استرجع اللواء فيليب زخارى، قائد اللواء 98 صواريخ دفاع جوى ببورسعيد، ذكرياته أثناء حرب 6 أكتوبر 1973 «العاشر من رمضان»، مؤكدا أنه رغم كونه مسيحيا، إلا أنه «صام» مع الجنود، لكى يكون قدوة لضباطه وجنوده.
وقال فى حوار لـ«المصرى اليوم»، إن وقت الحرب كان هناك فتوى بجواز الإفطار فى رمضان، لكن كل الضباط والجنود لم يعطوا الفتوى أى أهمية وأصروا على الصيام، وهو ما جعله يصوم معهم، مؤكدا أن الشرف وحق استعادة الأرض والثأر أبرز الدوافع التى أدت إلى الانتصار فى الحرب، وتحويل الهزيمة فى 1967 إلى نصر كبير.. وإلى نص الحوار:
■ ما موقعك وقت حرب 6 أكتوبر الموافق العاشر من رمضان؟
- كنت قائداً للواء 98 صواريخ دفاع جوى برتبة عقيد، كنت مسؤولاً عن عدة مهام منها توفير الحماية الجوية للقاعدة البحرية فى بورسعيد بما فيها من رصيف وقطع بحرية بحرية مكلفة بالقيام بأعمال تعرضية فى البحر والقاعدة بها مخازن ذخيرة وخلافة، وتوفير الحماية الجوية للتشكيلات البرية المكلفة بالهجوم والاستيلاء على النقاط القوية فى قطع بورفؤاد، ومنع العدو الجوى من الاستطلاع، ومنع العدو من اختراق عمق الدولة والمطارات والقواعد الجوية فى دلتا مصر، إسرائيل خصصت 15% من قواتها الجوية لبورسعيد وبورفؤاد، بالرغم من أنهم خصصوا 5% فقط من قواتهم الجوية للهجوم على المطارات والقواعد الجوية المصرية، ونفذوا على بورسعيد حوالى ألف طلعة جوية، واستوعبنا كل هذه الطلعات وكبدناهم خسائر ضخمة اعترف بها العدو والمجلات الأجنبية، كان ينفذ العدو غاراته يومياً بحوالى 90 طائرة، رغم أن عدد الصواريخ التى بحوزتنا لا تحتاج كل هذه الطلعات الجوية، ونفذ العدو 182 طلعة جوية فوق بورسعيد يوم 8 أكتوبر منهم 60% قوة ضاربة والباقى إعاقة وشوشرة واستطلاع نفذها فى 3 هجمات رئيسية، الأولى بقوة 20 طائرة ظهرت فى البحر فى العريش واستمرت فى التقدم بمحاذاة الساحل لمسافة أربعين كيلومترا، وعند بورسعيد أكملت طائرات العدو طريقها فاعتقدنا أنها ذاهبة لقصف مطارات المنصورة، وفجأة انخفضت طائرات العدو لمسافة قريبة من الأرض فأصبحت خارج الكشف الرادارى والإنذار بلغنا أن الهدف اختفى، واتضح أن العدو وصل غرب بورسعيد بمسافة 30 كيلومترا وانخفض بشكل كبير وعند اقترابه من الأهداف التى ضربها ارتفع بحوالى 5 كيلو مترات، وبدأ فى مهاجمة هذه الأهداف، كانوا يراوغون بطائرات حديثة عما كنا نملكه، لكننا واجهناهم بإمكانيات محدودة، وتفوقنا عليهم ببراعة وشجاعة المقاتل المصرى.
■ كيف تعاملتم مع هذه الهجمات؟
اشتبكنا معهم ونجحنا فى تنفيذ 10 اشتباكات ناجحة فى هذا اليوم، وإمكانياتنا كانت تقتصر على الاشتباك مع هدف واحد فى وقت واحد، عكس الصواريخ الجديدة الموجودة حالياً فى العالم التى يمكنها الاشتباك بـ 6 صورايخ فى وقت واحد، وفى يوم 8 أكتوبر نجح العدو فى عمل خسائر تسببت فى «اسكات اللواء» يعنى خسائر من 5- 10 %، وكان موقع الكتائب كان غارق بالقنابل التى لم تنفجر سواء القنابل الزمنية أو التى لم تنفجر لأسباب فنية، وضربنا العدو فى مركز القيادة بقنابل وزنها ألف رطل، واخترقت 2 متر رمل وفتت السقف الخرسانى لكنه لم ينكسر.
■ كيف عرفت وقت الحرب؟
- كنت أعلم أن هناك حربا يوم 6 أكتوبر، لكن لم نكن نعلم ساعة الصفر، والمعلومات التى لديَ ليست لدى الضباط الذين أعمل قائداً لهم، وكل مستوى لديه معلومة معينة على قدر منصبه، وفى الساعة الواحدة والنصف تم رفع درجة الاستعداد إلى الوضع رقم واحد لأغراض العمليات، كنا فى البداية نعين كتيبة خدمة لكن هذه الكتيبة دون الفتح على الهواء لا تسمح لقواعد الصواريخ أن تشع، والصواريخ على القاذف لا تنطلق إلا بالتحضير من 30 ثانية إلى دقيقتين، وعندما رفعت درجة الاستعداد، حضرنا الصواريخ للإطلاق الفورى، لأن الدقيقة تأخير فى إطلاق الصاروخ على الهدف تساوى تقدم الطائرة نحونا مسافة 20 كيلو متراً، نحن نتحدث عن إمكانيات مقاتلة «الفانتوم» الإسرائيلية، وفى تمام الساعة 2.35، مرت الطائرات المصرية من فوق رؤوسنا إلى الضفة الشرقية للقناة وقصفت النقاط الحصينة ومراكز عمليات العدو فى جبل أم خشيب ورأس العش.
