رصدت «المصرى اليوم» شهادات وحكايات وأسرارا فى حياة شهداء ومصابى دير الأنبا صموئيل بالمنيا فى ذكرى الأربعين لاستشهادهم فى الهجوم الإرهابى على الأتوبيس الذى كان يقل زوار الدير فى 26 مايو الماضى.
وبدا واضحاً من حكايات أسر الشهداء والمصابين أن مشاعر الشكر والسلام كانت هى السائدة والمشتركة بينهم، وتوحدت مطالبهم فى سرعة ضبط الإرهابيين حتى لا تجرح قلوب آخرين ويرتكبون جرائم أخرى بحق أبرياء.
بجمل وعبارات مؤثرة تحمل فى طياتها الأسى على من رحلوا والرضا بالقضاء والقدر عبر المصابون وأسر الشهداء عن مشاعرهم بعد فقد الأحبة وأكدوا أن عزاءهم الوحيد أنهم يعيشون حياة أفضل اليوم بعد مغادرتهم الدنيا وانتقالهم إلى العالم الآخر، ولم تخل كلماتهم من الشكر لله.
من بين المشاهد التى رصدتها «المصرى اليوم» فى أعقاب الحادث جلوس والدة الشهيد بيشوى إبراهيم عدلى، ٢٥ سنة، مرتدية بلوزة «كاروهات» ملطخة بالدماء ورفضت خلعها، قائلة: «دمه اللى فدانى به أنا وأخته جوليا عاوزاه يكون دايما قريب من قلبى».
وتروى الأم باكية: «بيشوى وقف أمام الإرهابيين عندما بدأوا فى إطلاق النيران العشوائى داخل الأتوبيس ليحجب عنا الرصاص وقالهم بالحرف (كفاية أنا) ونام على صدرى وأخد طلقة فى الصدر وطلقة فى الرقبة واستشهد».
وأضافت: «بيشوى استشهد مش عشان يحمى أهله وبس، لكن عشان ثابت على إيمانه وعارف إن فخر الموت على اسم السيد المسيح».
وقال إبراهيم، والد الشهيد بيشوى: «خسارة كبيرة أنى لم أكن معهم فى هذه الرحلة للسماء فقد عطلنى عملى بالقاهرة»، معبراً عن فرحه الكبير لما ناله ابنه من مكانة كبيرة بالسماء وبركة كبيرة، وتابع: «أنا لا أساوى شيئا عشان ربنا يجعل أغلب عائلتى شهداء عنده فى السماء»
أما جوليا إبراهيم، 7 سنوات، شقيقة الشهيد وإحدى المصابات فى الحادث، فقالت إنها أصيبت بعدد قليل من الشظايا فى قدميها، وكان شقيقها بيشوى يحيطها هى ووالدتها ليتلقى الطلقات بجسده، وتابعت: «الإرهابيين بعد أن انتهوا مما فعلوه فى الأتوبيس صرخ طفل رضيع اسمه كيرلس وعمره 6 أشهر فوجه أحد الإرهابيين كان على سلم الأتوبيس ليصوب طلقاته على الطفل، فهم أخى بيشوى وكان مصاباً فقط وقتها وصرخ فى الإرهابى، قائلاً: «ده طفل صغير حرام عليك عملكم إيه الأطفال الصغار» فما كان من الإرهابى، إلا أنه صوب سلاحه نحو أخى بيشوى بطلقة فى الرقبة أودت بحياته».
مشهد آخر، على صفحة شهيد على «فيسبوك» نشر فانوس رمضان كصورة للبروفايل قبل الحادث بأيام وتمنى الاستشهاد، بعد أحداث تفجيرات أحد السعف.
وتكشف صفحة «فيسبوك» الخاصة بالشهيد هانى عادل، 29 سنة، التابعة عن آخر كلماته وأحاسيسه، فقبل 10 أيام من وقوع الحادث قام الشهيد بتغيير صورة «البروفايل» الخاص به لفانوس رمضان ليهنئ أصدقاءه المسلمين بقرب حلول الشهر الكريم، كما دون الشهيد على صحفته الشخصية يوم تفجيرات أحد السعف فى إبريل الماضى عبارات فى تأمل الموت منها «خدنى معاك توبنى نفسى يارب فى عيشة معاك.. ولا كنت سبت شهيدك يلبس لبس العيد ويعيد.. بس أنا عارف انت حنين حبيت تاخده فى حضنك ويعيد».
مشهد مأسوى آخر أبطاله 5 أطفال فقدوا الأب والأم فى غمضة عين، هم باسم ورامى وإبرام وإيلاريا وهدرا، الذين أصبحوا أيتاما، بعد أن فقدوا والديهم على أيدى الإرهابيين، حيث ترك الزوجان الشهيدان رضا فاروق، وهبة عادل سوريال، أطفالهما وأصغرهم الطفل هيدرا، عامان، الذى تلطخت ملابسه الصغيرة بدماء أمه، وإيلاريه 7 سنوات المصابة فى الحادث.
