رغم مرور عامين على رحيل الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى، ما زالت زوجته الإعلامية نهال كمال حريصة على زيارة المنزل الذى عاش فيه آخر لحظات حياته بالإسماعيلية، يوم الجمعة من كل أسبوع، وزيارة قبره، حاملة الورود التى كان يحبها. وفى الذكرى الثانية لرحيل فارس العامية فى مصر والوطن العربى، قالت لـ«المصري اليوم» إن روح الأبنودى تعيش معها وأحبائه فى العالم، وإنه موجود بنصائحه ودعمه الدائم لها ولأسرته، التى ضمت شخصية جديدة هذا العام وهى حفيدته الأولى «ليلى». وداخل «الكتبخانة» صومعة الأبنودى، تجلس «نهال» بجوار كرسيه، الذى تضع عليه «عصاه ونظارته وصورته» وتنظر إلى كل ركن فيها، وتقول: «تلقيت دعوة من إحدى الجامعات الإسبانية لتكريم الأبنودى، وكانت المفاجأة أنى وجدت جامعات كومبلوتنس، وأتونوما، ومورثينا بمدريد تترجم أشعاره إلى اللغة الإسبانية، وتدرس شعره، وكانت أول الأعمال التى تمت ترجمتها للغة الإسبانية هى «الأحزان العادية» وتدرس بالفعل فى الجامعات.
توجهت نهال بسؤال لوزارة التربية والتعليم العالى، كيف تقوم الجامعات الإسبانية بترجمة وتدريس شعر الأبنودى، ولم تفكر أى جهة مصرية فى تدريس أشعاره للطلاب، لأنه التخليد الحقيقى لذكرى شاعر يستحق أن يكون موجودا على خريطة التعليم فى مصر.
وتضيف: «لقد شاهدت الطلاب الإسبان وهم يلقون شعره باللغة الإسبانية، وكانت فرحة كبيرة، وأعتقد لو كان الأبنودى موجودا فى هذه اللحظة لكان فى أسعد حالاته، لأنه دائما كان يقول إن عائق اللغة يقف أمام عبور أشعاره إلى العالم».
وأكدت أن ترجمة قصائد الأبنودى إلى الإسبانية مجانية، وليست للبيع التجارى، بل لنشر الثقافة فقط، وأشرف عليها المركز المصرى بإسبانيا.
وحول رحلة إسبانيا قالت: «صاحبتنى خلالها ابنتى نور الأبنودى، وطلبوا منى الحديث عنه خلال الحفل، وكل ما قلته، أننى عندما أذهب إلى أى مكان لا أجد من لا يعرف الأبنودى».
وأوضحت «نهال» أنها طلبت فى خطاب رسمى لوزير الثقافة أن يدرس شعر الأبنودى فى الجامعات والمدارس، وأن ما دفعها اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بتطوير منظومة التعليم، من خلال متابعتها لمؤتمر الشباب فى شرم الشيخ، لافتة إلى أن الوزير رحب جدا بالفكرة، وقال إنه أرسل خطابين إلى وزارتى التربية والتعليم، والتعليم العالى، وردت وزارة التربية والتعليم بأنها لا تدرس شعر العامية فى المدارس، رغم أن كل ما طلبته تدريس «أيامى الحلوة» المكتوبة باللغة العربية الفصحى، وهى نموذج لعادات وتقاليد الصعيد، وقال عنها الأديب العالمى نجيب محفوظ: «قصائد نثرية فيها نفحات إنسانية».
نهال ترى أن هناك مسافة بين الإرادة السياسية، والأجهزة التنفيذية، حيث وجدت الرئيس متحمسا لتطوير التعليم والمناهج، وفى المقابل لا يوجد أى اهتمام من الأجهزة التنفيذية، وأنه لابد من إدراج شعر العامية فى الجامعات، بينما جاء رد من وزارة التعليم العالى بأنهم سوف يدرسون «أيامى الحلوة» من العام المقبل.
وحول «أيامى الحلوة» تقول «نهال» إنها تعطى صورة للأبنودى كيف بدأ من الصفر وتعلم الإبداع والشعر ومنابع التكوين الأولى فى الصعيد من والدته فاطمة قنديل، إلى جانب الحرف التى تعلمها مثل الزراعة، وكيف عمل وهو طفل عمره 4 سنوات وتعلم الحياة فى القرية، وتتميز «أيامى الحلوة» بأنها ستكون عاملا قويا فى تأسيس شخصية التلميذ، وكيف يعتمد على نفسه، وأنه لا يوجد فرق بين مسلم ومسيحى.
