«كل محافظ ومدير أمن فى محافظته مسؤول عن سلامة الأراضى وعدم الاعتداء عليها»، بهذه التصريحات أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى صافرة إنذار طارئة لانطلاق ماراثون إيقاف التعديات على أراضى الدولة على قدم وساق، بحد زمنيّ لايتجاوز الأسبوعين، فيما شرعت المُحافظات ومُديريات الأمن فى إتمام المهمة الشائكة، عن طريق رصد التعديات أولاً، واستصدار قرارات الإزالة والإحاطة بها، وصولاً لمرحلة إزالة التعدى بالفعل عن عشرات الأفدنة بعدد من المحافظات المصرية، من أبرزها البحيرة، فى دلتا مصر.
بدورها، وبحلول منتصف مايو الماضى، بدأت المهندسة نادية عبده، محافظ البحيرة، الإعلان عن استرداد المُحافظة لعشرات الأفدنة من أملاك الدولة بالمحافظة وخاصةً مركز دمنهور بواقع 38 فدانًا من الأرض.
وبالتوازى مع الحملة، انتشر توثيق فوتوغرافى لتدمير الجرافات للتعديات التى تمّ حصرها بالفعل وصدر لها أمر إزالة، واستعادة الدولة لهيبتها فى تلك المناطق. «المصرى اليوم» قامت برحلة إلى مُحافظة البحيرة لاستطلاع تبِعات الهدم، وطلبات التقنين، بعد مرور ما يقارب الشهر من إطلاق شارة البدء فى حملة إزالة التعديات.
وفقًا للبيان الصادر عن محافظة البحيرة، فإن الوحدة المحلية لمركز ومدينة دمنهور قامت بإزالة مئات الأفدنة، وكان أغلبها فى المنطقة المجاورة لشركة مياه الشرب، ومساحة العشرة أفدنة الواقعة خلف جامعة دمنهور والاستاد الجديد.
وميدانيًا، بدت الأجواء فى أحد النطاقات المذكورة أكثر هدوءًا من المتوقع.. يمكن من الطريق الزراعى أو«الدولى» كما يُطلق عليه السُكان، تمييز جامعة دمنهور بسمتها التعليمى، ولافتتها المميّزة. من خلفها، يظهر البناء غير المكتمل للاستاد الجديد، والذى تُرشح البيانات الإعلامية إشرافه على عشرة أفدنة ونصف من أراضى الدولة المُتعدى عليها، والتى شملتها مؤخرًا حملة إزالة موسّعة. هُناك، تنوّعت مساحات الأراضى بين أراضٍ فضاء وأخرى زراعية، ومساحات مبنيّة على طرز سكنية ومكتملة البناء والسُكنى، وأخرى غير مبنية تمامًا، فيما عبّر الأهالى عن استغرابهم من الاستعلام عن حملة إزالة تمت فى الشهر الأخير، فيما استطرد صاحب مكتبة تقدم بضع خدمات تعليمية كتصوير المُستندات لطُلاب الجامعة فى الحديث عن طبيعة التعديات فى البحيرة بشكل عام، ومركز ومدينة دمنهور على وجه الخصوص.
تحت الشمس الرمضانية الحارقة، بالغ الشاب صاحب المكتبة فى تحديد حجم الاعتداء على أراضى الدولة فى عموم المحافظة «فيها ييجى مليون تعدّى ومشفناش لودر واحد من شهور» على حد تعبيره.
السيد حسن، مواطن سكندرى، ارتحل لمدينة دمنهور للعمل فى فرز المخلفات، ليُحدث «المصرى اليوم» عن شيوع عملية التعدى والإزالة فى البحيرة، كما فى الإسكندرية. بصفته زوجا حديثا يستطيع السيد حسن تفهُم ما وراء البناء المُخالف والتعدى على أراضى الدولة «إحنا مش بنطلُب من الدولة مساكن والأب بيتصرّف ويبنى لابنه عشان يعيش فيها». وعلى ذلك، فإن يوميّات الهدم وإعادة البناء، بحسبه، يوميات اعتيادية فى مُدن وقرى البحيرة، يقول السيد حسن «الحملات مابتبطلش، كل كام شهر حملة إزالة، والأهالى بترجع تبنى». لا يستطيع حسن الوقوف على تاريخ آخر حملة إزالة فى محيط مركز دمنهور شهدها بدقة، لكن المؤكد من جانبه، أن روتين الإزالة يتم فى نطاقات محددة، كهدم سور أو عشة، وأن حملات إزالة مايو المُزمعة لم تصل مركز دمنهور.
بحلول الأول من يونيو، كانت محافظة البحيرة قد أعلنت وصول نسبة عمليات الإزالة إلى 98% من أصل الأراضى المُعتدى عليها، بواقع 4033 فدان أراضٍ زراعية إضافة لـ980 ألف متر من أراضى المبانى، على ذلك لا يرى بعض من سكان قرى مركز أبو حمص بالبحيرة تنفيذ أمر الإزالة كأزمة جدية على الصعيدين الأهلى والحكومى، حيث تعذر هدم عشرات المساكن بها.
