رويت لكم أمس أن حالى تبدل 180 درجة خلال مرحلة الشباب في نادى الزمالك بعدما اختارنى الجنرال محمود الجوهرى، وهو أعظم المدربين الذين تدربت تحت قيادتهم، وهو من المدربين الذين أثروا بشكل كبير في جيلى، وكان له دور كبير في فرض معنى الالتزام التكتيكى والتركيز في كرة القدم فقط وليس في أي شىء آخر.. وسيكون لنا حديث مطول عن هذه الشخصية التي لن تتكرر في ملاعبنا مرة أخرى، وأعود إلى الانقلاب الذي غيره الجوهرى في مشوارى.
فقد انقطعت عن تدريبات الزمالك أثناء تواجدى مع فريق الشباب تحت قيادة الكابتن مجدى شلبى بسبب عدم قناعته بإمكانياتى واستبعاده المستمر لى، وبعد أن تم تصعيدى للفريق الأول انضممت للمنتخب الأوليمبى، وذكرت لكم أيضا أن المدرب الرومانى «ستايكو» لم يكن مقتنعا بى، وكان الكابتن فاروق السيد المدرب العام وقتها يساندنى ويدعمنى بشكل كبير حتى شاركنا في بطولة الفرانكفون للدول الناطقة بالفرنسية، وقدمنا خلالها عروضا رائعا، وحصل أسامة نبيه على لقب هداف البطولة، وسجلت أهدافا مع المنتخب في هذه البطولة.. وفضلا عن أدائى المتميز فيها، وأثناء عودتنا إلى القاهرة جاءنى المدرب الرومانى «ستايكو» وجلس إلى جوارى وفوجئت به يقدم لى اعتذارا بسبب عدم قناعته بى في بداية معسكرات المنتخب الأوليمبى،
وقال لى حرفيا: «متزعلش منى أنا ظلمتك بس إنت لاعيب كويس وهيكون ليك مستقبل كبير»، وفرحت كثيرا أننى تمكنت من تغيير فكر مدرب أجنبى لم يكن مقتنعا بى في بداية الأمر وصار يثنى على أدائى، وهو أحد الدروس المستفادة للناشئين في الوقت الراهن.. فليس معنى أن يتم استبعادك بصفة شبه دائمة من فريق أو لا يكون المدرب مقتنعا بك أن تطلّق الكرة وتبعد عنها إذا كانت لديك الموهبة والإمكانيات الفنية التي تؤهلك لذلك، وعدت إلى الزمالك مرة أخرى عقب بطولة الفرانكفون، واستقبلنى الكابتن الجوهرى من جديد ليبدأ معى مرحلة مختلفة في تغيير فكر لاعب هاوٍ يمتلك إمكانيات فنية طيبة بعض الشىء إلى لاعب محترف.. فالجوهرى يهتم بأدق التفاصيل.. تعلمت منه كيف أكون لاعبا محترفا أو مدربا محترفا أو حتى إداريا محترفا.. فقد كان يتنفس كرة قدم، ولديه رؤية ثاقبة بعيدة المدى، وقام بالدفع بى في المباريات الودية في مركز رأس الحربة.
وكان من الصعب أن يعتمد علىّ في المباريات الرسمية، لوجود عدد كبير من نجوم الفريق والكرة المصرية في ذلك الوقت.. المهم أن الجوهرى لم يقل إننى لاعب صغير ولست أساسيا في الفريق، فليس هناك ما يدفعه للاهتمام بى وسط هذا الزخم الكبير من النجوم.. لكننى فوجئت به يبلغنى عقب إحدى المباريات الودية بأننى سأخضع للتدريبات في صالة «الجيم» في التاسعة صباحا من اليوم التالى.. وبالفعل، نفذت تعليماته، وحضرت في اليوم التالى إلى صالة «الجيم»، ففوجئت بالكابتن الجوهرى متواجدا قبلى في الموعد الذي حدده لى، فاعتقدت في بداية الأمر أن هناك عددا كبيرا من اللاعبين سيحضرون من أجل الخضوع للتدريبات تحت قيادة الجوهرى.. وتوجهت إلى الدكتور عمرو المطراوى إخصائى العلاج الطبيعى لأستفسر منه عن أسماء اللاعبين الذين سيحضرون معى مران اللياقة البدنية، ففوجئت بالمطراوى يبلغنى بأن المران يقتصر علىّ فقط، فكررت له سؤالى مرة أخرى: «من الذي سيحضر معى من اللاعبين؟!».. فقال لى:«يا بنى الكابتن جوهرى جايلك انت مخصوص».. فانتابنى القلق وارتبكت فكيف يحضر لى الجنرال محمود الجوهرى خصيصا من أجل أن يقود تدريبات بدنية للاعب صاعد؟!، فقد كان يمكنه أن يضع برنامج تدريب بدنى يقوم بتنفيذه الدكتور عمرو المطراوى ولا يحضر بنفسه.. وما الدافع الذي يجبر مدرب بحجم الجوهرى للاستيقاظ في الثامنة صباحا من أجل أن يقود تدريبا فرديا للاعب صاعد؟!.. فقد كان الجوهرى وقتها يقطن في منطقة مصر الجديدة، ومن ثم كان يستيقظ في الثامنة صباحا على الأقل حتى يحضر من مسكنه إلى ميت عقبة، ولم يكتف وقتها بذلك، بل كان يمسك بعضلات قدمى ويقوم بقياسها بنفسه ليتأكد أنها وصلت إلى القياس الذي يجعلنى أخوض مباريات كاملة.. وما علمته بعد ذلك أن الجوهرى كان يؤهلنى لأكون لاعبا دوليا دون أن أعرف، أو بمعنى أدق لم نكن نعلم أن القدر سيدفعنى لأتدرب تحت قيادته خلال إحدى الفترات المهمة في تاريخ المنتخب الوطنى، عندما تأهلنا إلى بطولة أمم أفريقيا التي أقيمت في بوركينا فاسو 98.
وسأروى لكم تفاصيل مثيرة خلال هذه البطولة والمواقف الطريفة التي تعرضنا لها والصعوبات التي واجهناها، وكيف كان الجوهرى يتصدى لها، وعقد معى الجنرال جلسة بعد مران «الجيم» قال لى خلالها يجب أن تركز في التدريبات ولا يشغلك شىء غير كرة القدم.. وهى كانت دروس مستفادة دفعتنى خلال مشوارى سواء مع الزمالك أو المنتخب الوطنى أو حتى في الاحتراف الخارجى، وهذا ما سنتحدث عنه غدا، وتحديدا في مرحلة أخرى كانت مهمة في حياتى، عندما تولى الهولندى ردو كرول المدير الفنى مهمة المنتخب الأوليمبى، فقد كانت مرحلة شاقة بدنيا وفنيا.. وسأروى لكم عندما عاقبنى كرول بالتدريب منفردا عقب أول مباراة لى معه وجمع اللاعبين ومنحهم تعليماته لكنه تحدث معى بشكل مفاجئ لم أتوقعه.
حلقة الغد:
«علاقتى برود كرول»