أصداء الثورة في «مستشفى العباسية»: فرحة وإدانة وارتباك وقصائد.. واطمئنان

كتب: نهال لاشين الثلاثاء 01-03-2011 11:36

 

 

قد لا يتذكرهم أحد من الأساس، وإذا تذكرهم فقد يظن أنهم منفصلون تمامًا عن العالم الخارجي الذي نعيش فيه ولا يدركون ماذا يجري خارج أسوار مستشفاهم. ولكن هل بالفعل لا يعي نزلاء مستشفى الأمراض النفسية والعصبية بالعباسية ما الذي يحدث في العالم الواسع؟ وهل هم مدركون أن هناك ثورة ما قامت ورئيس تنحي ونظام سقط ودستور تغيّر ومجلسا شعب وشورى انحلّا؟ وهل كوّنوا ردود أفعال واضحة إزاء ما يجري؟

«المصري اليوم» اقتحمت هذه الأسوار الشاهقة لتجد مجموعة من الناس تدرك تماما ما الذي يحدث، وتتابه بشغف، وتتباين ردود أفعالهم نحوه. بل وبعضهم لديه ماضٍ أليم مع الفساد أدى به إلى أن يكون نزيلاً دائمًا في مستشفى الأمراض النفسية.

من بين هؤلاء كان عبد الوهاب، دبلوم صنايع، ويجيد كتابة الشعر، تردد على المستشفى منذ 12 عامًا، وهو مقيم حاليا بها. عرف عبد الوهاب عن الثورة من خلال مشاهدته للأحداث في التلفاز، ورفض أن يكتب عنها قبل أن يستوعبها «ماينفعش أكتب عن حاجه إلا اما أكون عارف أنا حكتب عن ايه، وانتظرت حتى النهاية لكي أستوعب وأفهم»، هذا ما قاله عبد الوهاب في حواره مع «المصري اليوم».

وبدأ في إلقاء الكلمات التي كتبها فجر يوم 21 فبراير عن ثورة 25 يناير:

سنين واحنا تعبانين بنعاني من الشقى والفقر وحقوقنا بتروح فين

والناس الظالمين عايشين متمتعين واكلين وشاربين ويحوشوا في ملايين وملايين

واحنا يتهد حيلنا ونقعد احنا وولادنا مش لاقيين

وبعد ما ندرس وناخد شهادتنا نقعد في الشارع عطلانين

والدول المتقدمة ياخدوا العلماء والأذكياء مننا وينسبوهم ليهم واحنا نقول عليهم متقدمين ومتحضرين علشان بيقدروهم ويشجعوهم واحنا نفضل متأخرين

لكن بفضل ربنا ثورة الجيل التالت قامت والحق إن شاء الله حيرجع لاصحابه

وكل شهيد اتقتل.. اتقتل من أجل بلده وأحبابه

دا انت يا مصر مذكوره في القرآن

ونصرنا الله المنتقم الجبار ورد حق الشعب الطيب الغلبان

وحقوقنا رجعت لينا والظالمين لبسوا الحديد وباتوا مع المساجين لأنهم ناس مفسدين

وكان حيضيع على ايديهم ولادنا الجايين

دا انت يا مصر بلد كلك بركة شوفي فيك قد ايه من أولياء الله الصالحين

وفي الأول وفي الآخر ربنا يهدينا ويهديهم دا احنا بردو ولادك يا مصر ناس طيبين

ومن أهم الملامح التي أشار لها عبد الوهاب في كلامه هو الغلاء الذي سيطر على كل شيء في الفترة الأخيرة، يقول: «يعني يدوا الناس الفلوس من هنا وبعدين يغلوا في سعر كل حاجة، كأنك يا أبو زيد ما غزيت».

 

الغلاء.. متفق عليه

يبدو أن هذا الملمح متفق عليه بين المرضى النفسيين، حيث أشارت زينب، وهي سيدة في الخمسينات من عمرها وتتردد على المستشفى منذ سنة تقريباً، إلى أن «الشعب هاج بسبب غلو الأسعار وانخفاض المرتبات»، واستطردت لتؤكد على أن ما حدث في ثورة 25 يناير هو دسيسة جاءت من خارج مصر، «فمصر هبة النيل، ومصر أم الدنيا، وهي كنانة الله في أرضه، وكون إن يحصل دا في العالم العربي كله فدا أكيد دسيسة من أمريكا وإسرائيل».

