قبل يومين من شهر رمضان اتصلت بالشيخ محمد محمود الطبلاوى، شيخ القراء، لإجراء حوار معه، رحب الشيخ، ذهبت إلى منزله بميت عقبة في الموعد الذي حدده، صعدت مع زميلى في وحدة «المالتى ميديا» إلى الطابق الثانى حيث يسكن الشيخ، كان المنزل الذي يعيش فيه الشيخ عاديًا لا تبدو عليه أي مظاهر ثراء، عكس الصورة التي تخيلتها وأنا في الطريق إلى هناك.
جلسنا في صالون به أثاث متواضع، وعلى يمين الصالة برواز لصورة للشيخ في شبابه، ومن بعيد يأتى صوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد في الإذاعة يتلو القرآن الكريم.
أكد نقيب القراء في حواره مع «المصرى اليوم» أنه اعتزل قراءة القرآن، وأن مصر تجاهلته في الوقت الذي كرمته فيه العديد من الدول العربية والإسلامية، وقال «الطبلاوى» إنه لا يحب الاستماع إلى نفسه، وإن علاقته كانت جيدة بحكام مصر، وأشار إلى أن أول لقاء جمعه بالرئيس عبدالفتاح السيسى كان قبل توليه الرئاسة بعدة سنوات، وأن «الناس مش عارفة قيمة السيسى».. وإلى نص الحوار:
■ كيف كانت بداية رحلتك مع القرآن الكريم؟
- وُلدت في ميت عقبة بالجيزة عام 1934، حفظت القرآن الكريم في كتاب القرية وكان عمرى وقتها 9 سنوات، وقرأت في سن مبكرة بالمآتم والمناسبات المختلفة، إلى أن حققت الشهرة والانتشار، دخلت الكتاب بعد رؤيا أمى لجدى في المنام يخبرها أنها ستضع ولدًا، وسيكون حافظًا لكتاب الله، الرؤيا لم تكن السبب الوحيد في حفظى للقرآن، لكنها إرادة الله، ووالدى كان حريصًا على تعليمى، وكان يضربنى من أجل المواظبة على القراءة والتعلم.
■ لو لم تكن مقرئًا للقرآن ماذا كنت ستعمل؟
- (يضحك): كنت هاشتغل «صايع»، ثم يكمل: لم يكن لى هدف آخر غير أن أصبح قارئًا للقرآن، ولم أكن أطمح لعمل آخر، وهذه مهنتى منذ الصغر، ولم أتخيل نفسى أعمل في غيرها.
■ كرمت في أكثر من دولة عربية وإسلامية ماذا عن مصر؟
- أكبر تكريم بالنسبة لى هو حب الناس والاحتفاء بى في إذاعة القرآن الكريم التي أدخلتنى إلى كل بيت، لكن مصر تجاهلتنى ولم تكرمنى، وأنا أعتز بنفسى ولا أطلب شيئًا من أحد.
■ مصحفك المرتل لم تذعه الإذاعة حتى الآن لماذا؟
- المسؤول عن ذلك رئيس إذاعة القرآن الكريم، فرغم إذاعة المصحف المرتل في أكثر من دولة، إلا أن الأمر في مصر مختلف، عمومًا المصحف موجود لديهم، وأنا لن أسعى لدى المسؤولين كى يتدخلوا، ولا أحب أن أفعل ذلك.
* هل يعتزل القارئ في سن معينة؟
- نعم فلكل شخص نهاية، وعليه أن يعتزل عندها، وأنا اعتزلت قراءة القرآن حين وجدت نفسى غير قادر، وهذا أمر طبيعى.
■ ماذا قدمت خلال فترة توليك منصب نقيب قراء القرآن الكريم؟
- اللى ربنا بيقدرنى عليه باعمله، باحاول زيادة موارد النقابة لزيادة المعاشات، لأن أهل القرآن هم أهل الله، ومن يكرمهم يكرمه الله ومن يهينهم يهينه الله، ومعاش القارئ 40 جنيها، فهل هذا يليق؟، والمهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء السابق، وعدنى بزيادته لـ100 جنيه، لكن الزيادة لم تطبق حتى الآن، وأتمنى أن يتم اعتماد الزيادة في أقرب وقت.
■ ماذا عن أحوال القراء في مصر؟
- ليس جميعهم من ميسورى الحال، المشاهير فقط هم من يعيشون في مستوى جيد، أما الناس «اللى تحت» فأوضاعهم بائسة، والله لن يترك حفظة القرآن، والنقابة تعتمد على الاشتراكات الشهرية وبعض الأعضاء يتأخرون في دفعها.
■ هل مازالت مصر تحتفظ بمكانتها في تخريج مقرئين للقرآن؟
- نعم مازالت تحتفظ بمكانتها رغم كل الظروف، أنا تحدثت أكثر من مرة عن ضرورة زيادة رواتب المحفظين، وأن يصبح أقل راتب لهم 500 جنيه في الشهر، لكن ذلك لم يحدث، ولن يتفرغ أحد لتحفيظ القرآن إلا إذا كان لديه مورد ودخل ثابت يستطيع أن ينفق منه، كما أدعو إلى إعادة الكتاتيب مرة أخرى.
