قال محمد الأتربى، رئيس بنك مصر، ثانى أكبر البنوك الحكومية العاملة بالسوق المحلية، إن تحرير سعر الصرف قرار تاريخى، لكنه تأخر كثيرا، مؤكدا أنه يدل على شجاعة المسؤولين.
وأضاف الأتربى، فى حوار لـ«المصرى اليوم»، أن برامج الحماية الاجتماعية لمواجهة التأثيرات السلبية للقرارات والإجراءات الاقتصادية الأخيرة غير كافية، ودعا لتعزيز دور المجتمع المدنى فى حماية الفقراء ومتوسطى ومحدودى الدخل.
وأوضح رئيس بنك مصر أن المؤشرات الإيجابية بدأت فى الظهور، وشدد على ضرورة التحول للدعم النقدى لضمان وصوله لمستحقيه، مؤكدا الإقبال من المستثمرين العرب والأجانب على السوق المصرية مجددا، لافتا إلى تأجيل طرح السندات الدولية.
وتوقع الأتربى انخفاض معدلات التضخم قريبا، وكشف عن صندوق لدعم المشاريع الصغيرة باستثمارات عالمية ومشاركة مصرفية، وقال إن إجراءات طرح بنك القاهرة سرية، لافتا إلى عدم توقف البنوك عن تمويل جهات حكومية عقب التعويم، وكشف عن قروض خارجية لبنك مصر بقيمة 700 مليون دولار من بنك التنمية الأفريقى وبنك صينى.. وإلى نص الحوار:
■ فى البداية ما تقييمك لقرار تحرير سعر الصرف «تعويم الجنيه»؟
- رغم تأخر القرار كثيرا، فهو تاريخى، وكان لابد أن يتم منذ فترة، وأرى أنه يدل على شجاعة القائمين على البنك المركزى، والحكومة، فقد كانت هناك مباركة من رئيس الجمهورية لاتخاذ القرار مع الإجراءات الحكومية الأخيرة.
قبل التعويم كان نحو 90% من التحويلات للمصريين بالخارج تتم خارج القطاع المصرفى، وبالتالى كان هناك شبه توقف عن تلبية قطاعات عديدة لطلبات احتياجات الموارد الدولارية، سواء لفتح اعتمادات مستندية لمصانع أو استيراد بسبب عدم توافر العملات الأجنبية، وهو ما أضعف قدرة البنوك على تلبية طلبات فتح الاعتمادات أو الاستيراد، وكانت هناك إشادات للعديد من المؤسسات العالمية بالقرار، ومنها بلومبرج، موديز، فيتش، ميرل لينش، صندوق النقد الدولى، وغيرها من المؤسسات المالية والتمويلية الإقليمية، وفائدة هذا القرار تكمن فى دخول حصيلة النقد الأجنبى للبنوك بكثافة من خلال التنازلات من العملاء، حيث قاربنا على 100% من الموارد تدخل القطاع المصرفى.
كما أن البنك المركزى أصبح لا يتدخل فى تحديد سعرالصرف، وتركه عقب التعويم بشكل كامل للبنوك لتحديده، وفقا لآليات العرض والطلب، حيث أصبح القطاع المصرفى اللاعب الرئيسى فى تحديد سعر العملة الأجنبية، وكان هناك تفاوت فى السعر عقب القرار يبلغ نحو جنيه، لكن الفروقات حاليا بين البنوك، وأبرزها الأهلى المصرى، ومصر، لا تتجاوز 10 إلى 20 قرشا، وأصبحت أسعار البنوك متقاربة وغير متفاوتة.
ومن بين آثار التعويم أيضا عدم وجود قوائم انتظار، سواء لتمويل استيراد سلع أساسية أو غير أساسية، كما ساهم القرار فى زيادة حصيلة الاحتياطى الأجنبى إلى نحو 28.5 مليار دولار، مقابل 14 مليارا فى السابق.
■ هل توقفت البنوك عن تمويل الجهات الحكومية مؤخرا كنوع من الاحتراز عقب التعويم؟
- غير صحيح على الإطلاق، بدليل أن البنوك مستمرة فى تمويل جميع الجهات الحكومية، من خلال القروض المشتركة، ومنها الكهرباء مثلا.
