منتجعات تشكو تعامل المصريين: السياحة الداخلية بين لعنة الـ«أوبن بوفيه» و«فتنة المايوه»

كتب: يوسف العومي الثلاثاء 08-08-2017 23:27

«السياحة تقترب من السقوط فى الهاوية».. حقيقة مؤلمة وواقع مر وتفاصيل أغرب من الخيال، فى انتظار تدخل عاجل لإنقاذ القطاع من الانهيار الكامل.

هكذا تسبب توقف حركة السياحة الخارجية من الأسواق الرئيسية، نتيجة لما مرت به البلاد من أحداث، فى إحداث «انتكاسة» للقطاع، الذى علّت الأصوات فى الفترة الأخيرة لإنقاذه من أزمته، من خلال التوجه إلى السياحة الداخلية، التى سرعان ما لحقت بها «لعنة المشاكل»، وسط اتهامات للسائح المصرى بـ«قلة الذوق وانعدام الإتيكيت ونقص الوعى»، والتعامل بـ«همجية وعشوائية».

من جانبها، سارعت وزارة السياحة باستحداث مبادرات عديدة لدعم وتشجيع المصريين على السفر إلى المقاصد السياحية المصرية، ورصدت فى سبيل ذلك ميزانيات لدعم شركة (مصر للطيران)، كمساهمة منها لتخفيض قيمة تذاكر الطيران الداخلى، أو من خلال طرح مبادرة «مصر فى قلوبنا».

يأتى ذلك، فى الوقت الذى أقدمت فيه الفنادق المصرية على مختلف مستوياتها، وأيضاً عدد من شركات السياحة على التوجه بقوة نحو السوق المحلية، رغبة منها فى تحقيق الحد الأدنى من الالتزامات المالية، كرواتب العمالة ومصاريف الصيانة وفواتير الماء والكهرباء.

هذه الجهود جاءت بنتائج إيجابية للغاية، لدرجة أن نسبة الإشغالات السياحية من المصريين فى بعض المنتجعات السياحية فى الموسم السياحى الحالى، وصلت إلى نحو 70%، وفى بعض الأماكن كالساحل الشمالى إلى أكثر من 95% فكانت فاتحة خير على الجميع.

«الأوبن بوفيه»

والغريب فى الأمر أن الجميع عاد يشكو من السياحة الداخلية، وتم التعرض بشكل سلبى لسلوك السائح المصرى، بدءاً من طريقة تعامله مع مقدمى الخدمة، خاصة فى الفنادق والقرى السياحية، إلى أسلوب التعامل مع البوفيه المفتوح، والمتمثل فى الإسراف وإهدار كميات كبيرة من المأكولات والمشروبات ووصولاً لبعض السلوكيات الأخرى، كمسح الأحذية فى ملاءات الأسرة و(البشاكير)، وأخيراً أزمة ما يسمى «المايوه الشرعى».

وهناك عدد من التساؤلات التى تطل برأسها الآن، ومن بينها هل الفنادق المصرية ترغب فى استضافة السائح المصرى، أم أنها ترغب فى تقديم الخدمة بشروط، وما الواجبات والسلوكيات التى يجب أن يتحلى بها السائح المصرى حتى يكون مرحباً به ومرغوباً فيه، وما الدور الذى يجب على الجهات المعنية من فنادق وغرف سياحية ووسائل إعلام أن تقوم به لتثقيف المواطن بأساسيات المعيشة فى هذه الفنادق دون إحراج أو تجريح.

للإجابة عن هذه التساؤلات يلزم ضرورة معرفة طبيعة النشاط السياحى نفسه، فعندما يتوجه منظم الرحلات والشركات إلى سوق معينة، يلزم عليه دراسة رغبات السائح والأدوات التى تكفل له الحصول على أفضل خدمات من هذه السوق. وعلى سبيل المثال وليس الحصر سياسة استقبال الأطفال تفترض أن يكون الأطفال الأقل من سن معينة مجاناً، وفى نفس غرفة الآباء، وسياسة نظام الإقامة التى تحدد نوعيتها كاملة أو بالإفطار فقط، وكذلك سياسة الترفيه التى تحدد ما هو متاح وما هو بأجر وإلى غير ذلك، وهذا كله طبقاً لثقافة كل جنسية ورغبات السائح.

والسؤال الأهم حالياً هو: هل قامت الفنادق المصرية والقائمون على صناعة السياحة على مدى السنوات الماضية بهذا الدور مع السوق المصرية؟. هل قام القائمون على صناعة السياحة بتوعية السائح بحقوقه وواجباته؟. الإجابة بالقطع لا.

وكانت النتيجة هى الاتهامات المتبادلة، حيث شكا السائح المصرى من الخدمة فى الفنادق واتهمها بالتدنى، وأيضاً من ارتفاع الأسعار مقارنة بما يدفعه السائح الأجنبى، وانتابه شعور بالغبن لإحساسه بأنه يلقى معاملة سيئة فى بلده من مقدمى الخدمة، وقد يكون هذا الإحساس فى غير موضعه، وقد تكون له مبرراته.

أما القائمون على تأدية الخدمة فقد اتهموا السائح المصرى بقلة الوعى، وأنه يضر بالمنشأة السياحية نتيجة لسوء استخدامه للخدمات المقدمة له، وهكذا وقف الجميع حائراً متعجباً يتأمل القضية، والكل يتساءل: من الجانى ومن المجنى عليه؟.

فلو سافر السائح المصرى لقضاء إجازته بالخارج، لأصبح متهماً بعدم الوطنية، وإهدار مدخرات البلاد من العملة الصعبة، وفى أحيان كثيرة نجد بعض الدول القريبة أرخص من المنتج السياحى المصرى بالفعل، فقد اعتبر السائح المصرى أن الضرورة تقتضى أن يحافظ على الصناعة الوطنية المصرية، وأن يكون سبباً فى الحفاظ على فرص العمل للمصريين العاملين بقطاع السياحة.

