ما إن أتى الرئيس الفلسطينى محمود عباس (أبومازن) فى كلمته أمام الجمعية العامة، على ذكر «دقت ساعة الربيع الفلسطينى»، حتى تكدست السحب فى سماء نيويورك وهطلت الأمطار بغزارة، معلنة بداية مبكرة لشتاء سياسى قاسٍ ينتظر عملية السلام.
أنهى عباس كلمته، التى خلفت أثرا قويا لدى غالبية الحاضرين، من فلسطينيين وعرب وأفارقة وآسيويين وأجانب، ثم غادر من فوره الولايات المتحدة «محبطا»، رغم استحواذه على إعجابهم وتعاطفهم وترحيبهم بوقفة مطولة وتصفيق حار متواصل غير مسبوق لنظرائه فى الجمعية العامة. وبحسب مصدر مقرب من الوفد الدبلوماسى الفلسطينى، فإن أبومازن يشعر بإحباط شديد من موقف الرئيس الأمريكى باراك أوباما وعدم مساندته له وانحيازه الصارخ لإسرائيل.
من ذات المنصة الرخامية المرمرية بلون الزيتون، التى ألقى عليها الزعيم الراحل ياسر عرفات خطابه الشهير عام 1974، وقف عباس فى 2011 يذكّر العالم بعد 37 عاما، بأن الفلسطينيين مازالوا يتمسكون بـ«غصن الزيتون».
ووسط استقبال حافل، لاسيما من الشرفة العلوية التى سُمح فيها بحضور عدد من أبناء الجالية الفلسطينية، ألقى أبومازن كلمة تاريخية، فى الدورة الـ 66 للجمعية العامة، أعادت للأذهان كلمة «أبوعمار» التى ألقاها فى المكان نفسه، بعدما دعته الأمم المتحدة احتفاء بقرار المجلس الوطنى الفلسطينى بقبول حل التسوية.
آنذاك، انضمت منظمة التحرير إلى الأمم المتحدة، كمنظمة تحمل صفة «مراقب»، وهو ما يسعى الفلسطينيون الآن إلى تعزيزه من منظمة إلى «دولة» تحمل صفة مراقب. لكن أبومازن شدد فى خطابه على أن منظمة التحرير ستبقى هى الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى لحين حل جميع قضايا الوضع النهائى.
وفى حين كتب الشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش خطاب عرفات عام 1974، اشترك كل من نبيل شعث ، عضو مركزية «فتح»، وياسر عبدربه، عضو تنفيذية منظمة التحرير، وأكرم هنية، المستشار السياسى لأبومازن فى خطاب 2011. وفى حين أخلت إسرائيل مقاعدها أثناء كلمة عرفات، اكتفت فى كلمة عباس بتمثيل دبلوماسى ضعيف، غاب عنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
بالأمس، وقف عرفات ومن خلفه الرئيس الجزائرى حاليا عبدالعزيز بوتفلقة، رئيسا للجمعية العامة للدورة الـ 29 للجمعية العامة. واليوم وقف أبومازن ومن خلفه القطرى ناصر عبدالعزيز النصر، رئيسا للدورة الـ 66 للجمعية.
واتسمت الأجواء فى الشرفة العلوية بحماسة شديدة بين الفلسطينيين، لم تخل من توتر مع باقى الحضور المتعاطف مع إسرائيل. ووصل هذا الحماس لذروته عندما اقتبس أبومازن بيتا من شعر محمود درويش «واقفون هنا. قاعدون هنا. دائمون هنا. خالدون هنا. ولنا هدف واحد، واحد، واحد، أن نكون.. وسنكون». هنا قفز الكثيرون من مقاعدهم لتضج القاعة بالتصفيق المتواصل. ومع الفلسطينيين والعرب، أبدى الكثيرون من الأفارقة والآسيويين حماسة شديدة، وسط نظرات فاترة من الجانب الآخر من الحضور.