وأكدت أم رضا فاروق، من بنى مزار، جدة الأطفال أنها ترعى أولاد ابنها الخمسة بمساعدة زوجة ابنها الثانى، ولا يحتاجون سوى الصلاة من أجل أن الله يساندهم على مهمتهم.
مشهد آخر، لا يقل عن المشاهد الأخرى تأثيراً بطله شهيد ينشر «بوست» فكر الموت قبل استشهاده بيومين، تم رصده على صفحة الشهيد مينا صموئيل غطاس، 30 سنة، الذى استشهد هو ووالده وطفلته «ماروسكا»، عامان، حيث نشر الشهيد قبل يومين فقط من ذهابه الرحلة الأخيرة «بوست» بعنوان «فكر الموت». كما نشر «لا تحسب أياماً من حياتك إلا التى عشت بها مع الله».
ومن المشاهد التى لا تنسى وقوف مارى، زوجة الشهيد مينا صموئيل، وأم الشهيدة الصغيرة ماروسكا بالملابس البيضاء على غير عادة ملابس الحداد السوداء، وعرفت الزوجة نفسها عبر صفحتها الشخصية بـ«فيسبوك» بعبارة «أنا أم الشهيدة وزوجة الشهيد فخر ليا ومكانة مكنتش أحلم بيها». وقالت مارى: «لو كنتم مكانى فى الحادثة وشاهدتم الموت بأعينكم مثلى وطفلتى وزوجى وحمايا «راحوا قدام عنيا وهما جالسين بجوارى ويعبر أمامى وبجانبى الرصاص يضربهم ولا يصيبنى أكيد ربنا له حكمه فى هذا».
وأضافت: «زوجى وهو بيموت بيقول (يا يسوع يا عدرا)، وعلى فكره زوجى مينا كان بيتمنى الموتة دى يبقا ألبس عليه أسود إزاى!»، مطالبة بسرعة ضبط الجناة حتى لا تجرح قلوب آخرين ويرتكبون جرائم أخرى«.
مشهد آخر، سهام عادل، الشابة الثلاثينية، إحدى مصابات الحادث التى فقدت زوجها «سامح محسن» ووالده، وشقيقيها «هانى عادل» تقول: «الدنيا كلها واقفة معنا وبجانبنا فى المحنة المجتمع بكل أطيافه والكنيسة وقياداتها، بنشكرهم ولكننا نتمنى ضبط الجناة فى أسرع وقت.
وتروى سهام: كنا على وشك الوصول للدير توقف الأتوبيس فجأة وسمعوا أصواتًا مدوية، لم يمكنهم لون الزجاج الغامق من الرؤية فاعتقدوا فى البداية أن الأتوبيس يحترق «فكرنا صوت الرصاص إنه ماس كهرباء والأتوبيس بيولع وبدأ زجاج الأتوبيس ينكسر ويتطاير عليهم، ليشاهدوا 6 ملثمين يطلقون الرصاص، بحسب «سهام»، وتضيف أنه بمجرد أن رآهم زوجها «سامح» قرر النزول إليهم ومعرفة سبب إطلاقهم النار لخوفه على أسرته وأطفاله المتواجدين معه، رغم تحذيرات شقيقها «هانى»: «قال له لأ متنزلهمش يا سامح بس هو كان مصمم وترجل من الأتوبيس موصداً الباب خلفه جيداً، وما إن اقترب من الإرهابيين حتى باغتوه برصاصة اخترقت رأسه.
وأضافت: الإرهابيون كانوا مقررين يحرقوا الأتوبيس بعدما قتلوا وأصابوا، فسكب أحدهم البنزين فى الأتوبيس شاهدوه سيارة ربع نقل التى كانت تقل عمال الدير وسيارة أخرى فهموا بإيقافهم وقتلوهم جميعا فانشغلوا بهم ولم يحرقوننا فى الأتوبيس.
وتكشف سهام قائلة: «ربنا كرمنى بإرهابى طيب!!»، وتوضح فتقول: شاهدت زوجى ووالد زوجى قتلوا أمامى، وابن اختى كان فى حضنى شفت مخه بيطلع قدام عينى، وفى الآخر كان الدور على ابنى «مينا» 7 سنوات، وكانوا اثنين إرهابيين، فتوسلت وأنا أصرخ وأقول له «سيبهولى»، وفجأة وجدت أحدهم يقول للآخر «سيبهولها».
أما الطفل أمير وائل عادل، 6 سنوات، أحد الناجين قال إن الإرهابيين كانوا ملثمين ويرتدون ملابس تشبه ملابس عسكرية وأحدهم كان يرتدى ملابس سوداء، لافتًا إلى أنهم كانوا يرددون الله أكبر عقب القتل مع تصويرهم لما يحدث من جرائم.
ويؤكد «أمير»: أول لما طلعوا الأتوبيس سألونا مسلمين ولا مسيحيين، وضربوا نار على كل الأتوبيس.. بس أنا نزلت مع أخويا تحت الكرسى واستخبينا منهم.. ورموا علينا كتب صغيرةــ يقصد كتيبات، وأنا شلت واحد منها فى جيبى كان واقع فى الأرض، وبعدين أعطيته لأبونا فى المطرانية«.
وعن الكتيب الذى تركه الإرهابيون كشف مصدر كنسى بمطرانية مغاغة والعدوة، أنه عبارة عن «إمساكية رمضانية» ألقاها أحد الإرهابيين المنفذين للهجوم على زوار دير «الأنبا صموئيل المعترف«، داخل الحافلة الأولى التى استهدف ركابها، تحمل مواقيت الصلوات لشهر رمضان بتوقيت القاهرة.
وأضاف المصدر أن حيازة أحد الإرهابيين لهذه الإمساكيات يؤشر لوجود مصريين بين الجناة، ولإقامتهم فى مناطق داخل البلاد.
وكشف بيتر إلهامى المتحدث الإعلامى باسم مطرانية مغاغة والعدوة، أن المطرانية تحتفظ بالنسخة الوحيدة التى حصلت عليها، لتقديمها لجهات التحقيق إذا ما طلبتها، إذا لم تكن سلطات الأمن تحفظت على مثيلتها بعد فحص السيارات المعتدى عليها.
وأوضح أن المطرانية حصلت على هذا الكتيب، من أحد الأطفال الثلاث الذين استقبلتهم المطرانية يوم الواقعة، بعد فقدانهم ذويهم.
وأشار إلى أن الأطفال أكدوا أن الإرهابيين ألقوا بعضا من تلك الإمساكيات داخل الحافلة، عندما سألوا الشهداء عن عقيدتهم ثم قتلوهم.
مشهد آخر بطلته لسامية عدلى عدلى إبراهيم، 54 سنة، إحد المصابات بالحادث والتى فقدت زوجها محسن فهمى، وولديها هانى وسامح وحفيديها مارفى وبيشوى، وابن شقيقها بيشوى.
تقول «سامية» عن مشاعرها بعد مضى 40 يوماً من الهجوم، إنها مشاعر شكر وسلام معبرة «كيف لا أشكر الله وبعده أشكر كل من امتدت يده علينا بطلقات النيران تقصد الإرهابيين، فهم من جعلونا متقدمين فى مكانتنا عند الله، كنا ذاهبين دير الأنبا صموئيل لنيل بركة، ولكن بهجومهم علينا نلنا بركات أكبر وأعمق بكثير من التى نستهدفها.
جاءت سامية من أمريكا هى وزوجها «محسن فهمى» كبير العائلة، بعد 8 سنوات من الغربة فى إجازة لمدة 20 يوما، لتوفى بنذرها الذى قطعته «للقديس صموئيل المعترف» بعد شفاء زوجها من مرض حرج بالرئة وأجريت له عمليات جراحية فى أمريكا أجلت زيارتهما لمصر نحو شهرين ولم تكن تعلم أنها الزيارة الأخيرة له معها.
وتروى «سامية»: «أصر زوجى الشهيد أن يجمع العائلة الكبيرة (يعزمهم) لنزور الأنبا صموئيل ونذهب لنقدم الشكر لله، وقمنا بالترتيبات، وبدأت الرحلة بتحرك الأتوبيس من قرية عزبة حنا فى مركز الفشن، ليقل الجزء الأول من العائلة، وانضممنا إليهم من بنى مزار، يرافقنا أقاربنا من الجيزة، لنتوجه جميعا فى الأتوبيس نفسه أولادى وأحفادى، إلى مغاغة لزيارة الدير».
وتتابع «سامية»: كنا فى جو غير عادى من الفرحة، قلنا للسائق «عم بشرى» يشغل كاسيت الترانيم وكانت أصواتنا أعلى من صوت ترانيم الكاسيت. وتردد الحمد لله، تتلقى العلاج بعد أن تم استخراج الطلقات النارية من جسدها.
