محمد فائق وزير الإعلام الأسبق: حزين على إرث «عبدالناصر».. والقطاع العام ليس «عورة» (حوار)

كتب: وائل علي السبت 22-07-2017 22:19

ارتبط قرار تأميم قناة السويس الذى اتخذه الرئيس جمال عبدالناصر فى 26 يوليو عام 1956، ردا على رفض أمريكا والبنك الدولى المساعدة فى بناء السد العالى بنقطة تحول فارقة فى تاريخ مصر وثورة 23 يوليو، أدت لتداعيات سياسية وعسكرية تمخضت عن العدوان الثلاثى على مصر، شكلت معها تحولات مهمة على الخريطة الدولية، وبرزت معها قوة ونفوذ عبدالناصر، وأصبحت القاهرة قبلة حركات التحرر الوطنى الأفريقية.

وقبل 65 عاما كان محمد فائق وزير الإعلام الأسبق، يشغل فى بداية حياته منصب مدير مكتب الرئيس عبدالناصر للشؤون الأفريقية ثم مستشاره للشؤون الأفريقية والآسيوية وأحد رجال المخابرات الذى قرر أن يخوض معركة نضالية فى قلب مدينة بورسعيد هو ورفاقه، بعد أن ارتدى زى ملابس صياد، فى قرار خطير يصفه فى حواره لـ«المصرى اليوم» بأنه كان نتيجة طبيعية لما كان يعتريه من شعور قوى بأن هناك واجبا وطنيا عليه أن يؤديه. وكشف فائق عن بعض ذكرياته خلال تلك الفترة، ورؤية الرئيس جمال عبدالناصر وآلياته فى تعزيز قوة مصر اقتصاديا، وسياسيا من خلال إنشاء تكتل عربى وأفريقى يكون مركزه القاهرة، كما أجاب عن السؤال الأهم: ماذا تبقى من إرث عبدالناصر الاقتصادى؟ وما السبيل إلى رجوع مصر إلى قلب أفريقيا وفقا لمتغيرات العصر والتحديات الراهنة.. فإلى نص الحوار:

■ رغم مرور 65 عاما على ثورة 23 يوليو مازلنا نرى كتابات تختلف فى وصفها بثورة وأخرى تراها حركة داخل الجيش؟

- هى حركة داخل الجيش، بدأت بالاستيلاء على السلطة، وانتهت إلى ثورة شعبية وتأييد من الشعب لتلك الثورة.

■ وما هى دلالتك على هذا التأكيد؟.

- كل ثورة من الثورات الكبرى فى التاريخ كانت لها نتائج، على سبيل المثال الثورة الفرنسية غيرت فى مفاهيم الحقوق السياسية والمدنية، والثورة البلشفية أثرت فى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وثورة 23 يوليو كانت عنصرا فاعلا فى التحرر الوطنى وحق تقرير المصير والاستقلال، سواء على المستوى الوطنى أو على صعيد المنطقة العربية والقارة الأفريقية.

■ كيف تقيم ثورة 23 يوليو بعد مرور 65 عاما؟.

- الثورات الكبرى مستمرة، وهى ثورة قد تنتكس أحيانا وقد تعود، ولكنها من وجهة نظرى مثل الثورة الفرنسية التى غيرت من شكل أوروبا، وهى مستمرة وباقية.

■وما رأيك فى ربط تلك المرحلة ووصفها بـ«الناصرية»؟

- لا أنا ولا حتى عبدالناصر نفسه كان يطلق على نفسه ذلك، هى نموذج ولم تكن هناك أيديولوجية محددة، ما حدث أن عبدالناصر قام بنموذج والظروف متغيرة جدا لا يمكن تنفيذه الآن، ولكن يكفى عبدالناصر أنه سبق العالم فى أفكار العدالة الاجتماعية، ورفع شعار ارفع رأسك يا أخى، وسعى إلى تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص، وبغض النظر عما حققته تلك المبادئ وساعدت أو منعت الظروف والأحداث تحقيقها وشهدت انتكاسات إلا أنها يكفى أن ترفع تلك الشعارات فى ثورة 25 يناير، وهو ما يؤكد قولنا إن الثورة مستمرة.

■ما هى الانتكاسات التى انحرفت بالمبادئ التى أعلنتها ثورة 23 يوليو وأفكار عبدالناصر إن صح القول؟

- انتكست فى عدة مرات نذكر منها ما حدث فى عهد السادات، ومن بعده مبارك، انحرفا عن الأهداف، ويكفى أن يرفع الناس صور عبدالناصر فى عهدهما اعتراضا على السياسات التى تخل بالعدالة الاجتماعية، وهنا أشير إلى موقف رأيته بنفسى يوم عرض فيلم «ناصر 56» حيث كانت مفاجأة للنظام نفسه ، فعلى الرغم من مرور كل هذه السنوات وكل ما وجه لعبدالناصر من الانتقادات فمازال الشباب يحملون فى قلوبهم حب وإعجاب عبدالناصر.

