خرج حاملاً كتاب الله بين يديه بعدما قَبل ابنتيه ساجدة وزهور، متوجهاً إلى كتيبة الفضيل بوعمر فى مدينة بنغازى الليبية، التى حاصرها آلاف الشباب عدة أيام لإسقاطها، فمشهد عشرات القتلى وآلاف الجرحى الذين سقطوا واحداً بعد الآخر، مشكلين دروعاً بشرية لمساعدة إخوانهم فى محاصرة الكتيبة مازال عالقاً فى ذهنه.
خرج الرجل الأربعينى محمد المهدى زيو، واستقل سيارته التى زودها بأسطوانتين من الغاز وقنبلة يدوية، مودعاً زوجته ومطالباً إياها بمسامحته، لم تفهم الزوجة المغزى من طلب السماح ولكنها بادرته بابتسامة صافية ودعت له بالسلامة، ليتوجه «المهدى» بعد ذلك إلى كتيبة الفضيل بوعمر، والتى تعد أكبر كتيبة موجودة فى المنطقة الشمالية وسقوطها يعنى سقوط القذافى فى بنغازى وتحريرها من حكمه. وصل المهدى إلى الكتيبة وراقب ما يحدث للشباب، الذين شكلوا دروعاً بشرية، واقفين أمام «البلدوزرات لحماية سائقها حتى يتمكن من اقتحام الكتيبة وهدم أحد أسوارها الخرسانية، وإنقاذ آلاف المساجين من سجون القذافى، التى أنشأها تحت الأرض».
مشهد القتلى من الشباب مازال قائماً، الدماء فى كل مكان دون تحقيق أى فائدة فى اقتحام الكتيبة، فالقناصون من مرتزقة القذافى يحصدون أرواح الشباب العزل بكل سهولة، ورصاصات «م ط» المضادة للطائرت وطلقات سلاح الـ«أر بى جى» مازالت تخترق أجسادهم، هنا أخرج المهدى كتاب الله ووضع رأسه على عجلة القيادة، بحسب راوية زوجته سميرة، التى قصها عليها أحد زملائه الذى مر به فى نفس الوقت، وظن أن المهدى دخل فى غيبوبة سكر.
رفع «المهدى» رأسه مطمئناً صديقه وأخبره عن نيته فى مساعدة الشباب، ودع المهدى صديقه ثم أنزل كرسى سيارته إلى الأسفل وسار سيارته بأقصى سرعة، مقتحماً باب الكتيبة الذى وقف عليه عشرات المرتزقة على الجانبين، الذين حاولوا اصطياده بطلقاتهم إلا أنهم فشلوا، لتنطلق سيارته لاقتحام الباب الثانى للكتيبة، وتنفجر السيارة ويفتح الباب أمام آلاف الشباب الليبى لاسقاط الكتيبة وتحرير المساجين من تواجدهم تحت سطح الأرض والذى دام عشرات السنين. «المصرى اليوم» زارت أسرة الشهيد المهدى محمد زيو فى منزله والتقت زوجته وابنتيه ساجدة فى السنة الدراسية الأولى فى جامعة قاريونس، وزهور طالبة فى الصف الثالث الإعدادى، وقالت زوجته: «عندما صارت الأحداث تأثر بالشباب الصغار الذين يموتون أمامه لدرجة سقوط 100 شاب فى أول يوم لمحاصرة الكتيبة، ورغم أن لديه بنتين فى حاجة إليه، إلا أنه وضعهما فى كفة والوطن فى كفه فرجحت كفة الوطن».