سويسرا.. و«الربيع العربى»

كتب: نشوي الحوفي الجمعة 07-10-2011 16:11


لا يختلف وضع «جنيف» عن غيرها من المدن الأوروبية كثيراً، إلا أن أهم ما يميزها تلاقى الأضداد، فهناك يمكنك رؤية الشىء ونقيضه، خاصة فى دنيا السياسة.. عوالم مفتوحة بين منظمات دولية متعددة، وأفكار، وأطروحات أشخاص متناقضين فى الرؤى، والمدينة تسع الجميع وتتحمل فكرهم بلا ضيق ولا سأم، فتسمح لهذا بعرض فكره وتتيح لذاك ممارسة نشاطه.


إلى «جنيف» توجهت «المصرى اليوم»، تلبية لدعوة السكرتير العام للاتحاد البرلمانى الدولى «أندرس جونسون» لمتابعة تفاصيل احتفالهم بيوم الديمقراطية، الذى كان مقرراً الاحتفاء خلاله بثورات الربيع العربى، خاصة الثورة المصرية، قبل إلغائه بسبب أحداث جمعة 9 سبتمبر، فاستمعنا لرؤى الرجل عن الديمقراطية البرلمانية فى مصر.


وفى «جنيف» أيضاً كان لقاؤنا الدكتور هانى رمضان، حفيد مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، وما بين الحديث فى بيت البرلمانات والحوارات فى المركز الإسلامى بجنيف، يأتى التنوع، لا فى الفكر فحسب، لكن فى المدلول أيضاً.

أندرس جونسون: مصر لن تنحدر لمرحلة الصراع بين الفئات السياسية.. ولم ولن نتدخل فى الشؤون الداخلية للدول


منذ ثلاثة أشهر كان لقاؤنا الأول معه فى القاهرة، عند حضوره للقاء المسؤولين لمناقشة أمور متعلقة بإدارة البرلمان فى مصر بعد الثورة، يومها تحدث عن ثقته فى قدرة المصريين على تحقيق الديمقراطية التى يحلمون بها، لأن ما قاموا به فى يناير الماضى كان حلماً لم يصدقه العالم إلا لحظة حدوثه.


هكذا تحدث «أندرس جونسون» السكرتير العام للاتحاد البرلمانى الدولى، فى يونيو الماضى، عاد الرجل لبلاده ومهامه، لكنه لم ينس مصر، التى رآها قادرة على قيادة المنطقة فى مجال الديمقراطية، فى المرحلة المقبلة، لذا كان اجتهاده للاحتفال باليوم العالمى للديمقراطية الذى يوافق 15 سبتمبر من كل عام مؤكداً أنه لا مكان على وجه الأرض يستحق أن يحتفل فيه بالديمقراطية سوى مصر.


وجاءت الريح بما لا تشتهى السفن، ففى الوقت الذى كان فيه الاتحاد البرلمانى الدولى قد انتهى من إعداد جميع الترتيبات يوم الخميس الثامن من سبتمبر الماضى للاحتفال وحضور لفيف من الشخصيات العالمية لمصر، كانت الأحداث فى القاهر يوم الجمعة 9 سبتمبر، تأخذ منحى آخر، انتهت بتأجيل الاحتفال لحين هدوء الأوضاع، ورغم ذلك يبقى لحديث الرجل معنا، معانٍ ذات مغزى خاص.. وإلى نص الحوار:

 

■ ماذا كان يعنى احتفال العالم باليوم العالمى للديمقراطية فى مصر؟


- كان يعنى الكثير، لأنه بمثابة رسالة من برلمانات العالم، إلى الاحتفال باليوم العالمى للديمقراطية فى مصر، تقديراً لثورتها السلمية وتحولها الديمقراطى، على الرغم من أن مصر الدولة الوحيدة التى لا يوجد لديها برلمان منتخب حالياً، لكن لاتزال عضواً فاعلاً فى الاتحاد البرلمانى، لمكانتها الدولية وثقلها الإقليمى الذى يقدره العالم، نحن على يقين من أنه لا يوجد أفضل من مصر للاحتفال بهذا اليوم، لأنها ألهمت العالم الأمل فى التغيير، خاصة أن الاحتفال جاء هذا العام، تحت عنوان «العلاقة بين المواطنين والديمقراطية».