■ وما تفسيرك لسر هذا الإعجاب؟

- إن عبدالناصر رسخ لمبادئ العدالة الاجتماعية وعدم تبعية مصر واستقلالها، وتحدث عن التنمية البشرية قبل أن يتحدث عنها العالم، كان لديه رؤية لبناء مصر.

■ كيف ترد على الانتقادات التى ترى أن عبدالناصر كان يمكن أن يجنب مصر العدوان وينتظر حتى عام 1968 وهى انتهاء فترة الامتياز؟

- الرئيس جمال عبدالناصر اتخذ قرار تأميم قناة السويس فى 21 يوليو 1956، رداً على قرار البنك الدولى والولايات المتحدة وبريطانيا بسحب تمويلهم لبناء السد العالى، وكانت الشواهد تؤكد أنهم لن يتركوا قناة السويس حتى بعد انتهاء فترة الامتياز، وهو ما اتضح فيما بعد وكشف عنه بأنه كانت النوايا بمد امتياز الشركة لمدة 20 سنة أخرى بعد انتهاء فترة الامتياز الأخرى فى عام 1968، وأيضا نشير إلى أن فكرة تأميم القناة كانت من قبل التفكير فى إنشاء السد العالى، حيث كانت هناك لجنة مشكلة من على صبرى وحسن إبراهيم لبحث تأميم القناة.

■ أين كنت وقت تأميم قناة السويس؟

- كنت مديرا لمكتب الرئيس للشؤون الأفريقية ثم الشؤون الآسيوية والإرشاد القومى، واستمرت مسؤوليتى عن هذا الملف حتى قبل دخولى السجن فى قضية ما يعرف بـ«مراكز القوى» فى عهد السادات.

■ راهن الجميع على فشل مصر فى إدارة القناة.. كيف واجهت الدولة وقتها تلك الأزمة؟.

- عبد الناصر كان ينصح دائما الأفارقة بعدم الاستعجال فى تأميم الشركات وهناك واقعة كنت شاهدا عليها عندما حضر إليه «كاوندا» أول رئيس لزامبيا فى عام 1964 وعرض عليه فكرة تأميمه لمناجم النحاس فى البلاد، ونصحه عبدالناصر بعدم الاستعجال ودراسة الموضوع جيدا، وهو ما فعله عبدالناصر بالفعل فى قضية تأميم قناة السويس حيث لم يكن القرار عشوائيا وإنما مخطط بتوقيتات محددة.

■ من الذى كان على علم بقرار تأميم القناة؟

- الدائرة الداخلية والمجموعة التى قامت بالعملية وعلى رأسهم المهندس محمود يونس ورفاقه فى تلك المهمة وجرى الترتيب لها بسرية تامة، حتى يكون الأمر مفاجئا، ونجحوا فى مهمتهم بشكل راق جدا، وفاق كل التوقعات، ويمكن أن تسميها «معركة تحرير إدارة القناة».

■ العدوان الثلاثى تم نتيجة قيام عبدالناصر بتأميم القناة.. ماذا تتذكر من أحداث فى تلك الفترة؟

- كنت وقتها أعمل مديرا لمكتب الرئيس للشؤون الأفريقية، وعندما بدأت حرب 56 والتى دارت رحاها بين شهرى أكتوبر ونوفمبر من نفس العام طلبت من الرئيس أن أذهب كمقاتل فى الداخل، وسافرت إلى مدينة بورسعيد لدعم حركة المقاومة الشعبية ورصد ودراسة تقدير الموقف بشكل يومى للمعارك والمشاركة فيها، وكان للمخابرات دور كبير فى تلك المعركة، وكان معى زميل آخر هو محمد أبوالفضل والذى شغل فيما بعد منصب وكيل جهاز المخابرات، وروى كثيرا من الأحداث والشهادات عن تلك الفترة فى كتاب باسم (كنت وكيلا للمخابرات).

■ دخولك لمنطقة العمليات فى تلك الفترة كان مخاطرة كبرى كيف جرى التخطيط لها؟!

