«لقد خاضت سفينة الثورة طريقًا صعبًا تقاذفتها فيه أمواج عاتية وهي تعرف مرفأ النجاة جيدا وتعرف طريقة الوصول إليه، ولكن الربان الذي تولى قيادتها، دون اختيار من ركابها ودون خبرة له بالقيادة، أخذ يتخبط بها بين الأمواج دون بوصلة واضحة».. هكذا أبلغ الدكتور محمد البرادعي، أنصاره معلنًا لهم رفضه المشاركة في انتخابات رئاسية تحت قيادة المجلس العسكري الذي أدار شؤون البلاد بعد تخلي محمد حسني مبارك عن سُدة الحكم.
أقرب وصف لما فعله البرادعي، الذي تحل ذكرى ميلاده الخامسة والسبعين اليوم 17 يونيو، وقتها هو «كرسي في الكلوب»، فذلك التعبير كان يراه «البوب»، كما يحب وصف نفسه على «تويتر»، ملخصًا لمسيرته عندما قرر أن يحفز المصريين وخاصة الشباب على الخروج ضد نظام مبارك، فكان المشهد المهيب ثورة 25 يناير.
بعد مبارك، رفع البرادعي لواء «الرفض» ضد المجلس العسكري، الذي قاد مرحلة انتقالية مضى خلالها في «الطريق القديم.. وكأن ثورة لم تقم، وكأن نظامًا لم يسقط».
لم يكتف البرادعي، الذي ولد في 17 يونيو 1942، بمعارضة السلطة سواء كانت في شخص مبارك أو المجلس العسكري، بل «تمرد» على محمد مرسي، الذي أوصلته جماعة الإخوان المسلمين إلى رئاسة مصر في مشهد كان من أحلام الجماعة، لكن تحقق لها المراد بـ«تصويت عقابي» ضد منافسه، آنذاك، أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك.
كما خرج في مشهد درامي وقرر ممارسة هوايته بـ«ضرب كرسي في الكلوب»، ليعلن استقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية، إبّان فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، كاتبًا بيانًا تسبب في هجوم من كان في سربهم مثل شباب حركة «تمرد»، بينما ازداد الكارهون له ضراوة في وصفه بأوصاف عدة على رأسها «الهارب» و«الخائن»، فيما يطلق عليه محبوه أنه «ضمير الثورة»، لكنه لا يسلم من الانتقادات بشأن مواقفه وتذبذبه في بعض الأمور من وجهة نظرهم.
بيان البرادعي قال فيه: «كما تعلمون فقد كنت أري أن هناك بدائل سلمية لفض هذا الاشتباك المجتمعي، وكانت هناك حلول مطروحة ومقبولة لبدايات تقودنا إلى التوافق الوطني، ولكن الأمور سارت إلى ما سارت إليه، ومن واقع التجارب المماثلة فإن المصالحة ستأتي في النهاية ولكن بعد تكبدنا ثمنا غاليا كان من الممكن- في رأيي- تجنبه».
كما أنهى البرادعي بيانه بقوله: «لقد أصبح من الصعب على أن أستمر في حمل مسؤولية قرارات لا أتفق معها وأخشى عواقبها ولا أستطيع تحمل مسؤولية قطرة واحدة من الدماء أمام الله ثم أمام ضميري ومواطني، خاصة مع إيماني بأنه كان يمكن تجنب إراقتها.. وللأسف فإن المستفيدين مما حدث اليوم هم دعاة العنف والإرهاب والجماعات الأشد تطرفًا، وستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله».