أتلقى دعوات عديدة. أقابل فيها الكثير من الناس. هذا يتطلب الكثير من المجاملات. الكثير من الابتسامات. أقبل الدعوة إذا كان وجودى يعنى شيئا بالنسبة للداعى.
فى هذه المناسبات كل شىء يتكرر كما هو. أحاول ألا أستجيب لمثل هذه الدعوات إلا فى مناسبات محدودة للغاية. أصافح كل الحضور تقريبا. أو كل مَن أراهم. بعدها أحاول التسلل والانصراف بلباقة. حتى هذا لم يعد ينفع. هذه التجمعات تحتاج مجهودا كبيرا غير مبرر بعد يوم من العمل الشاق. فى الماضى كانت هذه الدعوات تُبهجنى. أتوق إليها. بالنسبة لى كانت جائزة أفوز بها نهاية كل يوم عمل شاق. أما الآن أصبحت عقابا شديدا.
كنت أتحدث مع ابنتى شاكيا هذا الأمر. أيدت موقفى. قالت لى: إن الوقت هو أهم شىء. طرق استثماره مسؤولية كبرى. حتى لو كان استثمارا فى الراحة ثم قالت لى إنها ستبعث إلىَّ بحوار. أجرته مذيعة مشهورة مع «بيل جيتس». معروف أنه أقام مشروعا إنسانيا عالميا. تبرع فيه بما يربو على 40 مليار دولار. هى تقريبا معظم ثروته.
سألته المذيعة التى تُجرى الحوار: ماذا تعلمت من «وارن بافيت»؟. هو ملياردير أمريكى آخر معروف.. أجابها: عدم احترام المواعيد!.
كان «بافيت» قد طلب موعدا من بيل جيتس. لم تنشأ بينهما علاقة شخصية سابقة. تذمر «جيتس» من طلب الموعد. قرر أن يكون لقاء سريعا لا يزيد على نصف الساعة. حدد الموعد من العاشرة حتى العاشرة والنصف. المفاجأة أن الموعد شمل اليوم بأكمله. امتد الاجتماع حتى ساعة الغداء نفسها. ثم استمر. انتهى إلى اقتناع بما يقوم به «جيتس». قرر «بافيت» أن يتبرع للأعمال الخيرية بمثل ما دفعه بيل جيتس وزوجته لصندوق «بيل وميلندا جيتس فاونديشن».
Bill and Melinda Gates Foundation
عرض «جيتس» أن يضيف اسم «بافيت» للصندوق. عارض «بافيت» قائلا: أنا لا أصنع ذلك للتفاخر. لكن إيمانا بالقصد الإنسانى لهذه المؤسسة. قال له: فليُترك اسم الصندوق كما هو. ولنَدَع أهدافه كما هى.
المذيعة اختطفت من بيل جيتس أجندته. التى تحتوى على جدول مواعيده. قالت له وهى مندهشة. خلال شهر إبريل كله ليس لديك سوى ثلاثة مواعيد؟
رد جيتس: جمعت المال. وصلت به إلى أقصى درجاته. بعدها جاءتنى الشجاعة لأتخلى عنه طوعا. بعدها اكتشفت أن أثمن ما فى الوجود هو الوقت. هذا ما تعلمته من «بافيت». لم أعد أسمح للمواعيد بأن تلتهم وقتى. هذا هو وقتى الذى أملكه وحدى. علىَّ أن أستثمره فيما يسعدنى. الوقت هو الشىء الوحيد الذى لا يمكن استعادته مرة أخرى. قد نستعيد مالاً فقدناه. قد نستعيد قطعة أرض. أو عقارا. لكن استعادة الوقت هو المستحيل.