احتفالات الطرق الصوفية بشهر رمضان، تعد رمزاً وعادة مصرية خالصة منذ عهد الدولة الفاطمية، إذ يشارك فيها الآلاف من مريدى الطرق الصوفية، ويتجهون إلى سرادق الطرق الصوفية الشهير بجوار مسجد الإمام الحسين، للدعاء والتبرك والجلوس بجوار ضريحه، ومن أذان المغرب وحتى الفجر يشتعل السرادق بحلقات الذكر واستقبال الزوار لإطعامهم، وسماع المنشدين فى قصائد حب وعشق آل البيت وفضل الشهر المبارك، إلا أن هذا العام اختفت تلك المعالم للمرة الأولى فى تاريخ التصوف بقرار المجلس الأعلى للطرق الصوفية، حداداً على أرواح شهداء حادث المنيا الإرهابى.
«المصرى اليوم»، رصدت ردود فعل الصوفية، فأعضاء المجلس الأعلى رأوا أنها رسالة من الصوفية للتأكيد على التضامن مع ضحايا الإرهاب، فى حين اعتبرها بعض المشايخ والقيادات الصوفية خسارة كبيرة، متخوفين من اندثار تلك العادة، بالإضافة إلى تقليل شأن المشايخ أمام نظرات المريدين الغاضبة.
قال الشيخ محمد علاء الدين ماضى أبوالعزائم، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، شيخ الطريقة العزمية، إن المشيخة العامة للطرق الصوفية برئاسة الدكتور عبدالهادى القصبى، رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية، ألغت سرادق المشيخة الذى يقام سنوياً بجوار مسجد الحسين احتفالاً بشهر رمضان، تضامناً مع الإخوة الأقباط بعد حادث المنيا الإرهابى.
وأضاف أن علاقة الصوفية بالإخوة المسيحيين قوية جداً، ولذا نعطى مثالاً قوياً من خلال مؤسسة إسلامية عريقة كالطرق الصوفية على المحبة بين المسلمين والمسيحيين وإلغاء كل الاحتفالات طوال الشهر الكريم.
وتابع «أبوالعزائم»: «هذه المرة الأولى التى يتم إلغاء الخيمة الرمضانية للطرق الصوفية، والتى تقام بجوار مسجد الإمام الحسين تحت اسم (ملتقى الفكر الصوفى للاحتفال بشهر رمضان)، ما يدل على فجيعة المصريين لهذا الحادث الإرهابى الغاشم، وللعلم لم نغلق السرادق عقب الثورة وفى أيام الأزمات والحروب التى خاضتها مصر، وظل السرادق مفتوحاً لقراءة القرآن والدعاء للبلد».
ورفض التحدث عن وجود تدخلات من أجهزة الأمن لإلغاء سرادق الصوفية، على غرار ما حدث فى الفترة الأخيرة من إلغاء سرادقات الصوفية فى الموالد العامة، بسبب إعلان حالة الطوارئ.
وقال: «وزارة الداخلية رحبت بوجود السرادق، وأعطت لنا التصاريح المطلوبة، ووفرت الحماية الأمنية لكل الاحتفالات فى ساحة مسجد الإمام الحسين وبقية ساحات الاحتفالات فى المحافظات، والدفاع المدنى راجع جميع الإجراءات الأمنية فى السرادق، وكان منصوباً، لكن عقب الحادث الإرهابى أجمع أعضاء المجلس الأعلى ومشايخ الطرق الصوفية على إلغاء السرادق هذا العام، للتأكيد على محبتنا للإخوة المسيحيين».
وأكد أن هناك مؤتمراً لمحاربة الفكر المتطرف والوحدة الوطنية سيعقد بعد عيد الفطر المبارك، يتحدث فيه كل الشخصيات الوطنية المصرية والعربية.