■ ما نصيب البنك فى تمويل الاستيراد وحجم التنازلات عن الدولار منذ قرار تحرير سعر الصرف؟
- فتحنا اعتمادات مستندية لتمويل عمليات استيرادية، منذ قرار تحرير سعر الصرف فى نوفمبر الماضى، بنحو 4 مليارات دولار، فضلا عن أن الحصيلة الدولارية كانت قبل التعويم تتراوح بين 500 ألف ومليون دولار فقط يوميا، بينما زادت التنازلات عقب القرارمباشرة حيث شهدت فى بعض الأيام 60 و70 مليون دولار، وحاليا تتراوح بين 20 و30 مليون دولار يوميا، وبالتالى لا يوجد توقف عن تمويل أى عميل فى بنك مصر، سواء لمستوردى السلع الأساسية أو غير الأساسية.
■ وهل ساهم القرار فى عودة الأموال الساخنة والاستثمار الأجنبى للسوق المحلية من الخارج؟
- بدأت الأموال الساخنة والمستثمرون الأجانب فى الدخول مجددا للاستثمار فى السوق المحلية مؤخرا سواء فى شراء أذون وسندات الخزانة أو البورصة، بينما كانت ترفض الدخول فى ظل وجود سعرين للدولار، وسوق سوداء فى السابق.
كما شهدت البورصة ارتفاعات غير مسبوقة بسبب قرار تعويم الجنيه، والإجراءات الجريئة التى اتخذتها الحكومة، وهناك اهتمام متزايد لدخول المستثمرين الأجانب والشركات للاستثمار فى مصر.
■ وما مؤشرات ذلك؟
- نشعر بذلك فى السوق، حيث إن هناك اهتماما من المستثمرين العرب والأجانب، وإقبالا على شراء حصص فى شركات حكومية ليست مرتبطة بنشاط البنوك، دون أن أذكرها، ولا يطلق هذا على بنك مصر فقط.
■ كيف ترى شكاوى بعض المستوردين من عدم تلبية طلبات فتح الاعتمادات؟
- لا يوجد قوائم انتظار لدى البنوك، وموارد النقد الأجنبى أصبحت متوفرة بالسوق، مقارنة بما قبل التعويم.
■ ألا ترى أن هناك زيادة فى سعر الدولار؟
- كان هناك تراجع فى الحصيلة لعدة أسباب بعد الثورة، منها تراجع عائدات السياحة بعدما كانت تحقق 11 مليار دولار قبل الثورة، أصبحت تحقق العام السابق 3.3 مليار دولار، كما توحش الاستيراد إلى معدلات كبيرة فى الفترة السابقة، وانخفضت معدلات التصدير إلى 19 مليار دولار، مقابل 24 مليارا فى السابق.
■ وهل هناك مؤشرات إيجابية فى الأفق عقب القرارات والإجراءات الحكومية الأخيرة؟
- هناك مؤشرات إيجابية، منها زيادة الصادرات، وتراجع الواردات، وكلها عوامل تسهم فى خفض عجز الميزان التجارى، وتحسين الحساب الجارى وبلغ عجز ميزان المدفوعات لنحو 20 مليار دولار، ولولا القرارات الحكومية الأخيرة لكانت التكلفة أصعب فى الفترة المقبلة، وكان لابد من اتخاذها.
■ ولكن الآثار السلبية أعمق على الطبقات الفقيرة وهناك شكوى من تراجع مستويات المعيشة!
- بالتاكيد هذه القرارات لها آثار جانبية وسلبية على محدودى ومتوسطى الدخل والفقراء، ولهذا لابد من برامج حكومية للحماية الاجتماعية، ولكنها ليست كافية من جانب الحكومة وحدها ولابد من مشاركة المجتمع المدنى لدعم الطبقات المحتاجة، وأعتقد أن القطاع المصرفى يقوم بدور أكثر من ممتاز فى المسؤولية المجتمعية.
وبنك مصر أنفق فى خلال هذا العام الذى بدأ يوليو الماضى نحو 380 مليون جنيه فى المسؤولية المجتمعية، عن طريق التبرع لتطوير العشوائيات والصحة والتعليم، ولدينا دور وطنى لنرفع عن كاهل الشعب المعاناة، ونعتبر هذا جزءا من الضريبة وتكلفة الإصلاح، ولأول مرة نجد حكومة ورئيسا جريئا يتخذ قرارا بإلغاء الدعم تدريجيا، بهدف توجيهه لمستحقيه.