■ لماذا لم تتراجعوا عن اختيار مصر مقراً للاحتفال بعد أحداث 9 سبتمبر واكتفيتم بتأجيل الاحتفال؟


- الظروف الراهنة فى مصر أمنياً وسياسياً طبيعية تحدث للشعوب عقب الثورات، فالديمقراطية لا تحدث بين ليلة وضحاها، والثورة المصرية رغم بعض الأحداث، لم تخرج عن طبيعتها السلمية المؤكدة، وهى الرغبة الأكيدة فى التحول الديمقراطى الذى يرغبه المصريون.


■ هناك من يرى أن بعض الوجوه التى تتولى التنسيق لتفعيل الديمقراطية فى مصر اليوم ينتمون للنظام السابق بشكل أو بآخر.. كيف تنظرون لتلك المسألة؟


- أعتقد أن الحكومة المصرية تعى هذه النقطة، ولا تحتاج رأى الاتحاد البرلمانى أو غيره فى تشكيل المعنيين المصريين الجدد بالشأن الديمقراطى، والتنسيق يتم حالياً مع نائب رئيس الوزراء للتنمية السياسية والتحول الديمقراطى، وهو منصب فى حد ذاته يدل على الالتزام المصرى، بأهمية التحول الديمقراطى السليم، وأعتقد أن الدكتور على السلمى، نائب رئيس الوزراء المصرى نجح فى تلافى أول مشكلة تواجه برلمانات ما بعد الثورات، بتشكيل لجنة تضم المعنيين الفنيين والمجتمع المدنى والخبراء والأكاديميين بالإضافة إلى تيارات حزبية وشبابية، لضمان تنوع الرؤى الديمقراطية، وأستطيع أن أؤكد أنه لا يوجد أى برلمانى سابق سواء من الحزب الوطنى أو غيره على حد علمى عضواً بهذه اللجنة.


■ يتخوف الكثيرون فى مصر من تقسيم البرلمان المقبل بين الإخوان المسلمين والأعضاء السابقين للحزب الوطنى.. ما رأيك فى أثر ذلك على مستقبل الديمقراطية فى مصر؟


-هذا الأمر ليس من شأنى ولا شأن أى منظمة دولية، وليس من حق أى دولة أخرى مناقشة هذا الأمر، لأنه شأن مصرى خالص، لكن من متابعتى لمصر كمادة علمية وتاريخية وحضارية، أرى أنها لن تنحدر إلى صراع بين فئات سياسية لا تريد التعاون، لكننى أؤكد أن برلمانا متنوع الأطياف والتيارات لا يعد تهديداً للديمقراطية فى مصر، بل فرصة حقيقية لوضع أسس الديمقراطية الجديدة بها، فقد يضم البرلمان أعضاء تؤيدينهم وآخرين لا تؤيدينهم وتختلفين معهم فكرياً وسياسياً، هذا هو التنوع الديمقراطى، جنوب أفريقيا، على سبيل المثل، استخدمت جميع الحيل القانونية والإجرائية لضمان توسيع المشاركة الشعبية فى البرلمان الأول لها، ليكون شفافاً مسؤولاً أمام المواطنين، والأهم أن يشعر المواطنون بأنهم يشاركون فى العملية السياسية ويملكون مستقبل بلادهم.