■ من يطربك من القراء؟
- يطربنى الشيخ منصور الدمنهورى، وهو من قراء الإذاعة لكنه غير مشهور، كما أننى أحب أن أستمع للشيخ عبدالباسط والشيخ مصطفى إسماعيل، وكامل يوسف البهتيمى، وعبدالعظيم زاهر، كلهم كانوا على خلق وأحب الاستماع لهم، وربطتنى بمعظمهم علاقات جيدة، وكان الشيخ عبدالباسط يأتى لزيارتى ونجلس سويًا نتحدث في شتى المواضيع، العلاقات كانت جيدة وطيبة، وكنا نتفق قبل القراءة على الوقت الذي سيقرؤه كل منا حين نكون في احتفال واحد.
■ هل يطربك الشيخ الطبلاوى؟
- يضحك.. لا أحب أن أستمع له.. ويكمل: أستمع لغيرى دائمًا، لأننى حينما أستمع إلى نفسى لا أكون راضيًا عن مستوى التلاوة في بعض الآيات، ولا أريد أن أشغل نفسى بذلك، لذك أفضل أن أستمع إلى غيرى.
■ لمن تستمع للمطربين؟
- أحب أم كلثوم وسعاد محمد، لكنى لا أستمع للمطربين الجدد ولا أعرفهم، وجيلنا تربى على الأصوات القوية الجميلة.
■ هل الجمهور يؤثر في مستوى تلاوتك؟
- بالطبع الجمهور عامل مهم للقارئ، ومستوى التلاوة يختلف أحيانًا ما بين الحفلات والقراءة في مسجد أو التسجيل في استوديو، الجمهور يدخلك أحيانًا في حالة تجعلك تسأل إذا استمعت إلى نفسك كيف قرأت بهذا الشكل؟.
■ هل تؤيد أم ترفض قراءة السيدات للقرآن؟
- في رأيى لما الرجالة يموتوا، الستات تقرأ قرآن، وأنا لا أرفض ولا أؤيد، والنقابة بها عضوات سيدات.
■ السيسى قال قبل توليه الرئاسة إنه يحب الاستماع إليك، هل التقيته بعد فوزه بالرئاسة؟
- التقيته في احتفالية ليلة القدر العام الماضى، ودعانى للإفطار معه هو ووزير الأوقاف، والسيسى راجل محترم وأهل دين، لكن لا يريد أحد ممن حوله مساعدته، وسبق لى أن قابلته قبل توليه الرئاسة، وعرفته قبل توليه الرئاسة بعدة سنوات حينما كان يصلى بالأزهر كأى مواطن، وأقول له «ربنا يعينك على الشيلة التقيلة».
■ ماذا تذكر لمبارك ومرسى؟
- التقيت بحسنى مبارك في أكثر من مناسبة، وفى عزاء ابن ابنه حدث موقف بينى وبين زكريا عزمى، لأنه كان راجل «هجاص» وأنا شتمته، والرئيس تدخل وأنصفنى وشتم زكريا عزمى بسببى، ومرسى غضب منى لأنى قلت له ذات مرة العاقل من اتعظ بغيره، علاقتى بحكام مصر كانت جيدة وجميعهم كانوا يحبوننى، وكنت أتعامل بعزة نفس، لا أحب السياسة لكنى احتفظت بعلاقات طيبة مع الكل.
■ هل طويت صفحة الخلاف بينك وبين الشيخ أحمد نعينع؟
- لا يوجد خلاف بينى وبينه، أنا اعترضت على عدم التزامه بالزى الأزهرى ورفعه للأذان الشيعى، مثلما اعترضت على غيره ممن رفعوا الأذان الشيعى ولا خلاف معه الآن.
■ البعض ينتقد حصول المقرئين على أجور عالية؟
- الأجر يكون على المجهود، لأن القرآن لا يقدر بثمن «وما فيش شيخ خبط على باب حد وقاله خدنى للقراءة عندك».
■ ماذا عن تجربتك قراءة القرآن داخل الكعبة؟
- تجربة أكثر من رائعة أتمنى تكرارها، إذ دعانى الملك خالد بن عبدالعزيز لقراءة القرآن داخل الكعبة، وصليت في كل ركن من أركان الكعبة، وأنا قارئ القرآن الوحيد الذي قرأ داخل الكعبة المشرفة، كما أعطونى قطعة كبيرة من كسوة الكعبة مازلت أحتفظ بها.
■ ماذا تقول لمحبيك بمناسبة شهر رمضان؟
- أهنئهم بقدوم شهر رمضان، وأدعو الله أن يكرمهم ويعيد عليهم الأيام بكل خير، وأتمنى أن يكرم الله السيسى وأن يكفيه شر المنافقين، ومن لا يعرفون قيمته، لأن «الناس مش عارفين قيمته»، وأنا التقيته العام الماضى وسألتقيه العام الحالى إن شاء الله، وسأقول له ربنا يعينك ويوفقك، لكن لن أطلب منه شيئًا شخصيًا.