قال الدكتور يسرى عفيفى، مدير مركز تطوير المناهج، رئيس اللجنة العليا لتطوير المناهج الدراسية السابق، إن الطلاب لا يتعلمون شيئاً فى المدارس الحكومية، واصفاً المدارس بأنها تحولت إلى سبوبة، والتلميذ إلى مصدر رزق و«زبون» للمدرس، معتبراً أن المجتمع السيئ لا يمكن أن يفرز تعليما جيدا مهما كانت المناهج متطورة، مشيراً إلى أن التيار الدينى متغلغل فى مصر بأكملها، وأنه يجب التفريق بين منهج يحض على التطرف ومدرس متطرف.
وأضاف عفيفى أن مشاكل المدرسين الاجتماعية من عدم قدرة على الزواج، أو توفير شقة، تنعكس على أدائهم فى الفصل، مؤكداً أنه يرفض التعليم باللغة الإنجليزية، لكنه مع إتقانها كلغة، واصفاً المدارس الأجنبية بأنها جريمة فى حق مصر، والجامعات الخاصة بأنها وراء انهيار التعليم وأنها تحولت إلى «بيزنس»، لافتاً إلى أن الطالب فى كوريا ينام 4 ساعات فقط بسبب المذاكرة والاجتهاد، بينما فى مصر يتم نشر صور طالبات الثانوية فى الصفحة الأولى وهن يبكين بعد الامتحان، وإلى نص الحوار:
■ ما الأسس التى تقوم عليها العملية التعليمية وكيف تتأثر بالمناخ العام فى المجتمع؟
- فى البداية لابد أن نفرق بين 3 أمور، هى المنهج المكتوب، والمنهج المنفذ، والمنهج المحصل، فالأول هو المنهج الذى تم وضعه، وهناك وثائق عليه، وهذه المناهج نستفيد فى وضعها بكل المناهج العالمية، وبالتالى المناهج المصرية لا تقل عن المناهج العالمية فنيا، أما المنهج المنفذ فهو ما ينفذه المدرس داخل الفصل وتعتمد القدرة فى توصيل المعلومات على كثافة الفصول، وقدرات المعلم، وأزماته الاجتماعية، كونه غير متزوج، ولا يستطيع شراء شقة، وعليه أقساط إلى آخره وكلها أمور تنعكس على كيفية توصيله المعلومات، وتنفيذ المنهج، أما المنهج المحصل فهو الذى يصل إلى الطالب، وهناك 70% من الطلبة فى التعليم العام لديهم أنيميا نتيجة الفقر والجهل، وبالتالى يؤثر ذلك على قدراتهم فى التلقى والتحصيل، وما أقصده هنا أن المنهج قد يكون جيدا، لكن هناك عوامل كثيرة تؤثر فى وصوله إلى الطالب، لذا أرى أنه لابد أن تتحسن أحوال المدرسين والطلاب الاقتصادية، وتزيد رواتبهم، ليأكلوا ويشربوا وتتحسن صحتهم، وقتها فقط سيتحسن مناخ التعليم وسيكون للتدخل الفنى سواء بتطوير المناهج أو أساليب التعلم أهمية، لكن المطالبة بتطوير المناهج وتحسين التعليم بينما المجتمع كله سيئ ليس له أهمية، فبماذا سيفيد تطوير المناهج وقتها.
■ ما تقييمك للتعليم الحكومى المجانى؟
- أولادنا لا يتعلمون شيئا فى المدارس، فالمدارس أصبحت «سبوبة» و«أكل عيش» لأساتذة الدروس الخصوصية، والطالب أصبح سببا للرزق و«زبون» لا أكثر.
■ المناهج متهمة بالحض على التطرف الدينى والتمييز، ما تعليقك؟
- غير صحيح، ومن يقل ذلك فثقافته سمعية ولم يقرأ المناهج ويجب أن نفرق بين منهج يحض على التطرف، ومدرس متطرف، فالتيار الدينى متغلغل فى مصر بأكملها وهناك مدرسون متطرفون ولكن هذا لا يعنى أن ألقى باللوم على المنهج.
■ لكن المناهج متهمة بأنها لا تعترف إلا بالدين الإسلامى، ومادة التاريخ لا تعترف إلا بالتاريخ الإسلامى وتتجاهل التاريخ القبطى؟
- التاريخ الذى يدرس هو تاريخ الحكم، والمسيحيون لم يحكموا حتى ندرس تاريخهم، فالرومان فقط هم من حكموا مصر واضطهدوا المسيحيين وسجنوهم وعذبوهم، ولكن إذا كنا نتحدث عن التاريخ القبطى الاجتماعى، فجميعنا معترف بالدور الذى قام به الأقباط فى المجتمع المصرى، ووقوفهم إلى جوار المسلمين فى الثورات، وفى مناهضة الإنجليز، لكن التاريخ الذى يُدرَّس هو تاريخ الحكم وليس التاريخ الاجتماعى.
■ لكن أحيانا يتم إجبار الطلبة الأقباط على حفظ بعض الآيات القرآنية، أليس هذا تطرفا ومغالاة؟
- ليس هناك إجبار على الحفظ، وإن حدث فإنه يندرج تحت بند سلوك المدرس، لكننا ندرس بعض آيات القرآن فى منهج اللغة العربية لتدريس الصور البلاغية، ولا يجب أن ننسى أن عدداً من الأقباط المثقفين وعلى رأسهم مكرم عبيد كان يستشهد بآيات القرآن الكريم فى مرافعاته القانونية، وكانت لغته العربية رصينة بسبب حفظه القرآن الكريم.