■ ما الفرق بين ما يمكن أن تقدموه كاتحاد دولى للبرلمانات والمنظمات الدولية الأخرى التابعة للأمم المتحدة التى تثير أحياناً حفيظة الحكومات بتدخلها فى شؤونها؟


- هناك فرق أصيل بين الاتحاد البرلمانى كتجمع للشعوب، ومنظمات الأمم المتحدة التى تعتبر تجمعات للحكومات، وللاتحاد البرلمانى مبدأ أساسى يقوم على أن كل دولة أدرى بظروفها، ولا يجب فرض توجه أو رأى فى الشأن الداخلى للدول فى عملية الإصلاح الديمقراطى، وهو مبدأ يتعارض فى جوهره مع أسلوب عمل وسياسة منظمات الأمم المتحدة، والفرق الآخر هو أن الاتحاد البرلمانى يعتبر الذاكرة المؤسسية للديمقراطية للعالم منذ القرن الـ18، ونركز على عمل البرلمان ودور النائب الجديد فيه وحقوقه وآليات العمل داخل البرلمان، كطلبات الإحاطة والأسئلة ولجان المواجهة والاستطلاع.


■ ماذا يمكن أن تقوموا به لمصر لدعم مسيرة الإصلاح الديمقراطى فى المرحلة المقبلة؟


- نحن لا نقدم آراء، لكننا نعرض تجارب الدول والبرلمانات، ونشرح آلياتها وأخطاءها، والحلول التى نجحت البرلمانات فى إرسائها لمشاكلها المتنوعة، وحالة البرلمان المصرى سهلة مقارنة ببرلمانات أخرى كثيرة، وسنعمل على توفير الدعم الفنى من خلال الخبراء فى الشؤون والآليات الإجرائية لعمل البرلمان وشؤون التدريب والتنمية.


■ كيف يمكن تطوير آليات العمل البرلمانى.. وهل هناك نظام برلمانى أمثل يمكن الاسترشاد به؟


- يختلف كل برلمان فى آلياته ولائحته التنفيذية وإجراءاته، ولا أنصح بالسير وراء نموذج محدد، لأن لكل دولة ظروفها، ولكل برلمان أدواته، وفيما يتعلق بتطوير آليات العمل البرلمانى، أشير إلى أن غالبية البرلمانات الموجودة حالياً استلهمت نظمها وآلياتها من برلمانات القرن الـ18، ولكن العالم تغير الآن وبات للتكنولوجيا دور فى هذا المجال، وبالتالى فإن تطوير آليات العمل البرلمانى ليس مفيداً فقط بل حتمى، وهو ما أدركه العديد من البرلمانات، واللائحة الداخلية لمجلس الشعب المصرى بحاجة للتطوير، فلا يمكن بناء برلمان ديمقراطى قوى على نفس الآليات واللوائح، التى أدت لحل البرلمان السابق، وفى الحالة المصرية يجب دعم البرلمانيين الجدد، لأن غالبيتهم لم يسبق لهم العمل البرلمانى، بتعريفهم حقوقهم وواجباتهم كنواب عن الشعب، وتوفير آليات العمل الديمقراطى لهم مثل بعض المساعدين للقيام بالجوانب الإجرائية والبحثية للنائب، ودائماً أقول إن الأهم من انتخاب النائب ووصوله للبرلمان، كيفية أدائه دوره.


■ فى ظل حالة الإعجاب بالنموذج التركى.. هناك من يراه مناسباً لمصر خاصة مع التخوف من بقاء المجلس العسكرى.. ما رأيك؟


- تختلف الدول فى ظروفها، وأعتقد أن المرحلة الحالية لمصر انتقالية يلعب فيها الجيش المصرى دوراً محورياً، لضمان سيرها فى اتجاه نظام ديمقراطى سليم يحكمه الدستور، ويمكن فى مرحلة صياغة الدستور الاستفادة من خبرات دول عديدة مثل جنوب أفريقيا، التى استخدمت جميع الأفكار والحيل القانونية لصياغة دستور يتفق عليه ظنهم، ويحقق الديمقراطية المطلوبة.


■ البعض يطالب بوجود رقابة دولية على تنظيم وإجراء الانتخابات المقبلة؟


- لا أؤيد فكرة التدخل الخارجى فى عملية تنظيم الانتخابات، إلا فى الحالات القهرية كالحروب والدول الجديدة، وتفضيل بعض الدول إظهار مدى سلامة إجراءاتها، وهو أمر يختلف عن الحالة المصرية، فمصر تمتلك مؤسسات قوية، كما أن الشعب المصرى أظهر منذ بداية ثورته قدراً كبيراً من الوعى باحتياجاته، ورغبته فى المشاركة السياسية والديمقراطية الحقيقية، وهو ما يكفل له ضمان سلامة الانتخابات.

