بعد ساعات من وقوع فاجعة تصادم قطارى الإسكندرية، عاشت «المصرى اليوم» يوماً كاملاً داخل قطار أبو قير، المعروف باسم «القطار الداخلى»، والذى يبدأ من محطة مصر وحتى أبو قير والعودة، وينقل يومياً عشرات الآلاف من الركاب.
ودخل محرر المصرى اليوم «العفريتة» كابينة القيادة مع السائق ومساعده، للتعرف على الحياة اليومية لركاب القطار.
بدأت الرحلة فى الصباح الباكر، حيث انتشار الباعة الجائلين فى كل شبر من الساحة المواجهة لمحطة قطار مصر، حتى إنك لا تكاد تستطيع أن تمشى بينهم للوصول إلى محطة القطار، واحتل بائعو الفطير والجبن والبيض وبعض المحاصيل الصيفية البوابة الرئيسية للمحطة، بالإضافة إلى عربات بائعى الفول والصبار والعيش.
وبعد أن تكافح حتى تمر من بينهم لتصل إلى بوابة كشف المعادن، الموجودة على باب المحطة من الداخل لتفتيش الركاب المسافرين، تفاجأ بأنها مجرد ديكور، فهى لا تتوقف عن «الصفير» والإشارة الحمراء، فى حين لا تجد أحداً ملتزماً بما تصدره من تحذيرات، وذلك على مسمع ومرأى من أفراد الأمن الموجودين بجوارها وموظفى السكة الحديد المنوط بهم التفتيش.
وبعد فترة استطعنا أن نصل إلى قطار أبو قير، لنجد صبية يلعبون بالكرة على الأرصفة داخل المحطة انتظاراً لتحرك القطار، وسألنا أحدهم: «إنتوا عايزين تروحوا فين يا أساتذة؟»، فأجبنا: «عايزين نركب قطر أبو قير.. هو ده ولا إيه؟»، فقال: «آه بس إستنوا شوية لإنه غالباً مش بيطلع فى ميعاده»، وبالفعل تأخر القطار عن موعده لنحو 30 دقيقة كاملة، حيث كان مقرراً انطلاقه فى الثامنة والنصف فانطلق فى التاسعة صباحاً.
تحدثنا مع سائق القطار عن إمكانية مصاحبته فى كابينة القيادة، فتوجس خيفة فى البداية قائلاً: «إنتوا مين؟» فكان الرد سريعاً (صحفيين)، وبعد تردد وافق سائق القطار على مضض وسمح لنا بالركوب فى العفريتة- كابينة القيادة- وظللنا معه نمر على جميع المحطات البالغ عددها 16 محطة، بدءاً من محطة مصر وسيدى جابر والضاهرية انتهاء بسيدى بسر والمندرة والأكاديمية والمعمورة البلد وأبو قير.
وطوال الطريق رصدت «المصرى اليوم» أكوام قمامة منتشرة على جانبى السكة الحديد منذ بداية محطة الضاهرية وحتى المندرة، حيث يتم تجميع القمامة داخل أكياس بلاستيكية ووضعها على جانب الطريق، كما لم يلتزم المارة بأجراس الإنذار أو سارينة القطارات التى تكاد «تخرم الأذن» عند سماعها، حيث كان المواطنون يمرون من أمام القطار على الرغم من غلق المزلقات بالحواجز الحديدية، وكأن لسان حالهم يقول: «هتعمل إيه لينا يعنى القطارات هى موتة ولا أكتر؟!»، أما إشارات السيمافورات فاختلطت ألوانها، ولم يعد الأخضر دليل السماح بالتحرك ولا الأصفر للانتظار أو الأحمر للتوقف تماماً، فالألوان فى وادٍ والسائقون فى وادٍ آخر، ويأتى ذلك فى الوقت الذى احتل فيه المئات من الباعة الجائلين محطات القطار الـ16 والمزلقات الـ12 لدرجة أن عدداً من «الفرشات» تكاد تزاحم القطارات على القضبان ما ينذر بكارثة محققة.
وخلال الرحلة سألنا أحد الركاب يدعى «على سالم» أين الركاب؟، فالقطار «فاضى خالص»!!، فرد قائلاً: «لا أصل مشكلة تصادم قطارى خورشيد أثرت بالسلب على قطار أبو قير، رغم أنه يسير فى أمان بس الركاب خايفة تركب قطر»، مشيراً إلى أنه اضطر لركوب القطار، لأن المكان الذى يريد الذهاب إليه يقع على شريط السكة الحديد، وبالتالى فإن الميكروباصات لا تستطيع الوصول إليه ولم يكن أمامه سوى التاكسى أو القطار.
وقال سائق القطار، الذى رفض نشر اسمه، إن قطار أبو قير يمر على 12 مزلقانا، معظمها لا يلتزم فيها المارة بأجراس الإنذار وسارينة القطار، فيضطر إلى التهدئة عند المرور من المزلقان على الرغم من غلق الإشارة باللون الأحمر ووضع الحواجز الحديدية من خلال العامل المنوط به، ذلك ما يضعه تحت ضغط أثناء المرور من المزلقانات.
وبعد ساعة كاملة قطعناها بالمرور على 16 محطة نزولا وركوبا من محطة مصر انتهاءً بمحطة أبو قير، عاودنا الرجوع من أبو قير إلى محطة مصر، وكان وضع القمامة والباعة الجائلين كما هو فى رحلة العودة، وازداد الأمر سوءاً مع موعد انتهاء عمل الموظفين، حيث تضاعف التكدس.
ومن جانبهم دعا ركاب القطار، محمد سلطان، محافظ الإسكندرية، لعقد اجتماع عاجل مع القيادات الأمنية والمرورية ومسؤولى هيئة السكك الحديدية فى الإسكندرية لبحث حلول عاجلة للمزلقانات، بحيث تتم ميكنتها إلكترونياً، فضلاً عن بحث حلول عاجلة للباعة الجائلين الذين افترشوا المزلقانات ومحطات القطار، وتطهير الساحة الملاصقة لمحطة مصر من الإشغالات الموجودة بها طوال الـ24 ساعة وتفعيل دور الأمن فى محطات القطار.