وأضافت أن إحدى الجامعات المصرية الكبرى اتفقت معها على تنظيم يوم مخصص لإحياء ذكرى الأبنودى بندوات حول شعره، وإلقاء قصائده، وبعد الاتفاق على تفاصيل اليوم، تم إلغاؤه بدون أى أسباب واضحة، ولا تعلم حتى الآن سبب إلغاء الاحتفال.
وعن آخر ما وصل إليه متحف السيرة الهلالية بأبنود، تقول نهال: متحف السيرة الهلالية حلم الأبنودى طوال سنوات مضت، وكان على مدار ما يقرب من 30 عاما يذهب للشعراء الشعبيين فى جميع أنحاء قرى مصر ليقوم بجمع السيرة الهلالية بمجهوده الشخصى، وكان يجمعها من خلال مسجل أهداه له الراحل عبدالحليم حافظ، وكان يقول إن السيرة الهلالية «إلياذة» العرب، ولذلك اختار قرية أبنود لتكون مقراً للمتحف ومكتبة للأطفال وغرفة للباحثين لدارسى التراث الشعبى، وهذا نوع من الوفاء والعرفان لقريته، وتم افتتاح المتحف خلال ذكرى الأربعين لوفاته، لكن المتحف يحتاج إلى دفعة قوية، من حيث تزويده بالمجلدات، والكتب، وإرسال رحلات مدرسية وجامعية للاستفادة من الموروث الثقافى به، ويحتاج إلى إلقاء الضوء عليه أكثر ليكون منارة للثقافة كما كان يحلم الأبنودى.
وحول الموقع الإلكترونى الخاص بـ«الخال» قالت: «سيتم إطلاق الموقع الإلكترونى قريبا، مشيرة إلى أنه تحت الإنشاء، ومن المفترض أن يتم إطلاقه فى احتفالية تحت رعاية المجلس الأعلى للثقافة، والموقع يضم الأعمال الكاملة للخال، ولقاءاته وصوره لتكون هدية من أسرة الأبنودى الصغيرة إلى أسرته الكبيرة، والموقع تم إنشاؤه بالجهود الذاتية، وحاولت ضم كل أعماله وقصائده وأغانيه وكتاباته من خلاله، ويحمل اسم (www.elabnoudy.com)».
ولفتت «نهال» إلى أنها بدأت جمع كتابات «الأبنودى» وصوره منذ عامين، واستطاعت جمع 50 عاما من إبداعه، قائلة: «الأبنودى» وهو عايش كنت مشغولة عليه، والآن مشغولة بيه، ومن حق الأجيال المقبلة أن تتعرف على إبداعه كاملا.
وحول الأعمال الكاملة قالت: «صدرت هذا العام، واتفق على إصدارها قبل الوفاة، وصدرت هذا العام تابعة للهيئة المصرية العامة للكتاب، وكان الأبنودى حريصا على أن تصدر أعماله كاملة من الهيئة لأنها الأرخص سعرا، ورفض دور النشر الأخرى، لأن أسعارها ليست فى متناول المواطن البسيط، لذلك كان إصراره على الهيئة، لكى يصل الكتاب إلى القارئ».
نهال ترى أن الدولة لم تقم بالتكريم المناسب للخال أو غيره من المثقفين أو الفنانين، لأنه لا يوجد آلية لتخليد تلك الرموز وتكريمهم بالشكل المطلوب الذى يناسب حجم ما قدموه للناس، وليس من خلال حفلات تكريم فقط، ولكن بتخليد أعمالهم الكاملة فى متحف أو منارة ثقافية تستفيد منها الأجيال القادمة. وحول تمثال الأبنودى تقول: «فى الحقيقة أنا اشعر بالحرج الشديد أن أطلب من الدولة إقامة تمثال له، وأنا أعرف أنه مكلف جدا فى ظل الظروف الاقتصادية التى يمر بها البلد، ولن أطلب من أى جهة أو مؤسسة أو هيئة أن تقيم تمثالا للأبنودى، فى ظل هذه الظروف، ولكن كنت حصلت على وعد من الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، ومحافظ الإسماعيلية اللواء ياسين طاهر، بإقامة تمثال للخال، يتم وضعه فى الميدان الذى أطلق عليه اسمه، بمنطقة الجامعة القديمة أمام مركز المحاكاة التابع لهيئة قناة السويس، حيث قامت الهيئة بوضع صور ولافتة تحمل اسم وصورة له، وتم افتتاح الميدان العام الماضى فى احتفالية بمناسبة الذكرى الأولى لرحيله، ولكن بسبب الظروف الجوية وعوامل التعرية تهالكت الصور الموجودة بالميدان.