«الإسلام وأصول الحكم» كتاب أثار جدلاً واسعاً وتعرض مؤلفه، الشيخ على عبدالرازق، لعقاب سياسى وأزهرى، حيث فند منهجياً فكرة الخلافة، ورأى إن «الإسلام دعوة دينية إلى الله ومذهب من مذاهب الإصلاح لهذا النوع البشرى وهدايته.. هو وحدة دينية أراد الله بها أن يربط بين البشر أجمعين».
وحول «الخلافة والحكومة في التاريخ» فند ما يمكن وصفه سائداً بالفكر السياسى- الدينى، إذ أكد أن «الإسلام دعوة سامية أرسلها الله لخير هذا العالم كله، ولا فضل لأمة على أخرى إلا بالتقوى»، وأن الإسلام إذا كان قد انتشر زمن الرسول بين قبائل وشعوب متعددة، فإن الرسول لم يتعرض لشىء من سياسة تلك الأمم أو من أساليب الحكم عندها، بل ترك لكل أمة أن تدير شؤونها وفق عاداتها وتقاليدها ونظمها.
وعندما توفى النبى لم يسم خليفة من بعده، ولا أشار إلى من يجب أن يقوم مقامه، وهو في الأصل لم يشر في حياته إلى ما يسمى «دولة إسلامية أو دولة عربية»، مما يؤكد أن «زعامة النبى كانت زعامة دينية جاءت عن طريق الرسالة لا غير وقد انتهت الرسالة بموته فانتهت الزعامة.. فإن كان لابد من زعامة بين أتباع النبى، فإنما تلك زعامة جديدة غير التي عرفناها للرسول.. من نوع لا دينى».
وقال عبدالرازق إن لقب الخليفة خطأ تسرب إلى عامة المسلمين، فخيل إليهم أن الخلافة مركز دينى وهو أمر عززه السلاطين وروجوا له في سياق اتخاذ الدين درعا وسلاحا في أيديهم لحماية عروشهم وتشريع سلطانهم.
فالدين الإسلامى برىء من تلك الخلافة التي يتعارف عليها المسلمون، وبرىء من كل ما هيأوا حولها من رغبة ورهبة، وهذا الكتاب «الإسلام وأصول الحكم»، صدر عام 1925، وأثار صدى سياسياً وفكرياً، وكان مؤلفه الشيخ على عبدالرازق ابن المؤسسة الدينية الأساس في مصر والعالم الإسلامى، أي الأزهر، وقد رأى مؤلفه أن الكتاب يندرج تحت ما يمكن تسميته بـ«الإصلاح الدينى»، فهو يفصل بين الدين والدولة بوصفها منظومة قوانين وقواعد وسلطة لإدارة شؤون الناس.
وكان عبدالرازق بذلك محسوباً على تيار التنوير والتجديد، كما يرد الكتاب على نحو منهجى على مزاعم التيارات الأصولية وللحركات المتطرفة التي تعتبر أن مهمتها المركزية كانت وستبقى الاستيلاء على الدولة وإقامة (دولة الخلافة) أو الدولة الدينية.
وقد جاء كتاب على عبدالرازق في الربع الأول من القرن العشرين، وهى فترة زمنية كانت تشهد ختام مرحلة تاريخية في العالم العربى والإسلامى كانت أحد تجلياتها إلغاء مصطفى كمال في تركيا الخلافة الإسلامية وإقامة نظام جمهورى اعتمد فيه العلمانية التي تفصل بين الدين والدولة، كانت مصر الدولة الإسلامية الأكبر بعد تركيا والتى تضم المؤسسة الدينية الرسمية من خلال الأزهر، وكانت المؤسسة تعتبر نفسها قيمة على الدين الإسلامى بجميع شؤونه الدينية والدنيوية، كما كان موضوع عودة الخلافة أحد همومها واهتماماتها بما فيها الدعوة لإحيائها وتكريسها خارج موطنها الأخير في السلطنة العثمانية. تلاقت توجهات الأزهر مع طموحات الملك المصرى فؤاد، الذي كان يطمح لتعزيز موقعه بتنصيب نفسه «أمير المؤمنين» مجدداً إحياء الخلافة من مركزها الجديد في القاهرة، بما يجعل مصر زعيمة للعالم الإسلامى.
ومثل صدور كتاب عبدالرازق ضربة مزدوجة إلى البلاط الملكى وإلى المؤسسة الدينية من خلال ما أثاره حول الدين والدولة في الإسلام، خاصة أنه يؤكد أن الإسلام لم يقرر نظاماً معيناً للحكومة، ولم يفرض على المسلمين نظاماً سياسياً محدداً يحكمون بموجبه، بل على العكس، ترك الإسلام الحرية الكاملة للشعوب التي تلتزم به أن تحدد نظام حكمها انطلاقا من المحددات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية السائدة في زمنهم، في المقابل يحسم عبدالرازق بكون الخلافة ليست نظاما دينيا، مشيرا إلى أن القرآن لم يأمر بها أو حتى لم يتطرق بالإشارة إليها، ما يعنى أن الدين الإسلامى برىء كليا من نظام الخلافة.