تلخص شابة عشرينية من سكان قرية جواد حُسنى بالمركز المذكور روتين أعمال إزالة العقارات المخالفة أو المبنية على أصول ترجع للدولة فى المنطقة: «عادى، بييجوا يهدموا بيوت، والناس يومين تلاتة وبتبنيها تانى»، تألف الشابة حركة التشييد والإزالة فى مُحيط قريتها، على الرغم من مظاهر الهدم الحديث فى قرية نادرة، تُفسر الأمر زيارة خاطفة لمجلس قرية جواد حُسنى، ورئيسها، إبراهيم علام.
لم يكُن الخطاط حتى وصول «المصرى اليوم» لقرية «الشهيد جواد حُسنى» قد أتم كتابة اللافتتين المُطلوبتين من قبل رئيس مجلس القرية للإشارة للمناطق التى نُفذت فيها قرارات الهدم وأعيدت لحيازة الدولة. «هذه القطعة ملك الوحدة المحلية ومن يتعد عليها يُعرض نفسه لقانون الطوارئ»، بحسب إبراهيم علام، رئيس الوحدة المحلية لقرية جواد حُسنى، حيث تُلزمه الإجراءات بغرس لافتة عليها تنص على موضع كل تعدٍ تعاملت معه الوحدة المحليّة.
يفصل رئيس القرية أنماط التعديّات التى تعاملت معها القرية على النحو التالى: مُتخللات، أى أجزاء من بيوت مُتعدى عليها، أو مساكن كاملة مأهولة ومبنية على أراضى الدولة.
فى حالة المُتخللات، قام مجلس القرية بتنفيذ أوامر الإزالة مُباشرة، تحت حماية القوة الشُرطية، والتى لم تتعد الحالتين فى نطاق جواد حُسنى بأكملها، من أصل 13 حالة تعثّر التنفيذ فيها، إما بسبب كونها متخللات داخِل حيّز المسكن، أو أنها مستغلة لأغراض معيشية، الحالة التى تستلزم ما يُعرف بـ«دراسة أمنية» قُبيل عملية الإزالة، بحسب علام، والذى أشرف بنفسه على تنفيذ قرارات الإزالة داخل نطاق قريته، واصفًا حالة الإزالة ذاتها بأنها تكون على قدم الصعوبة والتوتر «الأهالى بيكون عندهم رد فعل عنيف من غير أى رد فعل، الغضب بس دون القدرة على التدخُل».
خِلاف طابور قرارات الإزالة، يمتد طابور أطول فى قرية الشهيد جواد حُسنى لطالبى تقنين الأوضاع والتصالح مع الدولة. يقول علام: «الناس عاوزة تقنن أوضاعها من زمان»، وعلى ذلك فإن الظرف السياسى اليوم يضمن مزيدا من التيسير لرغبات التقنين، والتى تطلبت فى السابق التعامل مع مجلس المدينة وتشكيل لجنة تسعير من مجلس القرية ومجلس المدينة والمحافظة ذاتها للبت فى طلب التقنين. إجراءات أكثر يُسرًا تنتظر طالبى التقنين هذه المرة بحسب علام، والذى ينتظر أن تُنشر بالجريدة الرسمية، لنشرها وإعلان أهل القرية المنتظرين بها.
داخل قرية جواد حُسنى، فى ساعات الظهيرة المُشمسة، بالأخص فى زاوية نعيم بجوار المدرسة الابتدائية، نستطيع بصعوبة الوصول لمنزل الحاج محمد الجارحى، غير أن هناك عبارة سحرية يمكن عن طريقها الاهتداء لموقع المنزل بسؤال بعض المارة: «الحاج محمد الجارحى.. اللى أزالوا سور بيته».. خارج المنزل، تبدو الأجواء هادئة، منزل متواضع مكون من 4 طوابق، لايزال الطوب الأحمر- قوامه الأساسى- ظاهرا للعيان لعدم إضافة دهانات خارجية وتشطيبات لجدرانه، يحاوط جداراً من جدرانه الأربعة سور قصير لا يتعدى طوله المتر الواحد، ملحقة به بوابة حديدية مُحكمة الإطلاق، فيما تبدو معالم هدم بعض أجزائه جلية.
ويقول الجارحى، صاحب المنزل والمتضرر الرئيسى من أعمال الإزالة: «السور ده قديم وإحنا بنجدده كل فترة فى نفس المكان بالظبط، مع ذلك اتهمونا بالتعدى مع إننا شاريين من الدولة».
يوضح «الجارحى» أن الأراضى الواقعة خلف سور منزله ملك عائلته، ومُثبتة بحكم عقد الشراء من الدولة، غير أن ذلك لم يحل دون تقديم الجهات الرسمية لمحضر تعدٍ على أراضى الدولة ضد الجارحى، أو بتعبير أدق، الأمتار المحدودة المواجهة لباب منزله بمساحة إجمالية لا تتخطى 40 مترا مربعا، وفى حين طلب«الجارحي» على حد قوله انتداب لجنة من المحافظة لفحص حالة الأرض، إلا أن قرار الإزالة نُفذ بالفعل أثناء غيابه فى رحلة عمل بعيد عن المنزل فى مايو الماضى.