«الصرف الصحي والسماد» طموحات أهالي عزبة «زكريا»

كتب: ولاء نبيل السبت 17-06-2017 21:28

رغم تواضع بنيانه المشيد من الطوب اللبن وأرضيته الطينية، إلا أن معاونة التعداد بعزبة «زكريا» التابعة لقرية دمشير بمحافظة المنيا، وتدعى «مريان»، لاقت ترحيباً كبيراً من عائلة مخلف إبراهيم ملاك، التى أصرت على تقديم واجب الضيافة لها فوق دكة خشبية متواضعة، فالتف الجميع حولها، خاصة الأطفال الأشقاء الثلاثة القاطنين بالمنزل، فرحين بالمشهد الذى يرونه لأول مرة لصغر أعمارهم التى لم تتجاوز عشر سنوات.

جلست المعاونة إلى جوار «مخلف» الشقيق الأكبر الذى أحالت إعاقته دون الوقوف طويلاً للإجابة على كافة الأسئلة.

أكد مخلف إبراهيم أنه موظف، وفقا لما هو مدون فى بطاقة رقمه القومى التى اطلعت عليها المعاونة، لتوثيق البيانات، ولديه خمسة أطفال، يكبرهم طالباً فى المرحلة الثانوية.

تطرقت بعدها معه المعاونة للسؤال عن عمر زوجته، وسنها وقت إتمام الزواج، وتعليمها، فأكد أنها لم تحصل على شهادة دراسية، وتلك هى سمة أغلب فتيات عمرها، من بنات القرية، اللائى لم يكن يُعترف وقتها بجدوى تعليمهن.

12 غرفة منفصلة تشترك بينها دورة مياه واحدة، تلك هى تقسيمة المنزل، الذى يعيش فيه «مخلف» بصحبة أسرته وعائلته المكونة من ثلاث أخوات بصحبة زوجاتهم وأبنائهم، ليبلغ إجمالى عدد الأسر فى المنزل المكون من طابقين أربع.

القدر التعليمى الذى ناله «مخلف» جعله يعى جيدا قيمة الحصر التعدادى الذى تجريه الدولة كل عشر سنوات، فالكثافة السكانية التى يعيش فى تفاصيل مشهد مصغر منها داخل منزل عائلته تفرض تغيرات على متطلبات المجتمع.

قائلاً: «أول ما اتجوزت مكنش فارق معايا حجم المكان الموجودين فيه، لكن دلوقتى وبعد ما بقى عندى 5 أولاد غير أمهم وعايشين فى 3 حجرات فى منزل مشترك، بقا هناك ضرورة لتغيير طبيعة الإقامة وكمان الخدمات المقدمة لها».

ضرب «مخلف» نموذجاً حياً لمعاناة يعيشها وكافة أفراد العائلة وهى «الطرنش» الذى يتم من خلاله التخلص من الصرف الصحى، والمصمم بطريقة لم تعد تتواءم مع حجم القائمين فى المنزل، ولأن المشكلة ليس عنده فحسب، بل هى أزمة قرية، فأكد ضرورة الأخذ فى الاعتبار تلك المشكلة، عند وضع أى خطط للتنمية، كأول فائدة للتعداد، خاصة أن تلك المشكلة تهدد منازل كثيرة بالانهيار والتصدع.

تستمع المعاونة لشكوى «مخلف» وتضطر للخروج بين الحين والآخر للشارع، كى تتمكن من إرسال البيانات، الذى حال ضيق الشوارع لالتقاط الاتصال بالإدارة المركزية للإحصاء بسهولة.

عاودت «مريان» الدخول للمنزل من جديد، لتجد «مخلف» فى انتظارها ليسرد لها مشكلة أخرى تعانى منها البلد، وهى عدم وجود مدارس سوى واحدة ابتدائية، وآيلة للسقوط.

تساءلت «مريان» عن باقى أفراد العائلة لاستكمال بيانات قاطنى المنزل، لم يكن منهم أحدا موجودا سوى أطفال وسيدات باقى الأسر، حيث انشغل الأزواج فى العمل بالحقول، ولقرب الحقول من المنزل، توجهت المعاونة لتصادف ابن شقيقه «جمال» ويدعى «ياسر»، والذى توقف لدقائق معدودة لمساعدة المعاونة فى الإدلاء بالبيانات، مؤكداً أن عمره 32 سنة، وتزوج وعمره 24 سنة، حصل على دبلوم الصنايع، وعندما فشل فى إيجاد فرصة عمل توارث مهنة أجداده بزراعة الأرض، ولديه طفلان.

يرفع «ياسر» طرف كم الجلباب، يلاحق قطرات العرق المتساقطة من فوق جبينه على عينيه، كى يتمكن من تكملة الحوار مع المعاونة، التى لم يكتف بالإجابة على أسئلتها وتطرق لمعاناته كمزارع تتلاشى الأراضى الزراعية من حوله، فى الوقت الذى ينعدم فيه دعم الدولة للمزارعين، حسب تعبيره.

«سعر إيجار الفدان وصل دلوقتى 15 ألف جنيه فى السنة من قلة الأراضى، ولا فى محصول بيجيب عائد، وده اللى خلى الناس تتخلى عن الأرض وتبعها». وأرجع التراجع عن زراعة الأرض إلى الارتفاع المضاعف وغير المبرر لأسعار السماد، والذى يتخطى مرحلة الضعف فى السوق السوداء، ويتطلب تدخلا فوريا من المسؤولين للحد من تلك المهزلة، فالزراعة بالنسبة لأبناء العزبة مصدر أساسى لا بديل له عن الدخل، لعدم توافر فرص للعمل أو الاستثمار، ولا حتى للمشروعات الصغيرة.