درب النور: «أم الغلام».. قبطية تدافع عن «رأس الحسين»

كتب: أسامة المهدي الجمعة 16-06-2017 16:27

فى ممر ضيق بجوار مسجد الإمام الحسين بن على، يوجد مقام تحت الأرض، يحمل اسم ضريح «أم الغلام»، ويحمل الشارع الموجود فيه الضريح نفس الاسم، ويوجد الضريح تحت المسجد المعروف بـ«جامع أم الغلام»، وكان المبنى فى السابق مدرسة اسمها «مدرسة إينال»، بناها السلطان إينال السيفى ويتبعها سبيل بجوارها.

ومقام أم الغلام، يعرفه الكثيرون من مريدى الطرق الصوفية ومحبى آل البيت فى مصر، والذين يعتبرون زيارة الضريح أمرا أساسيا.

بمجرد الدخول إلى الممر الذى يوجد فيه الضريح، تنتشر بوضوح رائحة البخور، وهناك يجد الزائر أمامه سلما وأنوارا خضراء تحت الأرض وعند نزوله يجد أن المقام لسيدتين وبحسب اللافتات الموضوعة الأولى هى فاطمة بنت سيدنا الحسن بن على، وزوجة على زين العابدين، وترقد بجانبها السيدة فاطمة «أم الغلام»، زوجة الإمام الحسين الفارسية «شهريناز بنت يزدجرد»، إحدى بنات كسرى ملك الفرس، التى زوجها الإمام على رضى الله عنه، لابنه الحسين فى حضور الخليفة عمر بن الخطاب، والتى غيرت اسمها بعد دخولها الإسلام إلى فاطمة وأنجبت الإمام على بن زين العابدين، الملقب بـ«على الأصغر».

بداخل الضريح العتيق الذى تنزل إليه عبر درجات السلم العتيق تجد غرفتين إحداهما وضعت فيها لافتة كبيرة سجلت فيه رحلة قدوم رأس الإمام الحسين، إلى مصر والتى توضح أن الرأس كانت مستقرة فى دمشق ومع قدوم حملات الصليبين إلى الشام قام الأتراك السلاحقة بإخفاء الرأس فى مدينة عسقلان وقام الخلفاء الفاطمين الذين حكموا مصر وقتها بشراء الرأس للحفاظ عليه، مقابل 30 ألف قطعة ذهبية، ورغم أن هذه القصة مستقرة فى وجدان المصريين الذين خصصوا احتفالين فى السنة، الأول لميلاد الحسين والآخر لقدوم الرأس الشريف إلى مصر، إلا أن هناك حالات تشكيك فيها، والبعض يقول إن الرأس لاتزال فى دمشق، فيما يؤكد آخرون أنها فى عسقلان لم تنتقل منها.

رغم الروايات الموجودة لإثبات أن المقام الثانى لزوجة الحسين، إلا أن التاريخ المكتوب على جدران المقام ينفى ذلك، فالمكتوب أنها دفنت عام 702 ميلادية، بينما لم يتزوج الحسين من شهريناز إلا عقب معركة نهاوند سنة 642 ميلادياً أى بفارق 60 عاماً وهو الأمر الذى حير المؤرخين والباحثين عن حقيقة صاحبة المقام.

وأهم الروايات التى انتشرت بين سكان مصر الإسلامية والحديثة عن حقيقة صاحبة المقام فى القرن الخامس عشر، حين أقام السلطان الأشرف إينال السيفى المدرسة التى تحمل اسمه، رفض القائمون الرواية المنتشرة وقتئذ بأن فاطمة أم الغلام، هى سيدة مسيحية كانت مارة وقت معركة كربلاء بالعراق، ورأت رأس الأمام الحسين فأخذته وضحت بابنها الغلام وقطعت رأسه ووضعته مكان رأس الإمام الشهيد ثم سافرت إلى مصر ودفنت الرأس بالقاهرة، وجاء رفض هذه الرواية لأن القاهرة التى أسسها جوهر الصقلى، قائد جيوش الفاطميين، لم تكن موجودة وقتئذ وهناك فارق 4 قرون بين الموقعة وتأسيس المدينة.

وتأتى الرواية الثانية والتى حفظها مريدو الطرق الشاذلية والأشراف والتى كانت الأشهر فى كتب الرحالة بأن أم الغلام هى سيدة قبطية مصرية دخلت الإسلام وسميت بفاطمة، وأنها خطفت رأس الحسين من مسجد الصالح طلائع بالدرب الأحمر، والذى قيل إنه تم بناؤه خصيصًا لتدفن به الرأس الشريف، وعندما سمعت بقدوم أشخاص لخطف الرأس بسرقته من المسجد وخبأته فى منزلها وحينما علموا بمكانه قطعت رأس ابنها وأعطته لهم بدلًا منه، ولذلك سميت بـ«أم الغلام».

وهناك رواية صوفية ترى أن ما يتردد عن أم الغلام هى أساطير مصرية وذكروا أن المقام يعود إلى السيدة حورية ابنه الأمام الحسين والمعروفة باسم «زينب الصغرى» وشقيقة الإمام زين الدين العابدين، وحضرت إلى مصر بصحبه شقيقة والدها السيدة زينب، وتنقلت فى ربوع مصر وأن ضريحها والمسجد الذى يحمل اسمها فى بنى سويف هو ضريح رؤية وأن مقامها بجانب ضريح والدها الحسين بالجمالية، وعرف عن السيدة حورية أنها رحالة من آل البيت، وأنها كانت تعالج المصريين فعرفت فى المصادر والروايات الصوفية بأنها طبيبة بنى هاشم، لذا استمر المصريون فى الاتجاه إليها بعد وفاتها للشفاء والتبرك بها.

ويتردد بين الطرق الرفاعية أن أم الغلام إحدى حفيدات الرسول وجاءت مع السيدة زينب وحملت اسم «أم الغلام» لأنها حمت الرأس الشريفة «رأس الحسين»، مع السيدة زينب أثناء وقوعهن فى الأسر مع بنات بنى هاشم، حيث تم نقلهن إلى دمشق مقر الخلافة الأموية وهناك رحلت إلى مصر مع السيدة زينب وتوفيت ودفنت فى المقام المعروف. وأثير حول ضريح أم الغلام العديد من الأزمات ففى ظل الصراع بين السلفيين والشيعة لعدم إحياء طقوس مجالس العزاء «إحياء ذكرى استشهاد الحسين وموقعة كربلاء»، فى مسجد الحسين اتجه العديد من التجمعات إلى ضريح أم الغلام لإحياء الطقس هرباً من السلفيين والإجراءات الأمنية المشددة، واعتبروا أن إحياء الطقس شىء طبيعى باعتبار صاحبة المقام هى فاطمة إحدى بنات كسرى فارس، الذى تزوجها الحسين.

حتى الآن لا أحد يعرف من صاحبة الضريح الحقيقية وحقيقة الروايات والأساطير التى انتشرت منذ بناء المسجد على يد السلطان الأشرف إينال السيفى لكن ضريحها ذا النور الأخضر وروائح العطور والبخور واسم الشارع علامة استفهام لمحبى آل البيت، وهذا المقام وسر لجوء العجائز إليها للشفاء، والتبرك بها، كذلك إحياء طقوس الشيعة سراً.