«الشعب يريد إسقاط النظام»، هذا واحد من الشعارات التي جرى رفعها في غضون الثورتين التونسية والمصرية. الشعار نفسه يتردد بكثرة على حناجر شباب 14 فبراير في البحرين، الذين يحتلون ميدان اللؤلؤة حتى اللحظة، وسط العاصمة المنامة، رغم محاولة السلطة إخراجهم . وعلى الخيام الكثيرة المنصوبة في الميدان، وفي الشوارع المؤدية، تجد شعارات تطالب برحيل العائلة المالكة، لكن هل فعلاً الشعب البحريني يريد إسقاط النظام؟
يرى المعارضون البحرينيون أنفسهم أن هذا مستحيل. لقد شكل مطلب إسقاط النظام الهدف الأول على لائحة جميع التنظيمات التي جاءت في السبعينات والثمانينات، بما في ذلك اليساريون والقوميون والإسلاميون. لكن منذ التسعينات بدأت هذه التنظيمات تكتشف استحالة تحقيق هذا المطلب. فوقوع البحرين في ظل منظومة خليجية متماسكة نسبيا، إلى جوار دولة قوية مثل المملكة العربية السعودية، جعل هذه التنظيمات تعيد حساباتها. ومنذ التسعينات أسقطت شعار إسقاط الحكم من أهدافها كلياً، وصارت تنادي بالإصلاح.
تشكلت رغبات الإصلاح منذ مطلع التسعينات على أساس برلمان منتخب كامل الصلاحية يتولى مهام التشريع.
وحتى أشهر قليلة خلت كان مطلب الحركة السياسية التي تمتلك جماهير عريضة ولديها القدرة على الحشد، هو إجراء تعديل دستوري يجري بموجبه إلغاء النصف المعين وجعل عضوية البرلمان منتخبة بالكامل.
تندرج تحت هذا المطلب مطالبات أخرى لا تقل أهمية، مثل إلغاء التمييز على أسباب عرقية أو طائفية، عبر إنجاز عملية المواطنة ووقف ما يسمى بـ «التجنيس السياسي» والقضاء على البطالة والفساد ونزع الامتيازات التي يتمتع بها أبناء وبنات العائلة المالكة.
إلا أن الحدث التونسي المفاجئ، وتوالي امتداده إلى مصر، وإنجاز تحولين مهمين في هذين البلدين أعاد رفع سقف الحركة السياسية في البحرين. لأول مرة يجري تبني مطلب تداول السلطة التنفيذية التي يترأسها عم الملك الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة منذ 40 عاماً من القوى المعارضة كافة. بل تم رهن الموافقة على الدخول في حوار بشأن مبادرة الحوار التي أطلقها ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، بقبول السلطة التفاوض حول هذا المطلب. فضلا على تصعيد مطالب التحول من ملكية إلى ملكية دستورية لا يشغل فيها أبناء وبنات العائلة المالكة أي مناصب في الدولة، إذ إن نصف الوزراء في الحكومة الحالية هم من أبناء وبنات العائلة المالكة.
أما القطاعات الشبابية التي أطلقت حركة 14 فبراير فتبدو غير راضية أيضا بهذا السقف. وتذهب شعاراتها إلى أبعد من ذلك بكثير، حيث «الشعب يريد إسقاط النظام» على غرار النموذجين التونسي والمصري.
والمعروف أن التنظيمات السياسية في البحرين، خلافا لتونس ومصر، قوية ولها أتباع منضوون بقوة في التنظيمات المعارضة، بل حتى الموالية. صحيح أن دعوة 14 فبراير دشنها شباب عبر مواقع «فيس بوك» و«تويتر» قبل أن تتلقفها القوى السياسية غير المرخصة، لكن تلك التنظيمات لم تتأخر، إذ سرعان ما التقطت الزخم الملهم للثورتين التونسية والمصرية فعملت على توفير غطاء سياسي للجميع.
قالت تلك التنظيمات بمختلف انتماءاتها إنها تدعم أي نشاط سلمي، وأن من حق الشباب أن يتظاهر، وعلى الحكم النظر في مطالبهم. وبدا أن ثمة إجماعاً لدى جميع قوى المعارضة على التظاهر في هذا اليوم، الموافق لعيد الحب، والذي رفضت الحكومة منحهم أي ترخيص فيه تحديدا، إذ كان يستعد لاحتفالات ذكرى ميثاق العمل الوطني 2001 الذي تحولت بموجبه البحرين إلى الملكية.
ويرى الشباب أنهم قد تعرضوا لخديعة في هذا اليوم تحديداً حيث صوتوا على الميثاق على أساس أن التحول سيكون لملكية دستورية تكون فيها سلطة تشريعية منتخبة كاملة الصلاحيات. فإذا بهم يرون السلطة التشريعية مشطورة إلى قسمين بالمناصفة : قسم منتخب وآخر معين يختاره الملك. وفي المقابل، نظام يرى في هذا اليوم تدشيناً لعهد جديد انتقل فيه من المشيخة إلى الملكية، بل بات يحتفل بما اعتبره إصلاحات.