■ هناك اتهام آخر موجه للمناهج هو أنها تعتمد على التلقين والحفظ وتخلو من الإبداع والابتكار!
- التلقين أو الابتكار أمران تتحكم فيهما طريقة المدرس فى التدريس وليس المنهج، فالمدرس هو الذى يشجع الطلبة بوضع الحوافز والطرق الممتعة فى الشرح، ولكن لا يمكن أن نطلب من مدرس مقهور خائف من كل شىء أن يعلم الطلبة الحرية والتعبير عن أنفسهم.
■ فى المقابل كيف تقيّم تجربة المدارس الخاصة الفرنسية والكندية والبريطانية وغيرها؟
- هذه أكبر جريمة ارتكبت فى حق المجتمع، فلا توجد دولة فى العالم باستثناء مصر سمحت بوجود مدارس تمثل دول العالم ويدخلها أبناؤها المحليون، فأنا أفهم أن المدرسة الفرنسية هى للطالب الأجنبى الموجود على أرض مصر، وليس الطالب المصرى، فالتعليم العام فى الأصل للمواطنة وللحياة، ولابد من وجود جذور مشتركة بين الطلاب حتى يكونوا متجانسين ومتساوين ومتسقين فى نسيج واحد دون طبقية، لكن ما حدث غير ذلك، والنتيجة أنه فى الجامعة يجلس طلبة المدرسة الكندية سويا، وطلبة المدرسة الألمانية يخالطون بعضهم فقط، وطلبة التعليم الحكومى منعزلين عن الجميع فأصبحت الجامعة أشتاتاً وفرقاً متناحرة، هؤلاء يسبون ثقافة أولئك، وآخرون يصفون فريقاً بأنه «بيئة» وفوق كل هذا انتماء الطلاب إلى ثقافة دولة المدرسة، الغريب أنه لا توجد دولة تسمح بذلك على أراضيها إلا مصر.
■ وما توصيتك هنا بهذا الشأن؟
- يجب أن نعطى مهلة 3 أو 4 سنوات لإصلاح هذا الوضع، وإعادة النظر فى هذه المدارس، بل تعديل قانون الجامعات الخاصة، فالمدارس والجامعات الخاصة كان الهدف منها الارتقاء بالتعليم، إلا أن الواقع أثبت أنها أدت بالتعليم إلى الانهيار وتحولت إلى «بيزنس»، فكل رجل أعمال يقترض من البنوك أموالاً لإنشاء جامعة ويكون كل همه هو تحصيل المال من الطلبة لتسديد القرض، وعلى الجانب الآخر أصبح كل طالب يمتلك والده المال لا يهتم بالتعليم ولا المذاكرة ولا المجموع مادام يستطيع الالتحاق بالكلية التى يريدها فى جامعة خاصة، لذا يجب إعادة النظر فى قرار إنشاء الجامعات الخاصة.
■ وهل التعليم باللغة الإنجليزية نوع من التحضر ومواكبة العصر أم نسف للهوية؟
- أنا ضد التعليم باللغة الإنجليزية، لكننى مع تعلمها وإتقانها لأنها لغة العصر، بشرط ألا تكون لغة تعليم كل المناهج.
■ إلى أى مدى تسهم الأسرة بالارتقاء بمنظومة التعليم؟
- الوزير لا يستطيع مهما كانت كفاءته إصلاح منظومة التعليم دون مساندة الأب والأم، ولن ينصلح التعليم إلا إذا حدثت ظاهرة واحدة وتفشت، وهى أن كل طالب يذهب إلى والديه يخبرهما بأنه غش فى الامتحان فيقومان بتوبيخه وينهرانه، وقتها فقط سينصلح الحال، لكن مادام الأب والأم يلهثان وراء أن يحصل ابنهما على شهادة فقط دون التأكد من أنه تلقى التعليم الكافى فلن ينصلح شىء، فمن الظواهر الغريبة التى نشهدها مع كل امتحان للثانوية العامة ويلعب فيها الإعلام دوراً مشيناً هو أن يتم تصوير عدد من الطالبات وهن يبكين على صدور أمهاتهن من صعوبة الامتحان ويتم وضع الصورة مع مانشيت عريض فى الصفحات الأولى، وهنا لابد أن نتوقف لحظة هل المطلوب أن يكون الامتحان فى مستوى الطالب الفاشل وليس المتوسط، هل تريد الأمهات شهادة فقط دون الاطمئنان على مستوى تعليم أولادهن، ثم لماذا يلعب الإعلام دوراً غير دوره ويقيم ما إذا كان الامتحان سهلاً أم صعباً، ثم تخرج مذيعات التليفزيون علينا يتحدثن عن عدد الساعات المضنية التى يقضيها الطالب فى المذاكرة وكأنه المفروض أن يمضى هذه المرحلة من حياته فى اللعب. لقد سافرت إلى كوريا واطلعت على تجربة التعليم هناك، وأجزم بأن الطالب هناك لا ينام سوى 4 ساعات فقط، ويقضى باقى الوقت فى المذاكرة والاجتهاد، والأسرة تحثه على ذلك، والنتيجة أنهم بنوا أمة ودولة، ونحن مازلنا نبكى على أولادنا متضررين من نار المذاكرة، وفوق كل هذا تسببوا فى جعل المدرس الذى يضع الامتحانات خائفاً ومرعوباً ألا يرضى أولياء الأمور، أو أن يأتى بامتحان يقيم مستوى الطالب فتكون النتيجة أن ينقله الوزير إلى سوهاج أو أسوان، وكأن التعليم يجب أن يخضع لرغبات أولياء الأمور. هذا هراء يجب أن يتغير وثقافة يجب أن تنسف، لأن ما يحدث هو فوضى تعليمية.