وزارة استيراد.. وليست للصناعة!

عباس الطرابيلي الجمعة 26-05-2017 21:47

اليوم، المهندس حسين صبور، وهو من هو بين رجال الأعمال، يروى تجربة مريرة.. لو كانت قد تمت لكانت مصر «الآن» تنعم بوجود سيارة طيبة، تغطى احتياجات السوق المحلية.. بل وتقوم بالتصدير.. ولكن المافيا السرية لعبت لعبتها.. وتمكنت من قتل هذا الحلم الذى كنا نسبق فيه كوريا الجنوبية، التى تسيطر على 30٪ من حجم السيارات التى تجرى فى شوارعنا.. تعالوا نقرأ رسالة حسين بك صبور، ربما نتعلم منها، بعد أن ضاعت الفرصة.. تقول الرسالة:

«تتبعت ما قمتم بكتابته فى عمودكم (لكل المصريين) تحت عنوان (سيارة مصرية.. كلاكيت ثانى مرة) عن إنتاج سيارة مصرية وأود فى هذا الخصوص أن أسرد لكم ما دار منذ أكثر من عشرين عاماً عندما كان رئيس وزراء مصر هو كمال حسن على وكنت أنا رئيساً لمجلس الأعمال المصرى - الأمريكى، طرحت وزارة الصناعة بين عدة شركات إنتاج سيارات اختارتها من دول العالم ويناسب إنتاجها الظروف المصرية وعند تلقى العروض من هذه الشركات قامت شركة جنرال موتورز الأمريكية بتقديم دراسة بدلاً من أن تتقدم فى العطاء المطلوب بالصورة التى طلبتها وزارة الصناعة المصرية وكان ملخص دراسة الشركة كما يلى:

تحتاج مصر فى هذا الوقت من سيارات الركوب عدد 70 ألف سيارة فى السنة.

مصنع سيارات الركوب بشركة النصر لصناعة السيارات به 1200 عامل مصرى وبمعاينته من الشركة اتضح أن المعدات المركبة به تكفى لإنتاج 70 ألف سيارة سنوياً ماعدا كابينة دهان السيارة فهى تكفى فقط لـ50 ألف سيارة سنوياً، فإذا ما أضيف لها توسيع سعتها، فإن هذا المصنع يستطيع إنتاج كل احتياجات مصر فى هذا الوقت، خصوصاً أن عدد العمالة كاف لهذا الإنتاج (70 ألف سيارة سنوياً).

وأكبر إنتاج خرج من هذا المصنع حتى تاريخ المعاينة كان 23 ألف سيارة سنوياً وباقى احتياجات السوق المصرية كان يتم استيراده من ماركات مختلفة ومن دول مختلفة.

وكانت صناعة السيارات بهذا الأسلوب تمثل عبئاً كبيراً على الاقتصاد المصرى، حيث يتم استيراد أغلبية السيارات التى تحتاجها السوق المصرية بالإضافة إلى استيراد كل مكونات ما يتم تجميعه فى مصنع شركة النصر.

ولا يمكن بهذا الحجم من الإنتاج المطلوب للسوق المصرية أن تقوم صناعة كاملة لإنتاج السيارة، بالإضافة إلى أنه إذا زاد إنتاج هذا المصنع فإن قدرته على التصدير لن تكون سهلة فى بداية الإنتاج حتى يتكون لدى هذا الإنتاج سمعة جيدة تقبلها الأسواق الخارجية.

وصناعة السيارات صناعة تجميعية وأن موديل السيارة فى الغالب يتغير بشكل كامل كل 10 سنوات ومصانع إنتاج السيارات تقوم بتطوير السيارة تصميماً وتقوم بالتعاقد مع موردين معتمدين للمكونات لمدة 10 سنوات لحين تغيير موديل السيارة وتنتج فقط الموتور وجسم السيارة.

وعلى هذا الأساس كانت خطة شركة جنرال موتورز أن تقوم بالمشاركة مع شركة النصر وباستعمال معداتها وعمالها بعد إعادة تدريبهم وتوسيع طاقة كابينة الدهان لإنتاج 70 ألف سيارة سنوياً من هذا المصنع تغطى بالكامل احتياجات مصر، وفى هذه الحالة ستقوم شركة جنرال موتورز بإحضار صناع مكونات السيارة المعتمدين لديها للحضور إلى مصر وفتح مصانع إنتاج هذه المكونات بعدد يكفى لـ250 ألف سيارة سنوياً تحتاج منها مصر إلى مكونات 70 ألف سيارة وتصدر هذه المصانع باقى إنتاجها أى ما يكفى إنتاج 180 ألف سيارة تشتريها منها شركة جنرال موتورز لمصانعها فى أوروبا «فى إسبانيا وألمانيا» وفى نظير ذلك ستورد الشركة الموتور والجسم فقط لمصر وستصبح صناعة السيارات فى مصر موفرة للعملات الصعبة بينما هى الآن مستهلكة لما لدى مصر من هذه العملات.

وبعرض هذه الخطة على القيادات أعجبت بها لما فيها من تشغيل عمالة بالإضافة إلى توفير العملات الصعبة وتعميق للصناعة وأصدر مجلس الوزراء قراراً بالموافقة على ذلك.

ولكن البيروقراطية العميقة أفسدت هذا المشروع الذى كانت له فوائد جمة على الاقتصاد، وسوف يتبعها قيام صناعات أخرى مثل صناعة فرش السيارة وغيرها من تطوير مصانع مصرية قائمة ولا يمكن أن نغفل مصالح مستوردى باقى أنواع السيارات ومصالح مستوردى قطاع غيار السيارات الفيات التى كان يتم تجميعها فى مصنع شركة النصر وغيرهم كثيرون.

البلاد الأخرى مثل كوريا الجنوبية بدأت صناعة السيارات فيها بعد مصر والآن لها إنتاج وفير من ماركات مختلفة، ويكفينا حزناً أن سيارات كوريا الجنوبية تمثل 30٪ من سيارات الركوب التى تجرى على طرق مصر فى الوقت الذى ساءت فيه حالة مصنع شركة النصر وتوقف عن العمل».

حسين صبور

■ ■ تلك هى واحدة من المؤامرات التى نجحت فى قتل حلم السيارة المصرية.. وإذا بحثنا عن المستفيد.. فلن نجد إلا المافيا التى تتحكم فى كل حياتنا، وليس فقط فى تحقيق حلم السيارة الذى بدأ من النصف الأول للخمسينيات مع السيارة رمسيس.. فهل نحن إلى هذا الحد نضع مصيرنا فى يد مافيا المستوردين؟!

■ ■ نعم نحن كذلك. ربما لأننا «نستسهل» الأمور.. ولا نريد أن نُتعب أنفسنا.. ونعرق - بعض العرق - ولذلك تجرى فى شوارعنا سيارات من كل دول العالم.. إلا سيارة صنعت فى مصر.. أو على الأقل تم صنع نصف هذه السيارة.

■ ■ ولكننا لا نتعلم.. ويبدو ذلك حتى من اسم الوزارة، التى تؤمن بالتجارة.. وتجعل الصناعة درجة ثانية، واسمها الرسمى يؤكد ذلك، فهل هى - أيضاً - وزارة استيراد.. وليست وزارة صناعة؟!