سيوة فى رمضان: عبادات و«أشنجوط» و«تجدمت»

كتب: علي الشوكي الثلاثاء 30-05-2017 18:19

فى سيوة يكون لشهر رمضان استعداد خاص بين الأهالى، حيث يبلغ الطابع الدينى عليهم نظراً لارتباطهم بطريقتين دينيتين مشهورتين فى التصوف، وهما الطريقة المدنية للشيخ ظافر المدنى والطريقه السنوسية، وهما طريقتان يعتمد أهلهما على الكثير من الذكر وتلاوة القرآن والتواد والتراحم بين أهل كل من الطريقتين.

ويشبه استقبال أهالى سيوة لشهر رمضان استقبال الضيف العزيز، فترى الفتيات الصغيرات فى كل منزل يقمن بتنظيف البيوت من الداخل وتجهيز باحات المنزل لاستقبال الضيوف طوال الشهر الكريم، كما يقمن بتعليق «عراجين» البلح على الأبواب بشكل لافت احتفالا بقدوم شهر الخير.

ويتعرف أهالى سيوة على هلال الشهر الكريم الآن عن طريق الإعلام، بينما فى تراث الواحة، وقبل دخول الكهرباء إليها كان أهالى القبائل الشرقية والغربية بسيوة يجتمعون ويختارون فيما بينهم من هو أكثرهم حدة فى البصر ويتم إرساله لطلوع جبل الدكرور، وقديماً أيضا كان يتم طلوع من هو حاد النظر إلى أعلى جبل مدينة شالى القديمة، ومعه شخص يسمى القدوة وهو من يوثق فى كلامه بالصدق ومعروف عنه بين أهالى الواحة عدم الكذب ويصعدان إلى الجبل ومعهما ثالث من أهل الواحة ويضعون بجانبهم ما يشبه الإناء الكبير الذى يتم ملؤه بالماء ليرى فيه «مستطلع الهلال» شكل الهلال حين ينعكس على صفحة الماء فى الإناء، وحين يراه يقوم بالقرع على الطبل بشكل متواصل فيعلم أهل الواحة بقدوم الشهر الكريم ليبدأوا صومهم، ومن تقاليد النساء فى رمضان فى سيوة أنهن لا يخرجن من بيوتهن طيلة الشهر الفضيل.

تحضير مشروب الدفين

وفى سيوة، وعند منتصف شهر رمضان، يبدأ عدد من شباب الواحة فى الطواف على بيوت الواحة الشرقية والغربية بسيارة لجمع الزكاة، وحتى الفقراء الذين يعلم الأهالى حاجتهم إلى المال والطعام يقومون بإخراج شىء بسيط من المال يعبر عن مشاركتهم فى سيارة الزكاة، وكل بيت يقوم بتجهيز ما لديه من طعام وحبوب ولحوم وكل ما يجود به صاحب المنزل من مواد جافة يسهل حملها ونقلها بما يتناسب مع جو سيوة شديد الحرارة.

يؤكد محمد عمران جيرى، من شباب الباحثين فى التراث السيوى، أن أهل سيوة لا يفطرون إلا بعد صلاة التراويح إفطاراً خفيفاً، ويقومون فقط بشق ريقهم على الدفين والعصائر وشرب الشاى الزردة والصلاة من المغرب حتى انتهاء صلاه التراويح ثم يتناولون طعاما خفيفا، ولا يستطيع الأهالى أن يأكلوا إلا فى وجبة السحور لأنهم يعتقدون أن السحور هو الوجبة التى تساعدهم فى البقاء دون عطش أو جوع طيلة نهار الصوم.

وللتغلب على حرارة الجو يقوم الصائمون فى سيوة بشرب «الدفين» لتفادى العطش طوال اليوم، وهو مشروب طبيعى مكون من بلح سيوى يتم نقعه بالماء لمدة كافية ثم يتم هرسه بعصا خشبية، ويصب عليه الحليب وبعض الليمون حتى يحفظ الجسم من الإحساس بالعطش ويقدم بارداً بعد وضعه بالثلاجة لفترة مناسبة.

ولا ينتهى اليوم فى رمضان دون سماع الابتهالات الدينية فى سيوة من «المتحابين فى الله» من رواد مسجد سيدى سيلمان بوسط الواحة كل ليلة بعد صلاة التراويح، ولا تعرف رمضان فى سيوة دون أن ترى وتشاهد وتسمع طقوس المتحابين فى الله عند مسجد سيدى سيلمان، فى وسط الواحة حين يتحلقون فى دائرة بالقرب من ساحة المسجد الخارجية ويقومون بعدها بالابتهال والتواشيح وهم يمسكون بالـ«تجدمت» أو الدف باللهجة المصرية. وتستمر هذه التواشيح لمدة ساعة يومياً.

عادات خاصة فى موائد الإفطار

ومن الطقوس والعادات المهمة فى منتصف شهر رمضان بسيوة الاحتفاء بالصبية الذين نجحوا فى الصيام هذا العام للمرة الأولى، ويعد هذا عيداً لدى الصبية الصائمين الجدد ولا يفطرون فى بيوتهم إلا مرة واحدة فى الشهر، ولا يتسحرون أيضاً لكثرة العزومات من الأهل والأقارب بالفرحة بالصائم الجديد فى العائلة، وفى منتصف الشهر يتم إهداؤه «أشنجوط» باللهجة السيوية، ويعنى أكلة بط بالرقاق ومعها البيض المسلوق فوق وجه الصينية، كما يتم منح الصائم الجديد من صبية الواحة نقوداً توزع من الخال والعم والأشقاء على الصبية الذين يصومون لأول مرة.

أما أهالى جارة أم الصغير أو واحة الجارة فيتعرفون على هلال شهر رمضان من مرتادى الطريق الدولى بسيارتهم على طريق سيوة مطروح، خاصة عند منطقه تدعى «بير النص»، حيث كان يرسل أهالى الواحة قديماً واحداً منهم عند قرب حلول الشهر الكريم إلى منطقة بير النص التى تربط ما بين سيوة ومطروح وعندها توجد استراحة على الطريق يسأل مندوب واحة الجارة الموجودين بها عن هلال الشهر وينتظر حتى يتأكد من حلول هلال الشهر الفضيل ثم يعود ليخبر أهله الذين يسكنون على بعد حوالى 120 كيلومتراً جنوب الاستراحة الموجودة على طريق سيوة مطروح.

ويقسم أهالى الجارة شهر رمضان إلى 3 عشرات هى العشرة السريعة وهى العشر الأوائل من الشهر الكريم، والتى تمر بسرعة فى الالتزامات الاجتماعية، والعشرة المتوسطة وهى العشرة التى يحل فيها الشهر ويكون أهالى الواحة قد أخذوا على الطابع الرمضانى وجوه وجو السحور والإفطار، والعشرة البطيئة هى الأخيرة والتى يبدو أن تسميتها بهذا الاسم تعود لبطء ترقبهم للعيد أو لبطء الوقت انتظاراً له.