د. هانى رمضان: «الإخوان» لا يطمعون فى الحكم.. والظنون السيئة بالجماعة سببها الجهل


جاء ترتيب الموعد مع الدكتور هانى رمضان، حفيد الشيخ حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، عبر الهاتف الذى حصلت عليه من بعض الأصدقاء فى جنيف.. أخبرته باسم صحيفتى التى أنتمى إليها ورغبتى فى إجراء حوار معه عن الكثير من الأمور فرحب وحدد الموعد فى المركز الإسلامى فى الرابعة والنصف بعد الظهر.


استقبلنى محاورى ببشاشة، لكنه فاجأنى بقوله إن الجماعة فى مصر تقاطع جريدة «المصرى اليوم».. تعجبت وخيّرته فى الانصراف أو التحاور، وكأن شيئاً لم يكن، لكنه سألنى: لماذا تغضبون الإخوان؟ فقلت له إنهم يتعاملون مع الإعلام بمنطق النظام السابق، يريدون نشر ما يريدون والتغاضى عما لا يحبون، وذكرت له أسماء شخصيات ذات ثقل فى الإخوان فى الخارج والداخل، تربطنى بهم علاقة الاحترام.


■ أنت ترى أن المسلمين كسحاب يحجب الرؤية الحقيقية للإسلام عن الغرب بسلوكياتهم البعيدة عن جوهر الدين.. فى اعتقادك هل مازال الغرب عند نظرته بعد ربيع الثورات العربية؟


- الأمر يختلف بين ما يحدث فى الغرب من سلوكيات بعض المسلمين، الذين يسيئون للإسلام بسلوكياتهم، وبين نظرة الغرب للشرق، الذى انتفض طلباً للحرية، لقد أدرك الغرب عبر تلك الثورات أن الإسلام يعطى الإنسان الحرية والكرامة، وعرف أن المسلمين غيروا واقعهم بأيديهم وأصروا على إزاحة الطغاة، ورغم أن هذه الثورات لم يكن السبب فيها دينياً فقط، لكنها ارتبطت بأيام الجمع، وكأن نداء الحرية انطلق مع صوت الآذان، وأدرك الغرب أن الإسلام ينادى- كما كان يقول حسن البنا- باحترام إرادة الشعب، وعرفوا أن هذا الدين برىء من قمع الحكام الذين تسموا به وهم بالحقيقة طغاة، وهكذا اكتسبت الثورات العربية سمعة جيدة.


■ لكن لا يمكن القول إن تلك الثورات كانت إسلامية؟


- هذا صحيح لكن «الإخوان» جزء من الشعب المصرى، وطالبوا بالحرية مثل كل المصريين، وعندما قرروا المشاركة فى تلك الثورات كان لهم دور مهم فيها هو الحفاظ على استمرارية الثورة، لأن الشعب الذى خرج للشوارع مطالباً بالحرية، كان بحاجة للتنظيم، وهو الدور الذى لعبه الإخوان، والشعب يشهد على ذلك، لقد اضطهد الإخوان لسنوات طويلة فى مصر، ويعرف المصريون ذلك ويكنون للجماعة كل المحبة والاحترام، ونحن لا نريد الحكم كما يصور البعض، نحن نريد كما قال الشيخ عبدالقادر الجيلانى، أن نقيم الإسلام على أمرين أساسيين هما تعظيم أمر الله بتطبيق شريعته، وهذا هو أصل الدين، والإشفاق على خلق الله، بدعم أواصر الرحمة والأخوة فى الإنسانية.