- بالفعل كانت مخاطرة، ولكن فى تلك الفترة كان هناك شعور قوى بأن عليك واجبا وطنيا، ولم نفكر فى مخاطر وقتها وقمنا بارتداء زى الصيادين ونجحنا فى دخول المدينة، ونظرا لما قدمه أفراد الجيش الذين نجحوا فى الوصول إلى المدينة والجهود التى قام بها أفراد المقاومة الشعبية ضد الاحتلال البريطانى فى بورسعيد، تم تحويل مسرح العمليات إلى كابوس بالنسبة للإنجليز وحققت نجاحات وبطولات فاقت كل التقديرات وقتها، إلى درجة أنها أكدت بما لا يدع مجالا للشك استحالة مواصلة الإنجليز لمخططهم.

■ وماذا كان المخطط آنذاك؟

- بداية كان الهدف من العدوان الثلاثى عدة أسباب ربما تكون معروفة للجميع منها صفقة السلاح التشيكية الشهيرة والتى حصلت عليها مصر من الاتحاد السوفيتى بعد رفض الغرب بيع السلاح لمصر، وكانت إسرائيل تهدف إلى تحجيم دور مصر العسكرى، ودعم مصر للثورة الجزائرية وكان ذلك يؤرق فرنسا، إلى جانب الحفاظ على مصالحها بالاستحواذ على مصادر القناة، وإنجلترا وقعت اتفاقية جلاء لقواتها فى منطقة القناة وكانت تريد عودة تواجدها مرة أخرى.

■ وما موقف الولايات المتحدة كقوة عظمى فى تلك الفترة.. وهل كانت على علم بهذا العدوان؟

- مخطط العدوان الثلاثى حدث من وراء ظهر أمريكا ودون علم الرئيس الأمريكى وقتها «أيزنهاور» إضافة إلى موقف الاتحاد السوفيتى الذى كان داعما لمصر أيضا، وشكلت تلك العوامل وفى القلب منها المقاومة الشعبية ودورها عوامل لفشل هذا المخطط.

■ وكيف تعاملت الدولة المصرية آنذاك وهل كانت هناك توقعات بألا تقتصر العمليات على مدن القناة وتصل إلى محافظات أخرى ومنها القاهرة؟

- بالفعل.. كان هناك تصور لحدوث هذا، وهنا أقص شهادة قبل خروجى من القاهرة إلى بورسعيد جرى «تشوين» عدد من الأسلحة فى المزارع والغيطان فى المدن حول القاهرة على أساس أنه فى حال انتقلت المعركة من مدن القناة إلى محافظات أخرى تتحول معها المقاومة الشعبية من «بيت إلى بيت»، وهنا أضيف وأعود معك بالذاكرة إلى أننا قمنا فى تلك الفترة بتوزيع أسلحة وبنادق رشاشة على المواطنين بكميات كبيرة دون الحصول على تعهدات أو أوراق، كانت تسلم بدون توقيع ودون ماهية أو كشوف بأسماء من حصلوا عليها.

■ ولكن ماذا عن مصير تلك الأسلحة عقب انتهاء الأزمة؟

- كنا فى لحظة خطر وقتها، ولكن المفارقة أنه عقب انتهاء الأزمة والمطالبة بعودة تلك الأسلحة كاملة عادت تقريبا حتى «المطاريد» من الخارجين على القانون المقيمين فى الجبال أعادوا ما حصلوا عليه.

■ وكيف أثرت تلك الروح على سير المعركة وإدارة الرئيس عبدالناصر للأزمة؟!

- دول العدوان الثلاث وقتها كانت ترى أن الروح المصرية سوف تنهزم ويثور الناس على عبدالناصر وبالتالى تحقق أهدافها، ولكن ما حدث أن الرئيس عبدالناصر ذهب إلى الأزهر الشريف ورفع شعار «سنقاتل» لأنه لم يكن أمامه إلى خيار المقاومة أو الاستسلام.

■ ارصد لنا موقفا لن تنساه خلال وجودك فى بورسعيد وكيف تغلبت عليه أنت ورفاقك من قيادات المقاومة الشعبية؟

- المواقف كثيرة وكلها تسطر بطولات المصريين وأبناء تلك المدينة الباسلة، ولكن أشير هنا إلى واقعة كانت تشكل أزمة كادت أن تؤدى إلى إعاقة عملنا داخل المدينة، كنا من وقت لآخر نعقد اجتماعاتنا فى أكثر من مكان لـ «التمويه والمناورة» وفى مرة كان اجتماعنا فى منزل أحد أقربائى بالمدينة، وكان معى وقتها الزميل محمد أبوالفضل واكتشفنا أن الإنجليز أقاموا ثكنة عسكرية وعزلوا المنطقة التى فيها المنزل الذى نقيم فيه ووضعوا أسوارا وحواجز وقاموا بختم أذرع أهالى تلك المنطقة لتحديد عناصر المقاومة التى تتسلل وتقوم بالعمليات، وتوجهنا إلى مكتبة فى الحى الإفرنجى كنا نلتقى فيها مع عناصر المقاومة، والأهالى ساعدونا فى الحصول على أحد الرسامين والذى نجح فى عمل ختم يشبه الختم الإنجليزى، وبالفعل قمنا بإدخال العديد من رجال المقاومة والتى أرقت قوات العدوان.