وشعر السائح المصرى بأن كل ذلك قوبل بجحود شديد من أهل القطاع، وناله ما ناله من إهانات لسلوك قد يكون غير مسؤول عنه لأنه يتعامل مع الأمور بطبيعته وكأنه فى بيته، فلم يدرك أن هناك ضوابط يجب أن يلتزم بها، حتى يستمتع بإجازته ولا يتسبب فى ضرر لأحد.

يا سادة.. لابد من إيجاد برامج تدريب للعاملين، وإعدادهم لاستقبال السائح بالشكل اللائق بما يتناسب مع ثقافته وعاداته وما يضمن رضاءه عن الخدمة المقدمة له، وأيضاً يجب أن تتوافر فى كل منشأة برامج تثقيفية وتوعوية للسائح المحلى فى شكل ملصقات وكتيبات ومواد فيلمية تقدم بشكل راق لا تجرح أو تحرج أحداً.

ويجب أن يكون للقائمين على الأمر فى غرفة الفنادق، مستعينين بوسائل الإعلام، دور يلعبونه خلال الفترة المقبلة، فالعالم السياحى بدأ الآن فى إنشاء فنادق ومنتجعات لبعض الجنسيات وفقاً لتعاليمهم الدينية وعقائدهم وعاداتهم، ليس حباً فيهم بل رغبة فى جنى الأرباح منهم.

«المايوه الشرعى»

فى الأيام القليلة الماضية طفت على السطح «فتنة» جديدة متعلقة أيضاً بسلوكيات السياحة الداخلية، هى فتنة ما يسمى «المايوه الشرعى» أو «البوركينى»، نعم هى فتنة، فالمعروف أننا مجتمع شرقى له عاداته وتقاليده، هذه العادات والتقاليد رأى البعض أنها يجب ألا تحرم أى مواطن أو مواطنة من أن يحظى بقضاء وقت للاستمتاع بإجازته فى منتجعات وفنادق بلده، وأن من حقه أن يرتدى ما يشاء وما يتوافق مع عقيدته وعاداته وتقاليده.

غير أن بعض المنشآت السياحية فى بعض المنتجعات وبعض النزلاء أيضاً كان لهم رأى آخر، فرفضوا نزول بعض المحجبات اللاتى لا يلتزمن بارتداء الملابس المخصصة لهذه الأماكن، كالجلباب والبلوزة والملابس التى يمكن أن تلوث مياه حمام السباحة، وأمام هذا الأمر تدخلت وزارة السياحة وقررت إلزام المنشآت الفندقية بالسماح للمحجبات المرتديات للمايوه الشرعى بالنزول لحمامات السباحة، واعتبرت مخالفة القرار تمييزاً دينياً.

لكن بعد نحو ٢٤ ساعة من صدور القرار، تراجعت الوزارة ووزعت منشوراً على غرفة المنشآت الفندقية لإلغاء ما جاء بالمنشور السابق، الذى سبق تعميمه على مختلف الفنادق والقرى السياحية، وتضمن المنشور الدورى الجديد الذى تم تعميمه على الفنادق إلغاء ما جاء بالمنشور السابق لحين دراسة الموضوع بعمق.

والمتعارف عليه، والذى يجهله الكثير من المصريين الراغبين فى قضاء أوقات فى المنتجعات السياحية، هو أن هناك ضوابط موضوعة بالفعل لا يلتزم البعض بها، عن جهل أو عن سوء نية، وتمنع هذه الضوابط نزول حمامات السباحة بملابس ذات خامات تتفاعل مع المياه أو مادة الكلور لعدم الإضرار بالنزلاء، وأن يلتزم النزلاء بأن تكون أى ملابس من نفس خامة المايوهات العادية المتعارف عليها، كما يمنع نزول حمام السباحة بملابس غير لائقة مثل الجلباب والبنطلون الجينز و(الجيب) أو ما شابه ذلك، من ملابس.

ولا تنص هذه الضوابط أو تتعامل وفق مسميات ما يسمى «مايوه شرعى أو غير شرعى» والفيصل فى خامة المايوه ألا تتفاعل مع المياه، كما أن هذه الضوابط لم تصادر حق الفندق فى تخصيص حمام سباحة منفصل للمحجبات إن أراد، وعلى النزلاء الالتزام بذلك.

والكلام هنا للقائمين على الخدمات الفندقية، لماذا لم تطرحوا فى شروط الإقامة بفنادقكم بتعليمات محددة للنزول فى حمامات السباحة برفض أو قبول ما يسمى «المايوه الشرعى» مثلها مثل تعليمات الوجبات والمشروبات، ومثلها مثل تعليمات سياسة إقامة الأطفال، والتى على أساسها يختار السائح الفندق الذى يتناسب مع عاداته وثقافته ومتطلباته؟.

لكن يبدو أن البعض خاف أن يفقد الجنيهات، وبدلاً من أن نقوم بعملنا كما ينبغى من توعية السائح وتقديم الخدمات كما ينبغى أن تكون، ظللنا فى تقديم النكات على أنفسنا، فهؤلاء هم فى النهاية «أهلنا وناسنا»، لذلك لابد من أن نتناول المشكلة بحكمة وعقل وعلم وعمل يقودنا إلى الطريق الرشيد للنهوض سوياً بالقطاع، فالجميع عليه دور تثقيفى مهم يلزم القيام به بدءاً من وسائل الإعلام مروراً بالمدارس والجامعات والأندية وجمعيات المجتمع المدنى، والمساجد والكنائس.