بينما ترى هناء، وهي أيضًا سيدة خمسينية تترد على المستشفى منذ شهور، إن «مفيش فساد من أصله، هما بس غلوا الحاجات»، وانفعلت باكية أثناء كلامها متعاطفة مع الرئيس السابق، مرددة أمجاده في حرب أكتوبر وتحرير سيناء، ومعبرة عن استيائها مما حدث معه بقولها: «أنا زعلانة على حسني مبارك، هو ماعملش حاجة، يعني هو كان قال للناس اسرقوا واقتلوا، والوزراء ظلموه، ومن بعده مفيش حد يقدر يمسك البلد، ياريت نقدر نرجعه تاني».

كما عبرت هناء عن إحساسها بالخوف أثناء فترة ظهور البلطجية، «كنت خايفه أخرج برا المستشفى وكنت قلقانه على المستشفى».

 

«العباسية».. حصانة ربانية

وبكلمات ساخرة يصف عبد الوهاب فترة ظهور البلطجية، ليؤكد على «أن مستشفى العباسية ربنا هو اللي حاميها، ومحدش قدر يقرب لها وقت ظهور البلطجية، لأن المرضى مالهمش حد غير ربنا»:

يللا بينا يا مرضى مستشفى العباسية

يللا بينا يا مرضى الأمراض النفسية والعقلية

نتجمع مع بعضينا وندمر العيال البلطجية

اللي عايزين يعتدوا على أهالينا ويخلوا حياتهم غير عادية

دا احنا في المستشفى ربنا سبحانه وتعالى هو اللي حامينا

لكن الخوف على الناس اللي عايشه برا ديا

احنا نحمد ربنا ان احنا هنا

محدش يقدر يقرب مننا

ريحوا نفسكم وتعالوا اقعدوا عندنا

لما ضاع مننا عقلنا مابقاش في حاجه نخاف عليها فرمينا الدنيا ورا ضهرنا

 

لماذا ضاع عقلهم؟

ستجد في التاريخ المرضي لبعض هؤلاء المرضى أسباباً تتعلق بالفساد، من قريب أو بعيد، أدت بهم ليكونوا نزلاء مستشفى الأمراض النفسية، فعبد الوهاب يرجع سبب مرضه النفسي إلى عدم توفر فرصة عمل، «اتعقدت بعد وفاة الوالد والوالدة، ومفيش شغل والدنيا كانت صعبة ولم يتحملني أحد من أهلي».

بينما تعرض أسامة الذي يعيش في المستشفى منذ 10 سنوات للاعتقال أكثر من مرة بسبب إطلاق لحيته، عندما كان طالبًا في كلية الحقوق بجامعة الأزهر. وقال «دخلت المعتقل كتير بسبب دقني، وكانوا بيربطوا رجلي، والثورة دي أنا اللي ناديت بيها من 20 سنة».

وبالرغم من أن الكثير من المرضى النفسيين المقيمين بالمستشفى لا يرغبون فراق أسوارها، إلا أنهم يستنشقون هواء الحرية مع قيام هذه الثورة. إذ فرح رمضان، الذي يتردد على المستشفى منذ سنوات، من أجل الجيل القادم، «فرحان علشان ابني وابنك يلاقي حقه بعد كده، واللي بيتعمل دلوقت علشان الأجيال اللي جاية، وكان لازم يكون في وقفه علشان نكمل المسيرة صح».

إلا أنها فرحة تمتزج بالخوف، مع أمل في مستقبل أفضل، «ربنا كريم جدا الحمد لله، اللهم أخذت القليل وتركت الكثير.. وربنا حيرد أكثر منه»، بهذه الكلمات ختم عبد الوهاب حواره، بينما طلبت زينب أن تقول كلمة أخيرة في نهاية حوارها: «ربنا سبحانه وتعالى سينصر الإسلام والمسلمين وجميع الموجودين في مصر، لأن السلب والنهب لا يرضي الله سبحانه وتعالى».