■ هل تتفق مع التحول إلى الدعم النقدى؟
- أرى أن الدعم النقدى أحسن وسيلة لسداده، وإلغاء الدعم كاملا عن جميع القطاعات على فترات، ولكن لابد أن يتم تحديد قاعدة بيانات جيدة لتحديد مستحقى الدعم، بالمبالغ، وأتوقع أن نتجاوز الأزمات خلال عام 2017، ومؤشرات المستقبل جيدة لأنك أنفقت فى البنية التحتية والطاقة وكان هناك مشكلة فى جذب استثمارات فى ظل عدم توافر الطاقة وبنية تحتية، وجارٍ الآن العمل على إصدار قانون الاستثمار الجديد، ولن يقوم البلد بدون صناعة أو زراعة والمستثمر الأجنبى يخلق فرص عمل وعملة أجنبية، ويستبدل المنتج المستورد بالمحلى لهذا هناك اهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
■ ما الذى تحقق فى مبادرة البنك المركزى لدعم وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة؟
- وفقا للمبادرة كل بنك يعمل بالسوق المحلية مطالب بتخصيص 20% من محفظته الائتمانية لتمويل قطاع المشروعات الصغيرة، خلال 4 سنوات، وتم رصد 200 مليار جنيه، وأتوقع زيادة هذا الرقم، والبنوك تعى ذلك جيدا، ولابد من العمل على دمج الاقتصاد غير الرسمى وخلق فرص عمل للشباب الذين يمثلون 60% من المجتمع ودعم هذا القطاع الحيوى يسهم فى زيادة الإنتاج المحلى، بدلا من الأجنبى.
■ هل صحيح أن البعض أساء استخدام المبادرة من رجال الأعمال؟
- لم يحدث، ولكن قد يكون هناك حالات فردية، لكن الأساس لتمويل هذه المشاريع للشباب، ولدينا تجربة فى البنك مبادرة مشروعك مع وزارة التنمية المحلية، حيث تم إنفاق مليار و300 مليون جنيه قروضا، ونسبة السداد ممتازة فى 27 محافظة، وسيتم إطلاق حملة إعلانية على مبادرة مشروعك للاتجاه للمشروعات الخاصة، بدلا من انتظار الوظيفة الحكومية، ويشارك فى المبادرة 5 بنوك هى الأهلى المصرى، البنك الزراعى، مصر، القاهرة، والتعمير والإسكان، ومساهمة البنك فى صندوق لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، يتم إدارته من خلال متخصصين فى هذا القطاع.
■ وكم يبلغ حجم رأسمال الصندوق؟
- ينتظر أن يساهم فى الصندوق الجديد مؤسسات عالمية، ونساهم فيه، وهو صندوق يديره متخصصون فى المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ولكن رأسماله لم يتحدد بعد، لكن البنك يستهدف الوصول بتمويل هذا القطاع إلى 30 مليار جنيه، خلال 4 سنوات، مقابل 4 مليارات استفادة البنك من مبادرة المركزى فى هذا الشأن حتى الآن.
■ لماذا لا تفضل البنوك تمويل المشروعات الصغيرة رغم أنها أكثر القطاعات التزاما فى السداد؟
- على العكس تماما نجد دراسة المشروعات الصغيرة أخف، وهناك تسهيلات مقدمة للقطاع من جانب البنك المركزى، منها إعفاء البنوك من نسبة الاحتياطى الإلزامى 5%، وهو ما يحقق هامش ربح، فضلا عن تشجيع المشاريع المتوسطة بسعر فائدة 12%، و7% لمستوردى المعدات بحد أقصى 20 مليون جنيه، لكن المشروعات الصغيرة تواجه مشكلة الشمول المالى.
■ هل صحيح هناك تراجع فى عدد المتعاملين مع البنوك؟
- عدد المتعاملين مع البنك لا يتجاوز 15% من المواطنين، وهذا أحد أسباب الاقتصاد غير الرسمى، لهذا هناك مبادرة للبنك المركزى للشمول المالى، وتشجيع الخدمات والمالية والمصرفية وتغيير ثقافة المواطنين لزيادة عدد العملاء، فقراء أو مهمشين وفتح الحسابات والفروع الصغيرة بالنجوع والقرى، ولدينا 580 فرعا، ونهدف إلى زيادتها إلى 875 فرعا خلال 3 سنوات، منها 225 فرعا صغيرا، فنحن نحتاج إلى تغيير ثقافة التعامل مع البنوك.
وهناك مبادرة التمويل العقارى لمحدودى الدخل التى أطلقها البنك المركزى ضمن خطته للشمول المالى 5% و7 % لمحدودى الدخل، و8% لمتوسطى الدخل و10.5 %، والبنك المركزى يدعم هذه الأسعار.