■ ألا ترى أنه حدث نوع من الخلط بين الإخوان والتيارات الإسلامية فى مصر؟


- حدث هذا بفعل الإعلام، لكن الشعب المصرى يعرف من هم الإخوان ويؤيدهم ويحبهم، الإخوان لهم وجود عالمى، ولا يمكن خلطهم ببقية التيارات الإسلامية السياسية، وسأذكر لك حادثة وقعت لى تبين مدى تغلغل «الإخوان» فى وجدان الشعب المصرى، لقد منعت من دخول مصر 16 سنة منذ 1996، وأخيراً زرتها فى هذا الصيف ورغبت فى زيارة مقر الجماعة بمنطقة المقطم، ركبت «تاكسى» وكان سائقه يسأل عن العنوان لا المقر، وكلما سأل أحد الناس قالوا له: «أتريد مقر الإخوان»؟ هذا يعنى أن هناك تميزاً للإخوان عن غيرهم من التيارات الإسلامية، ولو علم الذين يهاجمون الإخوان من هم لأحبوهم، لكن الظنون السيئة بالإخوان تأتى من الجهل بحقيقتهم، ثم بفضل الله فإن كل قيادات الإخوان على مستوى جيد، وكل جاء فى وقته المناسب.


■ على ذكر القيادات الإخوانية.. كيف ترى الخلاف الحادث اليوم بين بعضهم مثل الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وبقية الجماعة؟


- نحن بشر علينا أن نحيا فى وئام داخل الجماعة وخارجها، وهناك أدب للاختلاف، وخلاف القيادات ليس على الأصول فى الشريعة والعقيدة، لكنه خلاف فى الفروع، والاختلاف فى المسائل السياسية وارد حتى فى داخل مجلس شورى الإخوان، وهذا طبيعى لأن لكل منهم رؤيته، والدكتور عبدالمنعم، يرى أن تلك فرصة للمشاركة فى انتخابات الرئاسة، ومجلس شورى الجماعة يرى عكس ذلك، والحكم فى النهاية لمجلس الشورى والقرار بالتصويت، وعلى الجميع الالتزام بالقرار النهائى.


■ أليس غريباً أن يفقدوا أدب الاختلاف الذى تتحدث عنه بعد اتهامات تمزيق الدعاية الانتخابية للدكتور أبوالفتوح؟


- لم يفقدوا أدب الاختلاف، وما يحدث بسبب الإعلام ومن عمله، الإخوان جماعة كبيرة جداً والصحافة تذهب لـ«أبوالفتوح»، وتأخذ منه كلاماً، وتذهب للجماعة وتريد منها كلاماً، والجماعة أكبر من ذلك ولا يهمها تلك الخلافات التى تتحدث عن الصحافة، الإخوان لا يريدون الحكم هم يريدون الخير بتطبيق شرع الله، وليس لدينا أى خلافات مع أحد حتى المسيحيين، والدليل أن نائب رئيس الحزب مسيحى.


■ يرى البعض أن وجود حزب سياسى للإخوان غير منطقى.. بمعنى أن هناك قرارات سياسية تعلن الجماعة حالياً موافقة مجلس شورى الجماعة عليها.. أليس ذلك شأن الحزب؟


- إعلان الإخوان تأسيس حزب سياسى تخطيط جيد، وهناك فارق بين الجماعة والحزب، لقد قررنا ألا نترك السياسة لغيرنا، لن نترك الساحة السياسية دون مشاركة لأن الإسلام دين شامل، وقد تكون هناك أخطاء فى ممارسة الإخوان للسياسة من خلال الحزب، وهذا أمر وارد، وسنجد له حلولاً مع الزمن.


