤدى إلى ذلك. وشخصياً كنت فى حالة تجعلنى أصدق أو لا أصدق. أقرأ الصحف القومية فأخرج بانطباع، اقرأ الصحف الخاصة أو المعارضة فأخرج بانطباع معاكس 180 درجة، كل هذا فى وقت صعب للغاية.

وثائق «ويكيليكس» قالت إن السيدة سوزان مبارك هى التى كانت مؤيدة للتوريث؟

- أنا لا أعلم هذا، ولم يكن لى فى دخائل البيت، لكن طبعا أى أم تريد أن ترى ابنها رئيسا، مثلما زوجة العمدة إذا كبر به السن تفضُل أن يأتى ابنها خليفة لزوجها بدلا من أعمامه، حتى تكون زوجة العمدة وأم العمدة فى القرية.

وفى اعتقادك الرئيس كان مؤيد لذلك أم متحفظاً؟

- لا أعتقد أنه كان متحمساً، أتذكر فى أحد المكالمات التليفونية منذ عدة سنوات، وقال لى: «أخرجوا كلمة التوريث من ذهنكم.. لماذا لا يعيش ابنى حياته سعيدا بعيدا عن كل هذا»، قد تقول لى لماذا إذن تتركه يقوم بكل هذا العمل السياسى فى الحزب، لأننى أريد أن أعطيه حقه كأى مواطن، ولا أريده أن يسافر ويغادر مصر، وأريده معى فى هذه السن. قالها لى صراحة.

لكن هل كنت ترى التصرفات فى الاتجاه نفسه؟

- ربما فى العامين الأخيرين مع مرض الرئيس جرى إقناعه بشىء من ذلك، كأن يقال له «من الأفضل أن يأتى ابنك فى عصرك ويكفيك نبرة الانتقادات التى حدثت لعبدالناصر والسادات بعد رحيلهما». هذه مجرد تصورات وليست معلومات.

وهل تعتقد أنه فى 2011 «لو الدنيا مشيت هادية» كان الرئيس مبارك سيرشح نفسه أم لا؟

- كنت أتصور أن الرئيس هو المرشح، لكننى علمت بعد ذلك من شخصية مهمة فى الرئاسة أن الأمور قد تغيرت، وأن مرشح الرئاسة قد يكون جمال مبارك.

كانت تلك بالنسبة لك معلومات مؤكدة؟

- كنا يومها فى عزاء المرحوم مصطفى السلاب، وكنت أجلس إلى جوار شخصية كبيرة، وقال لى إنه يستشعر ويتوقع أن الرئيس زاهد فى الترشيح، ولن يدخل هذه المرة لظروف تتصل بالظروف العامة وحالته الصحية، ثم إنه وبالتدقيق فى انتخابات 2010 التى جرت على النحو المعروف، توحى بأن المرشح لم يكن الرئيس مبارك، لأنه لم يكن يحتاج إلى هذه الضغوط للوصول إلى هذه النتيجة الحسابية التى أضرت ضررا بالغا بالساحة السياسية، ورغم أننا كنا مبهورين بالنتائج، لكن من الواضح أنها كانت «القشة التى قسمت ظهر البعير».

وما تأثير انتخابات مجلس الشعب على الرئاسة؟

- تصنع برلمانا «طيع.. طيع جدا»، وهذا معناه أنك ستكون أمام رئيس جديد وليس رئيساً تعودوا عليه وترسخت شعبيته. ستكون أمام رئيس يسعى لبناء شعبيته.. وبالمناسبة فقد انتقدت تشكيل مجلس الشعب الأخير فى اجتماع مع جمال مبارك وقلت إنه مجلس سيشهد انتخابات الرئيس ويجب أن يكون غير مشكوك فيه فرد على جمال قائلاً: «انت تتحدث مثل المرشد العام للإخوان المسلمين» وقد ذكرنى بهذا الموقف مؤخراً د. على شمس الدين نائب رئيس جامعة بنها فقد كان شاهداً.

قلت لى من قبل إن الرئيس منذ سنوات قال لك إنه لا يريد لـ«جمال» أن يخوض الانتخابات، وقلت لى أيضا بعد صياغة المادة 76 من الدستور إن الناس «كانوا بيشوفوا العيون وبيقروا اللى فيها»؟

- عندما تقرأ العيون، تماما مثلما يقال «إذا عرفت ما فى جيبى سوف أعطيك اثنين منه». كانت الأمور ظاهرة، يعنى قصر الترشيح على الأمانة العامة وهيئة المكتب، وإذا نظرت إلى من فيها سوف تتضح لك الأمور وتعرف من المرشح.

هذا يتناقض مع كلام الرئيس لك؟

- لا، الرئيس كان يتكلم عما يشعر أو ما يؤمن به هو، أما ما يفعله الآخرون فأنا لا أعتقد أن الرئيس كان وراء تطورات عملية التوريث «بشكل حرفى».

أحمد عز قال لى ذات مرة : إننا عندما كنا نريد الذهاب فى إحدى الجولات فإن الوقت يستغرق فترة لنستأذن من الرئيس». يعنى لم يكن دافعا له فى كل الأحوال، وأعتقد أن ذلك أحرجه فى أكثر من موقف ومعه الحكومة.

