إذا لم يكن للفلسطينيين أن يحصلوا على العضوية الكاملة فى مجلس الأمن كما هو محسوم سلفا، فإنهم على الأقل نجحوا فى تحقيق مكسب يرونه كبيرا. فلأول مرة منذ مؤتمر أنابوليس للسلام الذى استضافته الولايات المتحدة الأمريكية فى خريف 2007، تعود القضية الفلسطينية للأضواء لتتصدر أجندة الاهتمام الدولى وأولويات المتحدثين. ورغم كم الفعاليات التى يزدحم بها برنامج الدورة الـ 66 للجمعية العامة فى الأمم المتحدة، يحظى وجود الوفد الفلسطينى والأطراف المعنية بعملية السلام، بحضور طاغ واهتمام جميع وسائل الإعلام العربية والأجنبية على حد سواء.
فمع تطورات منطقة الشرق الأوسط التى طرأت على أكثر من بلد، ومع حديث الربيع العربى بكل تداعياته على مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن، يبقى الفلسطينيون هم نجوم الدورة الـ 66 بلا منازع.لا حديث للأوساط السياسية والإعلامية هنا فى نيويورك إلا مقابلات اللحظة الأخيرة التى يجريها الرئيس الفلسطينى محمود عباس (أبومازن) بالرئيس الأمريكى باراك أوباما، أو بغريمه الإسرائيلى بنيامين نتنياهو.
ومازال الوسيط الفرنسى يريد أن تلعب بلاده دورا حيويا فى المباحثات الفلسطينية الجارية قبل تقديم الطلب الرسمى للأمم المتحدة اليوم (الجمعة) بالحصول على العضوية الكاملة فى المنظمة الدولية. وحتى اللحظات الأخيرة قبل إلقاء كلمته فى الجمعية العامة أمس الأول، التقى الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى نظيره الفلسطينى محمود عباس (أبومازن). وأكدت مصادر مقربة من الوفد الدبلوماسى الفلسطينى فى نيويورك أن ساركوزى حاول إثناء عباس عن التوجه إلى مجلس الأمن مقابل ضمان دعم 150 – 160 صوتاً فى الجمعية العامة لتتحول صفة فلسطين من «منظمة غير عضو» إلى «دولة غير عضو»، على أن تستأنف المفاوضات المباشرة على أساس 67 فوراً.
ويعد حصول الفلسطينيين على قبول الجمعية بـ «دولة» فلسطين أمراً مسلماً به، لكن المصدر أكد أن نسبة الأصوات المؤيدة تعد مقياسا مهماً لا يمكن إغفاله، وهو ما لعب عليه ساركوزى لإقناع عباس. إلا أن الرئيس الفلسطينى رفض العرض الفرنسى، معتبرا أنه «جاء متأخرا جدا» وأنه لا يمكن الرجوع عما أعلنه قبل أيام من اللجوء إلى مجلس الأمن.
وعن كواليس لقاء ساركوزى وأبومازن، أضاف المصدر أن الرئيس الفرنسى اضطر أمام تمسك عباس بموقفه إلى التأكيد على أن الفلسطينيين يستحقون الدعم الفرنسى كى تكون لهم دولة. كما أكد أنه سيطلق مبادرة دعم مهمة لاستئناف مفاوضات السلام الثنائية، بعد تقديم منظمة التحرير طلب الحصول على العضوية فى الأمم المتحدة.
ويعقد أعضاء الوفد الفلسطينى، المرافق للرئيس أبومازن، لقاءات متواصلة مع أطراف عربية ودولية على هامش اجتماعات القمة الرسمية، التى تجرى بدورها على هامش أعمال الجمعية العامة. ويضم الوفد كبار مفاوضى السلطة والمنظمة وعلى رأسهم صائب عريقات وحنان عشراوى، عضوا اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وياسر عبدربه، أمين سر اللجنة التنفيذية، ونبيل أبوردينة، الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، وعزام الأحمد ونبيل شعث ومحمد أشتيه، أعضاء اللجنة المركزية لحركة التحرير الفلسطينى (فتح).
وعلق المصدر على الموقف الفرنسى والمساعى الدولية الأخرى مع أعضاء الوفد بأن «الفلسطينيين نجحوا فى العودة إلى دائرة الضوء من جديد بهذه الخطوة». وقال «نحن غلابة، لم نؤسس دولة بعد، ومع ذلك ها هم قادة العالم يسعون للتفاوض معنا وإطلاق المبادرات من أجلنا». وأعرب المصدر عن قناعته بأن الرئيس الفلسطينى «ذكى فى تلك الخطوة، بعكس ما يتصور البعض»، مشيرا إلى أن «القضية الفلسطينية عادت إلى أولويات الأجندة الدولية».
وعن سيناريوهات ما بعد مجلس الأمن، قال المصدر «نعلم أننا سنخسر فى المجلس، لكننا سنكسب تعاطفا دوليا. الشارع العربى لن يسكت. والمحافل العربية ستسجل نقطة جديدة للانحياز الأمريكى لإسرائيل. هذه قرصة أذن لأمريكا، وأبومازن ذكى فى إصراره على رفع الأمر لمجلس الأمن».
أضاف المصدر: بعد رفض المجلس لقبول عضوية دولة فلسطين، ستخير منظمة التحرير المجتمع الدولى بين 3 احتمالات، إما الرجوع إلى الجمعية العامة، أو استئناف المفاوضات على أساس حدود 67، أو تسليم مفاتيح السلطة إلى إسرائيل، وهو الخيار الذى سيسبب لها ذعرا لأنها لا تريد تحمل مسؤولية «احتلالها» للأراضى الفلسطينية.
يذكر أن محاولات حثيثة جرت على مدار الأيام الماضية للحول دون توجه الرئيس عباس إلى مجلس الأمن. وفى حين استبعدت الأوساط السياسية أى لقاء محتمل بين الرئيس الأمريكى باراك أوباما وأبو مازن، أعلن مساء أمس الأول عن تحديد موعد بينهما فى اليوم التالى بعد ساعات من استقبال أوباما رئيس الوزراء الإسرائيلى بينيامين نتنياهو، رغم التوتر الشديد القائم بين الطرفين الفلسطينى والأمريكى.
وسعت الولايات المتحدة، عبر أطراف عدة، بينها جهات عربية، إلى التوسط من أجل منع الخطوة الفلسطينية. وفى مؤتمر صحفى، أقر نبيل شعث، عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، بأن ضغوطا كثيرة تمارس على الفلسطينيين. وردا على سؤال لـ«المصرى اليوم»، قال «رغم هذه الضغوط لن نبيع الأرض مقابل حفنة دولارات»، فى إشارة إلى التلويح الأمريكى بقطع المعونات. لكن شعث امتنع عن تسمية أى دول عربية، محتمل أن تكون قد مارست هذه الضغوط بواعز أمريكى، قائلا «دولة واحدة فقط هى التى تحرك كل هذه الضغوط والكل يعرفها»، فى إشارة إلى واشنطن.