■ من الذى أقنعك بترك الجيش؟

- بعد عام 56 قام الرئيس عبدالناصر بالفصل بين العاملين فى مؤسسة الرئاسة وتم تخييرهم بين البقاء بالجيش أو الحياة المدنية، ولم يكن لدى رغبة فى أن أترك الجيش ووقتها كنت برتبة يوزباشى ولكن الرئيس عبدالناصر وزكريا محيى الدين الذى كان وقتها مديرا للمخابرات أقنعانى بأن أواصل المسيرة ومهمتى كمدنى.

■ كانت لتلك المعركة تحولات كبرى على المشهد المصرى الداخلى والدولى حدثنا عنها.

- مصريا وخارجيا بدأت عظمة عبدالناصر من تلك اللحظة، ويمكن القول إن تداعيات المعركة على الدول المعتدية شكلت بداية الانهيار لها وهددت مناطق نفوذها وعروشها وحكوماتها وهو ما حدث مع أنتونى إيدن رئيس وزراء بريطانيا وأنهت تاريخه السياسى.

■ وكيف ساهمت تلك الأزمة فى تغيير وضعية قناة السويس؟

- ما لا يعرفه الكثيرون أن القناة وقتها كانت تشكل دولة داخل الدولة ولا يحق لمصر أو تستطيع أن تتحكم فيها، وأيضا يجب أن نشير هنا إلى أن القضية لم تكن عملية تأميم والحصول على الحقوق الكاملة لمصر وإنما كانت قضية تحرير.

■ ولكن كتابات كثيرة تحدثت عن أن عبدالناصر عندما قرر تأميم القناة راهن على عدم خوض تلك البلدان حربا ضد مصر؟

- أى إنسان عاقل كان يرى وقتها أن ما فعله إيدن رئيس وزراء بريطانيا - بالعدوان على مصر «حماقة»، وكل الاحتمالات كانت واردة ومعمولا حسابها، وهنا أشيد بموقف مكاريوس الثالث رئيس وكبير أساقفة الكنيسة القبرصية الأرثوذكسية وأكبر دعاة الوحدة مع اليونان خلال الاحتلال البريطانى لجزيرة قبرص، وأول رئيس لقبرص المستقلة من عام 1955 وحتى وفاته عام 1977، والذى تعاون مع مصر بشكل كبير وقدم لنا معلومات سياسية وعسكرية بشأن التحركات داخل القاعدة الأمريكية فى قبرص آنذاك والتى ساهمت فى تشكيل موقف عام للخروج من تلك الأزمة، وكانت لنا توقعات بأن يتم استخدام تلك القاعدة الأمريكية ضد مصر.

■ كيف ترى الانتقادات التى وجهت إلى عبدالناصر؟

- عبدالناصر لم يعرف المناورة وهو رجل ثورى وقال «نحن سنحارب»، ولم يكن أمامه طريق آخر، لذلك اختار الحرب.

■ ولكنه تعرض لانتقادات وقتها من داخل أعضاء مجلس الثورة؟.

- بالفعل تعرض عبدالناصر وقتها لانتقادات من أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة وهو صلاح سالم الذى اعترض فى البداية، ولكنه فيما بعد سافر بنفسه ومعه كمال الدين حسين إلى الجبهة، وأصر على أن يكون فى الخطوط الأمامية.

■ هذا يقودنا إلى ما يردده البعض بأنه حدثت أخطاء عسكرية للجيش الذى كان يتولى قيادته المشير عبدالحكيم عامر وما ترتب عليها من نتائج قادتنا إلى نكسة 67؟

- فى الحقيقة قضية انسحاب الجيش فى 1956 تمت بعلم الرئيس عبدالناصر وأيدها فور علمه بخيوط المؤامرة بعد تعاون الإنجليز والفرنسيين مع إسرائيل لتدمير الجيش المصرى، ومن هنا كان قرار سحب الجيش من سيناء، ولكن تكرار هذا الفعل فى يونيو 1967 كان قرارا خاطئا، ولم يكن له ضرورة وقتها ولم يكن عبدالناصر على علم به.

