الحفاظ على النجاح أصعب من الوصول إليه، من هنا تلعب الفترات الانتقالية فى تاريخ أى ثورة دوراً محورياً، إما أن يؤدى إلى فشلها وإما استمرارها فى تحقيق أهدافها. والمقصود بالثورة هو «فعل عنيف الغرض منه تغيير الأوضاع العامة فى جملتها، من وضع ما إلى آخر جديد».
هكذا عرف الكاتب والمؤرخ الدكتور عبادة كحيلة، الأستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة، مفهوم الثورة، مؤكداً أنه «فى سبيل الانتقال من وضع إلى آخر، ينبغى إزالة آثار القديم»، لكنه رأى أن «أى ثورة تحتاج إلى مرحلة تهدئة لخلق هذا الوضع الجديد، وهو ما يعرف بالانتقال من مرحلة الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، وهى مرحلة بوجه عام خطيرة جداً».
وحول الثورة الفرنسية، قال «كحيلة»: «كان الوضع غاية فى التعقيد بسبب ما جرى من تلاحق للأحداث واختلاط الفعل الثورى العنيف داخل الوطن بأخطار وغزوات من الخارج.
وأضاف: «واجه الفرنسيون هذا الغزو عندما صاح الجميع بأن الوطن فى خطر، لأن الثورة كانت أيضاً شعبية، قادتها الطبقة البرجوازية (الوسطى)، التى أطاحت بالقيادات الكبرى فى الجيش المنتمين لطبقة النبلاء، بل إن بعضاً من النبلاء، انضموا إلى الثورة مثل الجنرال (لافاييت)، وعلى الفور، تشكلت محكمة الثورة لتصدر عدداً من أحكام الإعدام، التى كانت تطبق بسرعة كبيرة»، وهو ما امتنع «كحيلة» عن تقييمه سواء بالسلب أو الإيجاب.
لكنه أكد أن تلك المرحلة بدأت تبلور ملامح الجمهورية الأولى، مع إنشاء حكومة الإدارة (ديريكتوار)، التى قادها «كارنو» من الطبقة الوسطى، بعدما تخلصوا تماماً من طبقة النبلاء، رأى الفرنسيون آنذاك أن أهدافهم تحققت، متمثلة فى إقرار مبادئ حقوق الإنسان والمواطنة وغيرها من مبادئ الحريات العامة.
واستطرد أن الثورة البلشيفية، حركها «كيرنسكى» فى فبراير 1917 حتى تم تشكيل الحكومة المؤقتة بعدها، والتى كانت تسعى إلى «المهادنة» بين القوى الفاعلة فى الثورة، تحت مظلة القيصرية التى ظلت قائمة دون صلاحيات وقال: «سعى الثوار الروس إلى ما يشبه المصالحة الوطنية، لكنهم أبعدوا القيصر.
ولدى وصول لينين بحسب «كحيلة» بدأت مرحلة ما يعرف بـ«ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى» وكان العمال والجنود أنشأوا «السوفيتات»، أى مجالس العمال والجنود، فانحاز «لينين» والبلاشفة لهذه السوفييتات، وطرح شعار «كل السلطة للسوفيتات» ما أدى إلى انقسام القوى إلى فريقين: البيض، وهم الأقلية «مناشفة»، والحمر، وهم الأغلبية وتعنى بالروسية «بلاشفة».
وأضاف: «استمرت أحداث الثورة إلى أن تمكن البلاشفة من الانتصار فى النهاية، وعندما صارت السلطة فى أيديهم دشن لينين (مرحلة انتقالية) لكن الانقسام أدى لاستمرار الحرب الأهلية، كما أقام (لينين) ما يعرف بالسياسة الاقتصادية الجديدة(NEP) التى كانت تتمير بطابع رأسمالى، إلى حد كبير، ما يتعارض بطبيعة الحال مع أفكاره الاشتراكية».
وتابع «كحيلة» أن تصرف «لينين» كان «مرحلياً حكيماً» لأنه من الصعب، وهو الوصى الأمين للماركسية، تطبيقها كاملة فى ذلك الوقت، لأن الفلاحين الذين شاركوا فى الثورة كان همهم الأول امتلاك الأرض.
وحول الثورة الإسلامية فى إيران، قال «كحيلة» إن لها وضعاً خاصاً، بسبب طبيعة الإسلام الشيعى فى إيران، وكانت الأوضاع فى إيران سيئة للغاية أواخر أيام الشاه المخلوع، ونجح الثوار فى القضاء على النظام القديم بأكمله، وهرب الشاه، تاركاً السلطة لـ«شهبور بختيار»، رئيس وزرائه المعين.
لكن على الفور، تم تشكيل حكومة أخرى وطنية، رأسها مهدى بازارجان، الذى لم يستطع الصمود كثيراً وهرب بدوره إلى الخارج، ولعب الجيش دوراً اختلفت حوله الآراء فى الثورة الشعبية.
ولكى تنجح الثورة المصرية فى تحقيق أهدافها كاملة، بحسب «كحيلة» فإنه كان لابد من النظر إلى تلك التجارب، ولابد من وجود فترة تهدئة تلتقط خلالها الثورة أنفاسها». واستدرك «أنا مع وجود الثوار بشكل أو بآخر فى الميدان لتذكير أولى الأمر بأنه لابد من تحقيق أهداف الثورة كاملة.
وقال الدكتور عمار على حسن، أستاذ العلوم السياسية، إن السيناريو الأفضل للفترة المقبلة، أن يقوم الجيش بوضع حزمة من الإجراءات وفق جدول زمنى محدد تتضمن انتقالاً سلساً نحو دولة ديمقراطية مدنية، وهذه الإجراءات تتمثل فى اعتبار التعديلات الدستورية، مجرد بداية، والقفز منها إلى اتخاذ ما يلزم حيال تأسيس جمعية لوضع دستور جديد، من أجل خلق حكومة إنقاذ وطنى لفترة مؤقتة.
واستعرض «عمار» بعض التجارب المشابهة، لدول قامت بثورات لإسقاط نظامها قائلاً: «تجربة البرتغال هى التجربة الأنصع والأكثر صفواً وتأثيراً لأنه رغم أن الجيش قام بانقلاب على الديكتاتور (سالازار) فإنه لم يطمع فى السلطة.