■ ما شعورك وقت مرور الطائرات المصرية إلى شرق القناة؟
- أنا حاربت عام 1956، كنت ملازم أول، وفى 1967 كنت (رائد) قائداً لكتيبة مدفعية مضادة للطائرات، وعند أوامر الانسحاب من سيناء عدت سيراً على الأقدام لمدة 15 يوماً بقليل من الأكل والماء، وعندما وصلت قالوا لى خذ إجازة ورفضت وذهبت للواء الخاص بى فى القنطرة، وفى حرب أكتوبر أسقطنا أول طائرة معادية بعد بداية العمليات بساعتين، عنصر المفاجأة جعل العدو غير متزن وكل تصرفاته عبارة عن ردود فعل لتصرفاتنا، والعدو أراد منع جنودنا وقواتنا البرية من العبور إلى شرق القناة، فكان مضطراً للقدوم من الشمال الشرقى للدخول فوق القناة وهنا يضطر للدوران من فوق رؤوسنا من بور فؤاد والكتيبتان التابعتان لنا اشتبكتا معهم، وأسقطوا أول طائرة، صفقنا وهللنا، وأسقطت أنا 4 طائرات ومن شدة فرحتى أمرت نائبى بالجلوس لإسقاط طائرات وكذلك قلت لرئيس أركان اللواء «اقعد أنت كمان وقعلك كام طيارة أنا مش هاكل التورتة لوحدى».
■ هل كنتم صائمين وقت اندلاع الحرب؟
- كانت هناك فتوى بجواز إفطارنا قبل بدء الحرب بعدة أيام، لكن فى الحقيقة كل الضباط والجنود لم تعر الفتوى أى أهمية وكنا صائمين وأنا كمسيحى كنت صائماً، لكى أكون قدوة لضباطى وجنودى، وأتذكر فى يوم 8 أكتوبر قائد القطاع ببورسعيد أرسل لنا ضابطاً برتبة مقدم اسمه عزت السيد، أصبح فيما بعد محافظاً للوادى الجديد، وكنا تعرضنا لضربة كبيرة فى هذا اليوم، ولم تكن هناك فرصة لضباط وجنود «الميس» لطهى الطعام، وكان أمامى ساندويتش واحد، وسألته: فطرت ياعزت؟، قال لا، فأعطيت له نصف الساندويتش وتناولت النصف الآخر.
■ ما الذى يدفعك للصوم فى رمضان وأنتw ضابط مسيحى؟
- لم تكن سنة الحرب أول صيام لى، كنت قائد كتيبة ثم فوج ثم لواء دفاع جوى، وأنا مَثَل ورمز لا يصح أن أفطر وأشرب الشاى والقهوة والناس صائمة، ومحبتى لجنودى وضباطى عندما يعرفون أننى صائم وأصدر أمراً لواحد منهم لأى مهمة وهو يعلم أنه قد لا يعود مرة أخرى تجعله يتقبل المهمة دون مناقشة.
■ ما شكل العلاقة بين القادة والضباط والجنود وقت الحرب؟
- كنا أسرة واحدة، أتذكر قائد الجيش الثانى اللواء سعد الدين مأمون بعد اشتباكنا يوم 8 أكتوبر، أرسل لنا هدية عبارة عن 3 أقفاص بها «بونبونى» وسجائر، ووزعتها على الضباط فى مركز القيادة، بعد اشتباكاتنا ونجاحنا وإسقاطنا 8 طائرات يوم 11 أكتوبر، قائد الدفاع الجوى أرسل ضابطا برتبة عقيد من الشؤون المعنوية ومعه خطاب شكر عممناه على كل الكتائب، كما أن قائد قوات الدفاع الجوى أرسل لى ساعة، هدية، وقلت للضابط الذى أحضر لى الهدية من قائد القوات اذهب بها إلى الرائد منير عبدالحى، قائد الكتيبة 431، ولا تخبره أننى أمرتك بالذهاب إليه، وقل له إن قائد القوات أرسل لك هذه الهدية، وذلك لرفع الروح المعنوية لأن هذه الكتيبة تعرضت لضرب كبير من طائرات العدو.
■ ما الذى حول الهزيمة فى 1967 إلى نصر فى 1973؟
- (صمت طويلاً ثم قال بعد نفس عميق): الشرف، فى 1967 تعرضنا لظلم كبير، ولم تأتِ لنا الفرصة لنحارب، والخطة كانت موضوعة على حجم معين من القوات هى غير موجودة أصلاً، و50% من قواتنا كانت فى اليمن، واستدعوا الاحتياط، وشغلنا الثأر واستعادة الأرض، كنا «نغزل برجل حمار» فى ظل إمكانيات محدودة، تدربنا تدريبات أشبه بالانتحارية وسهرنا الليالى، كنا نشتاق للمعركة وكنا جاهزين للاشتباك طوال الـ 24 ساعة.