أعطنى مثالاً لذلك؟

- ذات مرة طرحت الحكومة إنشاء عاصمة جديدة للبلاد، وأعتقد أنه مثلا تم استهجان التصريح ببدء البرنامج النووى المصرى على لسان جمال مبارك فى مؤتمر الحزب الوطنى قبل والده، ولم يكن هذا أمرا مقبولاً.

وما رأيك فى علاء مبارك؟

علاء مصرى طيب قريب من قلوب الناس ومنى أنا شخصيا، وأستطيع أن أقول إنه كان يشعر بقدر كبير جدا من قراءة المستقبل.

ماذا تعنى بذلك؟

- يعنى كان قلقا من كثير من هذه الأمور، ولقد التقيته بعد الأسبوع الأول من أحداث تونس، وكانت له ملاحظات كثيرة على الانتخابات الأخيرة، وعلى الأداء السياسى بوجه عام، وهو كان حريصا على أخيه ويخاف عليه. وطبعا كان متعلقا بأبيه ويريد أن تكون صورته كما بدأت.. تنتهى بالخاتمة الطيبة.

وعلاء كان يبدى مشاعر طيبة جدا تجاه أسرته، لكنه كان يشعر بالقلق، ويقرأ الأمور مثلما نقرأها نحن.. وهذا بالطبع بعيدا عما نشر عن حجم ثروته.

وما الأسباب التى أوصلت الرئيس مبارك إلى تلك النتيجة من وجهة نظرك؟

- الفرص الضائعة، كان أمامه أكثر من فرصة ليضع ختاما رائعا لحكمه. مشكلة الإنسان إذا لم يدرك متى ينصرف. انظر إلى شعبيته بعد محاولة الاغتيال فى أديس بابا، وإلى شعبيته بعد أن أغمى عليه تقريبا فى البرلمان، وإلى شعبيته بعد رحيل حفيده. يعنى كنت أرى أنه فى عام 2005 لو قال «أنا قدمت لهذا الوطن حرباً وسلاماً ومن ترابه نشأت وأريد أن أعود مواطناً طبيعياً، وأفسح الطريق لجيل جديد»، لا أعنى ابنه بالضرورة، لكتب تاريخا آخر ، وحتى أسوأ إدارة لأزمة رأيتها فى عهد مبارك هى أزمة الثورة.

أنا ظهرت على التليفزيون يوم 26 يناير، وكانت مجازفة ولم يكن أحد يعلم، كان البعض يعتقد أنها مظاهرات شباب وستنتهى، لكننى قلت له يا سيادة الرئيس، تاريخك الذى بدأ من حرب جوية إلى طابا يلزمك الآن بإقالة الوزارة وتطهير المجلسين بسرعة وإجراء الإصلاحات المطلوبة قبل صلاة الجمعة المقبلة.

بعد 72 ساعة، كانوا يعطون القليل متأخرا، فدخلنا فى عملية مساومة بين «ميدان التحرير» و«مقر الرئاسة»، ولا أعلم من هم المستشارون الذين كانوا يقفون إلى جوار الرئيس فى تلك اللحظات العصيبة. له 3 خطابات أفضلها الخطاب الأوسط، الذى أحدث تعاطفا مع قطاعات لا بأس بها من الشعب، وفى اليوم التالى مباشرة حدثت «موقعة الجمل» بشكل سفيه وجرى الاعتداء والقتل بشكل لا أعرف من الذى دبره؟ هل هم بعض رجال الاعمال فى الحزب هل هم بعض رجال الداخلية، هل هم بلطجية جرى تدريبهم من قبل، لا نعرف.

أما الخطاب الأخير فكان أسوأ الخطابات، لأنه إذا كنت تريد أن تخاطب شعبا ينتظر خطابا معينا وجاء فى آخر الخطاب، «وأرى تفويض السيد عمر سليمان» بعد أن تحدث فى طول الخطاب وعرضه عن أنه سيفعل كذا ويترك كذا، فأدى هذا إلى قدر كبير من الانفجار، وارتفعت الأصوات فى وقتها فى التحرير، وبالتالى لم يكن هناك «حس سياسى».

أنا قلت فى التليفزيون أيضا إن كان يجب على الرئيس أن يدعو بقايا مجلسى الشعب والشورى بغض النظر عن الشرعية إلى مقر قريب منه، ويتقدم منهم بخطاب يتحدث فيه عما فعل وعن تاريخه العسكرى والسياسى لا بأس، ثم يقول إننى وقد وصلت إلى مسامعى هتافات أبنائى من الجيل الجديد فى ميدان التحرير، فإننى أترك مقعدى طواعية وأعلن التنحى من أجل هذا الجيل، متمنيا لوطنى الإصلاح والتقدم، وكما أقسمت اليمين أمامكم فإننى أقدم استقالتى لديكم، وكان وقتها الأمر سينتقل إلى النائب، أو كان يفوض المشير بأنه القائد الأعلى فى المسائل العسكرية.

كان هذا ممكناً لكن لم يكن بجانبه معاونون، أن تكون واضحة، الأمر كان جللاً وكان يترك الفراغ باليومين.

وهل كان يرد عليك أو يتحدث إليك أحد من الرئاسة بعد لقاءاتك فى البرامج؟

- كنت أتلقى بعض اتصالات الشتائم، يوم موقعة الجمل بالذات، اتصل بى أحدهم من رقم خاص وقال لى: «إنت بتتهم رجال الأعمال فى الحزب يا حمار» ثم اتصالات من أرقام مجهولة، وكانت تتوالى الشتائم فى السادسة صباحا دائما.