وقال الشيخ محمد عبدالخالق الشبراوى، شيخ الطريقة الشبراوية، إن السرادق عادة أصيلة ورمز لاحتفالات الطرق الصوفية بشهر رمضان، وإنها عادة متوارثة من أجيال وعدم إقامتها هذا العام خسارة كبيرة.
وأضاف أن المجلس الأعلى أبلغ المشايخ بإلغاء السرادق بعد ساعات من إعلان الدولة الحداد على أرواح شهداء المنيا، ورغم أن هناك تأكيدات أن الإلغاء لأسباب أمنية، إلا أن الدكتور عبدالهادى القصبى، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، نفى الأمر فى اجتماعه بالمشايخ بالجمعية العمومية لمشايخ الطرق الصوفية.
وأوضح أن مشايخ الطرق الصوفية واجهوا القرار بإقامة احتفالات بمقر طرقهم الخاصة بالقاهرة والمحافظات، وتم تنظيمه على غرار سرادق المشيخة بالاستعانة بعلماء الأزهر المنتمين للصوفية، لإعطاء المواعظ والدروس الدينية، وإقامة موائد الإفطار الجماعية، وأن الطريقة الشبراوية دعت رموز الطريقة وقواعدها بالمحافظات للاحتفال بمقر الطريقة الرئيسى فى شارع صلاح سالم، والذى تم تنظيمه طوال شهر رمضان من بعد صلاة المغرب ثم إقامة التراويح، وتليها حلقات الذكر وقيام الليل وقراءة القرآن حتى صلاه الفجر.
وأشار إلى أن أهمية السرادق تعود لكونه صورة من صور محاربة الطرق الصوفية للخطاب الدينى المتطرف، ودوره تعريف المريد الذى يصطحب أبناءه وأحبابه بالخطاب المعتدل، مؤكداً أن مفهوم الخطاب الدينى الصحيح هو مسؤولية الدولة بأكملها وليس رجال الدين فقط، وأن الخطاب الدينى السمح واضح ومحدد فى الإسلام.
وتابع «الشبراوى»، أن الطرق الصوفية ليست فى عداء مع الدولة وتحترم الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يملك حق محاربة التطرف.
وقال الشيخ أحمد التسقيانى، شيخ الطريقة التسقيانية الأحمدية، إن أتباع الطريقة لم يغضبوا، بل تفهموا الموقف ورسالة الصوفية للتضامن مع المسيحيين، وإن المجلس الأعلى لم يلتف على المشايخ بل جمعهم قبل انطلاق الموكب الصوفى للاحتفال برؤية هلال رمضان، وتم وضع اقتراح الإلغاء، ووافق المشايخ بالإجماع ولم يعترض أحد، وتوجه كل شيخ طريقة إلى مريديه ووكلائه بالمحافظات الذين كانوا متواجدين للمشاركة فى الموكب، وأخبروهم ولم يعترض أو يغضب أحد.
وأكد أن أبناء الطريقة التسقيانية، احتفلوا بالمنوفية ونظموا سرادقاً على غرار سرادق المشيخة العامة، وتمت قراءة الأوراد، وإقامة حلقات الذكر والإفطار الجماعى، تزامناً مع كل احتفالات مشابهة نظمها أبناء الطريقة فى كل محافظة بمقر الطريقة الفرعى.
فى المقابل قال الشيخ مصطفى زايد، منسق الائتلاف العام للطرق الصوفية، إن سرادق المشيخة العامة للطرق الصوفية بجوار مسجد الحسين رمز كبير للملايين من المنتمين للطرق الصوفية ومحبى التصوف، ويعرفه زوار الإمام الحسين للجلوس به لسماع دعاة وعلماء الأزهر الذين يتحدثون عن آل البيت وفضلهم، وأن إلغاء السرادق ليس بيد المشيخة العامة ولا المجلس الأعلى للطرق الصوفية بل بيد الملايين من البسطاء الذين يأتون من كل المحافظات للحضور، لافتاً إلى أن القرار محير وصادم.