■ معركة تأميم القناة وما نتج عنها من تداعيات العدوان الثلاثى كانت بسبب معلن هو بناء السد العالى. هل هناك أسباب أخرى خفية أو غير معلنة كانت تؤرق عبدالناصر؟

- السد العالى كان حلم عبدالناصر وليس حلم الاستيلاء على السلطة وقتها، وكانت لديه رغبة فى بناء مصر والتى كانت يهددها الفيضان ومواسم الجفاف، ويكفى قراءة تلك المرحلة تاريخيا لنعرف أهمية السد وتشييده، وكانت رؤية عبدالناصر فى تلك الحقبة أنه يريد «اشتراكية الكفاية» وليس كما قال السادات «أنت توزع الفقر على الناس»، اشتراكية عبدالناصر كانت تسعى إلى تحقيق تنمية دول الشمال بمعنى أن يمتلك كل شخص كفايته.

■ فى تلك الحقبة جسد الإعلام والفن قصة بناء السد. هل كانت بتوجيه من أحد؟.

- عندما غنى عبدالحليم حافظ أغنية حكاية شعب وشدا بصوته «قولنا هنبنى وآدى إحنا بنينا السد العالى»، لم يطلب منه أحد الغناء، كانت مبادرة منه، لذلك أعتبر أن عبدالحليم أرخ لثورة يوليو بالفن، ويكفى أن يكون هذا التفاعل مع الفن والموسيقى تأكيدا لتجسيد أفكار الثورة ورغبات الناس وقتها ومدى اتساقها مع مبادئ وأهداف عبدالناصر الإنمائية، كانت تلك الحقبة تشهد مواقف خلقت عباقرة فى مجالات عدة.

■ كيف كانت أوضاع القارة الأفريقية فى بدايات ثورة يوليو؟

- يمكنك القول بأنها كانت «مستعمرة» ولم يكن فى أفريقيا سوى دولتين غير مستعمرتين، إضافة إلى مصر وهما دولة ليبريا الغربية ودولة أفريقيا فى الشرق، وبالتالى التعامل مع دول القارة وملفاتها لم يكن متاحا له فى تلك الظروف أن تتولى إدارته وزارة الخارجية.

■ ومتى بدأ اهتمام عبدالناصر بأفريقيا؟

- منذ عام 1953 وتوقيع اتفاقية تقرير مصير السودان، وهو الاتفاق الذى وقعته الحكومة المصرية والبريطانية، بشأن الحكم الذاتى، وتقرير المصير للسودان والذى تم توقيعه فى 12 فبراير 1953، والذى نص على فترة انتقالية لمدة 3 سنوات يليها استفتاء شعبى بشأن إما الاتحاد أو الاستقلال، وكان هناك نحو 6 دول تحيط بالسودان وكلها مستعمرات أجنبية، ومصر وقتها تقود حركة تحرر ضد الاستعمار التقليدى، وبالتالى فإنه ليس من المعقول أن تسعى مصر جاهدة لقيادة تلك الحركة ولا تلتفت إلى خطورتها على حدودها القريبة منها والتى تشكل بالأساس تهديدا لأمنها القومى.

■ نجحت القاهرة فى تلك الفترة وأصبحت قاعدة أفريقية وبوصلة لقيادات التحرر من الأفارقة وبلدان العالم. فما نتائج ذلك؟

- بالفعل هذا النجاح شكل عبئا ومسؤولية على الرئيس عبدالناصر وعلىّ، نظرا لتولى هذا الملف وهو ما استدعى معه خلق آليات جديدة فقمنا بإنشاء مكاتب لتلك الحركات فى القاهرة، وأنشأنا نحو 25 إذاعة لتغطى القارة الأفريقية بالعديد من اللغات المحلية للبلدان، إضافة إلى اللغات الرسمية المنتشرة بحكم الاستعمار وهى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية وغيرها، ومن هنا يمكن القول بأن ثورة 23 يوليو شكلت حركة تحرر عالمية قوية، وأصبحت القاهرة مركزا أساسيا وفاعلا لحركات التحرير الوطنية.

■ هل أنت حزين على إرث عبدالناصر وما شيده من قلاع صناعية كبرى فى إطار برنامج الخصخصة؟

- بكل تأكيد.. وأنا لست ضد القطاع الخاص ولكن أرى أن الثروة الوطنية للبلد أهدرت بقرارات بيع خاطئة، ولم يتم صرف تلك الأموال فى بناء وتشييد مصانع جديدة ولكن فى عمولات وصفقات مشبوهة، وأرى أن «القطاع العام ليس عورة».