■ كيف ترى دور المجلس القومى للمدفوعات؟
- تشكيله مهم جدا، لاسيما مع الاهتمام بوسائل الدفع الإلكترونى لتقليل الفساد ودمج الاقتصاد غير الرسمى وتحقيق الشفافية والإفصاح، حيث يتعدى الاقتصاد غير الرسمى 70% من الناتج المحلى والاندماج يعنى تحسن جميع المؤشرات الاقتصادية، سواء نسبة الدين أو عجز الموازنة، وهناك اهتمام من جانب الحكومة بالتحديات التى تواجه البلد، والمستقبل جيد فى ظل اكتشافات الغاز، ووزير المالية قال إن العجز يقل عن 10%، وكلها مؤشرات واهتمام إيجابى بتحسن المؤشرات، لذلك من المهم ضم الاقتصاد غير الرسمى لزيادة الإيرادات، فالمشكلة فى عجز الموازنة.
■ قيل إنه لابد من اتخاذ إجراءات حماية قبل التعويم؟
- فى السوق غير الرسمية كان الدولار وصل إلى 18 جنيها، ولو استمر الوضع ما دخل الدولار القطاع المصرفى، ولانصرف المستثمرون، وما استطعنا تلبية احتياجات العملاء.
■ لماذا يحصل بنك مصر على قروض خارجية حاليا؟
- لدينا استثمارات، ولابد أن يكون البنك لديه استعدادات لتغطية طلبات الاستثمار الأجنبى والتسليف للمشاريع بالعملة الأجنبية، وفى ظل عجز موارد البنوك من العملة الأجنبية، لابد من إيجاد بديل، ولطالما توافرت قروض بأسعار مميزة وبآجال طويلة.
■ هل هناك قروض جديدة؟
- يجرى الاتفاق حاليا على قرض من بنك التنمية الأفريقى، وبنك صينى للحصول على قروض فى حدود 700 مليون دولار.
■ هل طرح السندات الدولية فكرة مازالت قائمة؟
- السندات فكرة موجودة، ولكنها مؤجلة حاليا لحين التجهيز لها، لأن القروض المشتركة أو المدبرة من الخارج أسرع من السندات الدولية والتى تعدت أيضا إحدى أدواتنا.
■ ما خطط البنك التوسعية بالخارج؟
- نخطط للتوسع خارجيا، حيث تم فتح مكتب تمثيل للبنك فى مدينة جوانزو الصينية مؤخرا، نظرا لحجم التبادل التجارى بين البلدين، كما نسعى إلى فتح مكتب تمثيل فى روسيا نهاية الشهر الجارى أو الشهر المقبل، ونبحث أيضا افتتاح مكتب تمثيل فى كوريا وكينيا وساحل العاج للتواجد فى أفريقيا، لتعزيز دور مصر فى فتح الأسواق الخارجية.
■ متى يحصل المواطن على الدولار من البنك بسهولة؟
- الأولويات مازالت قائمة فى تدبير الدولار للعملاء حسب قواعد البنك المركزى، حيث يتم شراء الدولار من البنك للاستيرد أو لتدبير مصروفات السفر للخارج، ولكن شراء الدولار للاكتناز ليس من المفترض أن يوفره البنك.
■ ما توقعاتك لاتجاه التضخم خلال الفترة المقبلة؟
- أتصور أن التضخم سينخفض خلال الفترة المقبلة، مع انخفاض الواردات، لاسيما أن ارتفاع الأسعار كان غير مبرر، ولهذا نحن مستمرون فى إصدار الشهادة ذات العائد بقيمة 20%، رغم تأثيرها على أرباح البنك، وهناك تراجع حاليا فى الاستيراد والأسعار ارتفعت أكثر من قيمتها خلال الفترة الأخيرة، وهناك عدم إقبال، وبالتالى مع تحسن المؤشرات الاقتصادية أتوقع انخفاض سعر العملة، وبالتالى سيكون له أثر إيجابى على التضخم.
■ ماذا عن إجراءات طرح بنك القاهرة بالبورصة؟
- لا أستطيع التعليق حول الموضوع، وهناك سرية مطلوبة حول العملية، وعندما تحين أى خطوة سيتم إعلان ذلك، ولابد من الحصول على موافقة مستشار الطرح أولا، ومازالت شركة مصر المالية للاستثمار تملك بنك القاهرة بالكامل.
■ وماذا عن حجم القروض المتعثرة لدى البنك؟
- حجم التعثر انخفض إلى 3.5% بعدما كان 15% ومغطى ماليا بنسبة 93%، وفى نهاية الحوار هناك رسالة لابد من تأكيدها، وهى أن مصر بلد واعد، ولدينا قطاع مصرفى صلب وبنك مركزى محترف وحكومة ستستمر فى اتخاذ القرارات الجريئة التى تخدم المجتمع، بدون خوف مع شفافية، لتنال دعم المجتمع ومساندته، ولدىّ نظرة تفاؤلية بأن المستقبل أفضل.