أحمد رمضان «أول الثانوية العامة بالجيزة» عامل فى مصنع أثاث صيفاً وطب القاهرة يناديه

كتب: مي هشام, آلاء عثمان الأحد 30-07-2017 22:05

لم تكد صلاة الجُمعة بمسجد القرية تنتهى، حتى نودى اسم «محمد أحمد رمضان» فى مذياع المسجد، هذه المرّة مُكرّمًا وسط كوكبة من الزُملاء، بمدرسة عادل جابر الثانوية، تحصلوا جميعا على مراتب عليا فى شهادة الثانوية العامة، أهلتهم لمقاعد مضمونة فى كليات الطب بالجمهورية، بمن فيهم أحمد، الذى حظى بموقعه بكل سلاسة فى كلية الطب بجامعة القاهرة، وإلى جواره شهادة تقدير، وكتاب الله، كتذكار تقدير من أهل قريته «قرية عبدالصمد» عن مسيرة شاب مكافح، عرفوا فيه الجدية والحلم على حد سواء، منذ بداية خطوه على درب الشباب.

وعبر أحمد لوالده عن رغبته فى الالتحاق بعمل بسيط يمتد على مدار الموسم الصيفى فقط، حتى لا تتأثر دراسته، معللا بأنه يود أن يسبق أقرانه إلى معترك الحياة العملية، ويتعلم على أى نحو يتعامل الأشخاص فى سوق العمل. حينها، ولأن المشهد النمطى كان ينقصه «الاحتياج الأسرى» لدعم من ميزانية الصغير، رفض الأب، الذى فضل أن يتحمل عن ابنه هذا العبء حتى يشتد بنيانه ويضطلع هو باحتياجات الأسرة ومن بينهم أحمد، بالدخل الذى يحصله من وظيفته كعامل بمصنع المسبوكات، إلا أن إرادة الصغير ووجاهة رأيه انتصرتا أخيرا لوظيفة مساعد عامل فى مصنع الكرتون، وهو فى إجازة صفه الأول الإعدادى.

لا تحمل ذاكرة محمد تفاصيل كثيرة عن ذكريات الراتب الأول، والذى لم يتعد الأربعمائة جنيه نظير إنتاج الكرتون شهريا، فبمجرد أن تسلم راتبه الأول، ما كان منه إلا أن وضعه فى كنف الوالد، على أن يتكفل هو بمصروفه كالمعتاد. يقول أحمد «أنا عمرى ما حوشت ولا حققت استقلال مادى كامل لحد دلوقتى، هى شهور الصيف، وأبويا هو اللى بيتكفل بمصروفى»، وعلى ذلك، فإن أحمد يصر على أن عمله الصيفى لا يشكل عملا بطوليا فى سياق المجتمع الذى يعيش فيه، فالعمل الصيفى أمر شائع بين المراهقين على مشارف الشباب لإسداء المساعدات لأسرهم «هنا موضوع الشغل فى الصيف حاجة بيعملها أى حد فى سنى، وانا ماعملتش ده لوحدى، زيى زى الشباب».

ولأجل مزيد من التركيز على الاستذكار، قرر أحمد من البداية بصحبة الأسرة، أن يكون العمل وقفا على الموسم الصيفى فحسب، فيما يتفرغ باقى العام للدراسة والاستذكار، الأمر الذى اعتمده روتينا ثابتا فى كل موسم دراسى، متنقلا بين مقرات العمل المختلفة من مصنع الكرتون إلى مخزن قطع غيار السيارات إلى مصنع أثاث أخيرا، غير أنه قبل عام، اقتطع من موسمه الصيفى العامل مايقرب الشهر لحساب الثانوية العامة المصيرية «سبت الشغل من شهر تمانية الصيف اللى فات عشان أبدأ مذاكرة ودروس الثانوية»، ليثمر الانقطاع أخيرا مركزا أول على مدرسته، والمركز الثانى على الإدارة التعليمية، والمركز الخامس والثلاثين بين طلاب الجمهورية الذين أدوا امتحانات الثانوية العامة لهذا العام.

على المقعد المضمون فى مدرجات كلية الطب بجامعة القاهرة، والذى أصبح فى حُكم المحقق بالنسبة لأحمد بعد إفادة مكتب التنسيق، يستبعد الطبيب المستقبلى أن يتخلى عن طقسه العامل فى السنوات التالية، حتى مع ضغط الدراسة فى كلية الطبّ، ليبقى مكانه فى مصنع الأثاث محفوظًا لحين العودة كل صيف للعمل، هذا بما لا يؤثر بالضرورة على مستقبله الأكاديمى الذى يستطيع تمثُله جيدًا «طبيب ناجح يساعد الناس ويشرّف أهله».