تشرفت منذ شهرين تقريباً بكتابة ثلاثة مقالات متتالية موجهة للسيد الفاضل وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى والتدريب فى نفس هذا المكان تحت عنوان: «وزارة الأمن القومى» و«وزارة الأمن القومى (1)، (2)».. طرحت فيها رؤيتى المتواضعة لسبل عملية إصلاح وتطوير التعليم فى مصر المحروسة، والتى اعتبرتها آنذاك أحد أهم المشروعات على الإطلاق التى ينبغى أن تأتى على رأس قائمة أولويات الدولة إذا ما أردنا أن نحقق لبلادنا المستقبل الباهر الذى ننشده جميعاً بإذن الله، وقد سعدت للغاية يوم السبت الماضى بالتصريحات الرائعة التى قرأتها للسيد وزير التربية والتعليم عن الرؤية الإصلاحية الشاملة والمتكاملة للوزارة فيما يخص عملية إصلاح وتطوير التعليم فى مصر، والتى جاءت متسقة فى معظمها والحمد لله مع ما سبق أن طرحته من رؤى وأفكار فى المقالات المشار إليها عاليه.
ونظراً للأهمية الشديدة لهذه القضية على مستقبل بلادنا، ونظراً لطبيعة النقاط الجوهرية التى تحدث فيها السيد الوزير فى هذا الشأن والتى تهم كل بيت فى مصر تقريباً، فقد رأيت- قارئى الكريم- أن أنقل إليك أهم ما جاء فى هذه التصريحات، والتى كان يخاطب فيها السيد الوزير أولياء الأمور عبر صفحة «تمرد على المناهج التعليمية» على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» والتى جاءت على النحو التالى:
«رأيت أن أكتب لكم هذه الكلمات لعلّى أوضح لكم بعض الأفكار، ونحصل جميعاً على قدر من الهدوء والتفكر فيما فيه مصلحة أولادنا جميعاً، فالنقاش وتبادل الآراء مختلف كثيراً عن الهجوم والشكوى والتظاهر والشتائم، وأود أن أقول لكل من يتشكك أن المهمة المطروحة هى إنقاذ التعليم المصرى مما وصل إليه عبر سنوات طويلة مما جعلنا فى مرتبة متأخرة عن دول كثيرة من حولنا».
وتابع الوزير قائلاً: «دعونا نتفق أن التعليم الحالى لا يحقق أهداف الدولة فى التنمية المستدامة، ولا يجهز جيلاً من الشباب القادر على المنافسة العالمية أو الالتحاق بسوق العمل.. دعونا نتفق أيضاً أن الهدف الأصلى من التعليم قبل الجامعى هو بناء إنسان قادر على التعلم ويمتلك شخصية متوازنة قادرة على بناء الرأى والعمل الجماعى واحترام الآخر والتفكير بمنهجية علمية، وأن سنوات التعليم الأساسى ما هى إلا تدريب لرحلة مليئة بالتعلم، ونطمح جميعاً إلى تزويد أولادنا بالأدوات التى تمنحهم فرصة لحياة أفضل، وتمنح بلدنا فرصة للتنافس فى عالم يتطور ويتغير كل يوم».
ثم قال: «لقد تغيرت أهدافنا فى مصر إلى رؤية التعليم كوسيلة للمرور إلى الجامعة عبر بوابة التنسيق، والتباهى بدخول أبنائنا إلى كليات القمة غير عابئين بما إذا كانوا تعلموا شيئاً أم لا! نتحدث عن البوكليت وجدول الامتحان ولا نتحدث عن التعلم، نتحدث عن التنسيق والعدالة المزمعة ولا نتحدث عن رغبات الطلاب أو قدراتهم أو البطالة أو مستوى الخريجين!.. أنا على يقين بأن كل الأمهات والآباء يهمهم مصلحة أولادهم، وأتفهم كل المخاوف التى تذكرونها بعد سنوات من فقدان الثقة عانينا منها جميعاً».
ثم طرح الوزير عدة تساؤلات مهمة قائلاً: «هل ترون أن المصلحة تتمركز فى الإصرار على نظام تقييم أثبت فشلاً واضحاً بكل المقاييس والتقارير والدراسات المحلية والدولية؟ هل ترون المصلحة فى نظام تنسيق يختار لأبنائنا ما يدرسونه حتى لو كان هذا مخالفاً لرغباتهم وقدراتهم؟ هل ترون المصلحة فى حرمان أولادكم من فرصة بناء الفكر والقدرة الحقيقية على التعلم وليست القدرة على اجتياز الثانوية العامة عن طريق التلقين والاسترجاع والغش؟ هل ترون أن مصر ومستقبلها تستفيد من تخفيف المناهج والتيرم المنتهى وتقصير العام الدراسى وتسهيل الامتحانات وتيسير الغش؟.. هل حقاً ترون أن التعليم فى مصر حالياً مجانى؟.. هل يرى كل منا المصلحة العامة أم نتحمس لمصلحتنا الشخصية فقط؟».
وٍاستطرد قائلاً: «إن التعليم مثل أى فرع من فروع المعرفة هو علم له مختصون فى كل مجالاته، والتطوير التعليمى فى كل دول العالم مهمة يقوم بها خبراء فى هذا المجال وليس مجالاً للتجارب كما يخشى البعض، كما أنه ليس شأنا لغير المختصين أن يقرروا ما ينبغى إضافته أو حذفه من المناهج والجداول والامتحانات.. أود أن أطمئنكم أننى أتابع ما تكتبونه بصدر رحب، فيما عدا التجريح والإهانة، ونعمل على بناء نظام تعليم يشرفكم ويضمن مستقبلاً أفضل لأبنائكم بالتعاون مع أساتذة أجلاء ومؤسسات مرموقة فى مجال التعليم والتعلم والمعرفة».
واختتم الوزير رسالته: «أتمنى أن أكون قد أوضحت بعض الأفكار، وأدعوكم إلى أن نتحاور فى هدوء، وأن تثقوا أن الهدف الأوحد لنا هو توفير تعليم حقيقى لأبنائنا، وهو السبيل الوحيد لمصر بأن تحقق أحلامها فى مستقبل أفضل».
.. انتهى كلام السيد الوزير حول رؤيته لإصلاح وتطوير التعليم فى مصر، والتى أرى أنها تستحق كل تقدير واحترام، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يعينه وفريق عمله على تحقيقها.. وأقول له ولكل من يعمل فى صمت وصبر بكل جد وإتقان: كنت فين من زمان؟.