اختفى الضحك والمرح وليالى السمر على نهر النيل في جزيرة الوراق، وعمت محله حالة من الحزن، فبعد أن كان الأهالى يسهرون على ضفاف النيل، باتوا يقضون الليل والنهار بجوار منازلهم التي أُزيل بعضها خوفًا من عودة قوات الأمن لإزاله الباقى، وتكونت بين أفراد الجزيرة دوريات مراقبة لجميع المداخل على مدار الساعة تحسبا لتجدد محاولة إزالة المنازل مرة أخرى.
وفى مقابل حالة الطوارئ التي أعلنها سكان الجزيرة النيلية، نشرت قوات الأمن مدرعات في محيط الجزيرة من جميع الجهات، وانتشر أفراد الأمن على طول كورنيش الوراق المؤدى إلى الجزيرة، فيما تمركزت قوات إضافية على رصيف المعديات التي تعد الوسيلة الوحيدة لنقل الأهالى من وإلى الجزيرة.
وسط هذه الأجواء قضت «المصرى اليوم» أول ليلة مع سكان الجزيرة على أنقاض المنازل التي أزيلت، وفى محيط الأخرى التي يحاولون حمايتها من نفس المصير.
وتعد جزيرة الوراق واحدة من 255 جزيرة في مصر، وهى الأكبر من حيث المساحة؛ إذ تبلغ مساحتها حوالى 1600 فدان تقريباً، ويبلغ عدد سكانها حوالى 60 ألف مواطن، ويحد الجزيرة من الشمال محافظة القليوبية والقاهرة من الشرق والجيزة من الجنوب، ووسيلة الانتقال الوحيدة التي تربطها بالعالم هي المعديات التي يوجد منها اثنتان، إحداهما لنقل الأفراد، والأخرى لنقل عربات النقل الثقيلة.
وتعود مشكلة جزيرة الوراق إلى سنة 2000، عندما قرر الدكتور عاطف عبيد، رئيس الوزراء الأسبق، تحويل جزيرتى الوراق والدهب إلى منافع عامة، لكن سكان الجزيرة حصلوا على قرار بأحقيتهم في تملك الأرض سنة 2002، فأصدرت حكومة أحمد نظيف قرارًا بترسيم وتوقيع الحدود الإدارية النهائية لخمس محافظات في 2010، جاء من ضمنها جزيرة الوراق بمحافظة الجيزة، وقررت الحكومة وضع خطة لتطويرها، إلا أن ثورة يناير والأحداث السياسية المتتالية أوقفت هذه الخطة.
وتجدد الحديث عن الجزيرة في يونيو الماضى، عقب مؤتمر الرئيس عبدالفتاح السيسى الذي شدد فيه على إزالة المخالفات والتعديات على أراضى الدولة، والذى أصدر على خلفيته المهندس شريف إسماعيل قرارًا باستبعاد 17 جزيرة من تطبيق قرار رئيس الوزراء رقم1969 لعام 1998 والذى كانت الجزيرة بموجبه تصنف كمحمية طبيعية، وفى يونيو الماضى، تقدم النائبان محمود الصعيدى واحمد يوسف بأوراق إلى رئيس مجلس النواب تُثبت ملكية الأرض للأهالى.
على الرغم من ذلك، استيقظ سكان الجزيرة، صباح الأحد الماضى، على أصوات أقدام أفراد الأمن، والمعدات التي جاءت تطرق أبواب الجزيرة، وفوجئ السكان بكثافة قوات الأمن التي غطت الجزيرة من جميع الجهات، وقال أسامه السيد، أحد السكان: «لما روحنا نسألهم قالولنا إنهم جايين يأمنوا كوبرى روض الفرج، على الرغم من توقف العمل في كوبرى محور روض الفرج الذي يمر من الجزيرة قبل أيام من بدء الإزالة». وتابع أنهم فوجئوا بعد دقائق ببدء قوات الأمن أعمال الإزالة باستخدام معدات إنشاء الكوبرى، ليسفر الأمر عن اشتباكات بين قوات الأمن والسكان، أدت إلى مقتل أحد سكان الجزيرة، يدعى سيد حسن على الجيزواى، ويشتهر بـ «سيد الطفشان»، في الثلاثينات من عمره.