■ كيف ترى الخلاف حول قضية مدنية الدولة التى يدور النقاش حولها فى مصر حالياً؟


- علينا أن نرجع لمؤسس الإخوان الشيخ حسن البنا، الذى حسم تلك القضية، بقوله إن الإسلام دين ودولة، وإذا رجعت إلى الأصل الأول من الأصول العشرين من رسالة التعاليم لحسن البنا ستجدين فيها فهماً واضحاً لمبادئ الإخوان، ورؤيتهم لعلاقة الدين بالدولة، فنحن رسالة سلفية ونحن دعوة سنية ونحن طريقة صوفية، وهيئة سياسية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية ورابطة علمية وثقافية، وإذا نظرت لكل تلك المعانى تجدين أن الإسلام شمل كل شىء فى الحياة، وكل الإخوان يتمسكون بهذا ويؤمنون به والخلاف ليس فى المبدأ. لكن فى السلوك الذى نسلكه لتحقيقه، نحن لدينا الأدلة من القرآن والسنة بأن ديننا شمل كل شىء فى الحياة بأحكامه، وعلى سبيل المثال أوضح لنا ما علينا فعله فى حالة استدان أحدنا مبلغاً من آخر، أليس هذا اقتصاداً؟.. أوضح لنا أنه قبل دخول الحرب علينا إعداد العدة لها، أليس هذا عسكرية.. لقد مات النبى، صلى الله عليه وسلم، وفى المدينة فرد مسلم ومجتمع مسلم وجيش مسلم ودولة إسلامية.


■ لكن هناك واقعة عمر بن الخطاب الذى قرر إيداع خمس الغنائم المقررة فى القرآن للمؤلفة قلوبهم فى بيت مال المسلمين، بعد وفاة النبى بعامين فقط.. ألا يدعونا هذا للتدبر فى الأحكام بعد مرور 15 قرناً؟


- كثيرون لا يفهون تلك الحادثة ويتصورون أن المعنى منها قدرة البشر على نسخ الأحكام، وأنه من الممكن تعليق تطبيق الحكم لعدم تواجد العلة المرتبطة به، لكن هذا خطأ، لأن الحكم قائم إلى يوم الدين، هذا لب تطبيق الشريعة الإسلامية التى بنيت على مقاصد كبرى فيها مصلحة الإنسان، ولا يعنى تعطيل عمر لحكم الله أنه غير فى الدين، ولا يفعل هذا غير عالم مجتهد.


■ أليس من الأفضل الفصل بين الدين والسياسة لأن الدين ثابت فى مفاهيمه وأحكامه بينما السياسة متغيرة؟


- النبى محمد «صلى الله عليه وسلم» كان حاكماً، والحكم جزء من الإسلام، والشريعة والإسلام لا يتجزآن، نحن نعيش فى الواقع وحولنا تجارب لحكومات إسلامية ناجحة، انظرى لتجربة الأتراك، حكومة إسلامية فى وسط علمانى، لكنها تعود للإسلام يوماً بعد يوم.


■ لكن التجربة الدينية فى تركيا مختلفة تماماً.. على سبيل المثال علماؤهم يرون أن تعدد الزوجات حكم استثنائى فى التاريخ، ولذا يحرمون التعدد؟


- هذا صحيح لكن «أردوغان» استطاع أن يوفق بين الحضارتين الإسلامية والحضارة الغربية، ونحن فى مصر نستطيع تكرار التجربة والجمع بين الحضارة الإسلامية ومنافع شريعتها السمحة وبين أفضل ما لدى الغرب فى الديمقراطية، وتحسين الإنتاج واحترام الآخر والقانون.


■ لكن فى الغرب الحكم للشعب.. هكذا ينظرون للديمقراطية؟


- هذا صحيح، هم يتعاملون مع مفهوم الديمقراطية بلا مرجعية، ليست لهم مرجعية أو قانون إلهى وليسوا مرتبطين بالوحى ومعناه التشريعى، لكن الديمقراطية دون مرجعية إسلامية تضيع، وعلى سبيل المثال لا الحصر، منذ 100 عام كان الشذوذ الجنسى محرماً فى بلد مثل سويسرا وكان جريمة نكراء، الآن قبلوه وباتوا يشرعون القوانين التى تعطى الحق للشواذ فى ممارسة حياتهم، ما يعنى أننا لا يمكن أن نترك الأمور كلها لإرادة الشعب ورغباته، ولابد من مرجعية دينية لحماية الديمقراطية ومصالح الإنسان، التى أدركتها الشريعة.