أما بشرى كامل جرجس، سائق أتوبيس، الذى أُصيب بـ٣ طلقات فى صدره وقدمه، والذى مازال يرقد للعلاج بمستشفى ناصر العسكرى، إنه فور أن يتعافى ويصلح الأتوبيس الذى شهد الحادث، ولكنه فى هذه المرة سيكتب عليه من الخارج «رحلة للسماء»
ويرى «بشرى» أنها أهم رحلة قادها فى حياته ويتمنى أن يقود مثلها ولكنه يتمنى أن يصل هو للسماء شهيداً المرة القادمة، ويتابع: «وصلت شهداء كتير وللأسف لم ألحق بهم».
قال الأنبا مكاريوس، أسقف عام المنيا، إن أسر الشهداء والمصابين فى الحادث هم من يعزون باقى الشعب بثباتهم وتقبلهم التجربة من الله بفرح وثبات وتأكدهم أنهم نالوا مكانة أفضل.
وأضاف أن الرعاية المقدمة لأسر الشهداء والمصابين شاملة، لكنها بالأساس رعاية روحية خاصة للأطفال وزيارات اجتماعية لهم من قبل الخدام والمكرسات.
وتابع: «لا ننكر أن هناك تكثيفا أمنيا على كنائس ومطرانيات المنيا، خاصة بعد الحوادث الإرهابية التى وقعت فى الأشهر الأخيرة، سواء فى استخدام كاميرات المراقبة والدوريات والكمائن الأمنية، لكن الإرهابيين فى الهجوم على زوار دير الأنبا صموئيل اختاروا صيدا سهلا بعيدا عن الكمائن والكاميرات والبوابات الإلكترونية على طريق غير أهل فى عمق الصحراء لا تمر عليه سوى السيارات المتجهة للدير فقط».
وتابع: نعلم أنه من الصعب حراسة كافة الطرق المؤدية للأديرة، فكل أديرتنا تقريبا نصل إليها عن طريق «مدقات» فى الصحراء، يصعب على رجال الأمن تأمينها، إلا بتقنيات مستحدثة مثل كاميرات على مسافات وكذلك وجود شبكة اتصالات ودوريات مسح بالطائرات وغيرها.المزيد
ماركو عايد حبيب، 14 سنة، الطفل الذى قام بدور بطولى فى الهجوم الإرهابى على زوار دير الأنبا صموئيل بالمنيا، وهو أحد الناجين من يد الإرهابيين هو وشقيقه الأصغر مينا، 8 سنوات، وشاء القدر أن يشهد وشقيقه استشهاد والدهما.
قال ماركو لـ«المصرى اليوم» فى معرض استرجاعه للذكريات الأليمة للحادث: «فوجئنا بعد منخفض على طريق مدق الدير بحادث الأتوبيس وأشخاص أدركنا أنهم المجرمون، حيث استوقفوا سيارة والدى الربع نقل وطالبوه هو وقائد السيارة أن يظهر بطاقته فاستجاب ولما سألوه انت مسيحى قال «أيوه مسيحى»، ولما طالبوه هو و7 من عمال الدير الذين كانوا معنا فى السيارة النطق بالشهادتين لتغيير ديانتنا المسيحية ورفضوا قاموا بإطلاق النيران عليهم جميعا، إلا أن والدى كان فيه الروح، وحاول يزحف لينقذنا ويشير لنا بإحدى يديه لنهرب».
وأضاف ماركو: «بعدما صوب الإرهابيون تجاهى وتجاه شقيقى الأصغر قرر أحدهم أن يتركونا بدعوى أن نروى ما حدث وكان هناك ما يشبه الكاميرا المعلقة بحزام على جبين بعض الإرهابيين، ولما نزلوا اللى فى العربية وقتلوهم نزلونا إحنا كمان، وفيه واحد فيهم كان عايز يقتلنى أنا ومينا بس واحد تانى قال له لأ سيبهم ويلا بينا» وكانت لهجتهم صعيدية، ليركب المعتدون سيارة ويتجهوا بعد ذلك نحو الجبل، وتتعثر السيارة التى قتلوا من فيها أيضا فى الرمال، فيتركوها بعد أن فجروها، وما هى إلا ثوانٍ حتى اختفوا داخل الجبل.المزيد
كعادته كل يوم جمعة أو على الأكثر كل أسبوعين، جهز عاطف منير زكى 66 عاما، الرجل الستينى، الذى يعمل فى مجال المقاولات، نفسه للرحلة التى اعتاد عليها منذ سنوات لدير الأنبا صموئيل المعترف بجبل القلمون بمغاغة، وانطلق عم عاطف بصحبه أمير السائق، من مدينتهما أبوقرقاص فجر الجمعة قاصدين حضور القداس وسط رهبان الدير.
يقول مايكل ابن الشهيد: «استقل والدى سيارته وذهب مع أحد عماله للدير لنقل دارجة نارية للعامل تعطلت هناك، وبالقرب من وصوله لمدق الدير استوقف الإرهابيون سيارة والدى وأنزلوا مستقليها».المزيد