دخلت الأزمة السياسية فى لبنان مرحلة حرجة مع تكليف الرئيس ميشال سليمان، رئيس الوزراء الأسبق، نجيب ميقاتى «المرشح من حزب الله»، بتشكيل الحكومة الجديدة بعد ساعات من انطلاق مسيرات كبرى قادها أنصار رئيس الوزراء السابق، زعيم تيار المستقبل سعد الحريرى فى مناطق عديدة من البلاد، ووسط إجراءات أمنية مشددة احتجاجا على تشكيل ميقاتى للحكومة، واتهم المتظاهرون حزب الله بـ«الانقلاب على رئاسة الوزراء».
جاء تكليف «ميقاتى» بعد مشاورات نيابية استمرت يومين وأسفرت عن حصوله على تأييد الأغلبية النيابية التى تؤهله لتشكيل الحكومة الجديدة إذ نال موافقة 65 نائبا من أصل 128 على رئاسة الوزراء. وأعلن «ميقاتى» أنه سيبدأ مشاوراته غدا «الخميس» لتشكيل الحكومة الجديدة.
واعتبر «ميقاتى» نفسه مرشحا توافقيا، وقال: «أمد يدى للجميع»، داعيا الحريرى للعمل يدا واحدة فى سبيل لبنان، وأكد حرصه على المسلمين السنة الذين ينتمى إليهم وعلى «إنجازات المقاومة الوطنية».
فى السياق نفسه، شهدت المسيرات الغاضبة أول أعمال عنف عندما حطمت وأحرقت مجموعة من أنصار الحريرى فى مدينة طرابلس سيارة نقل وإرسال تابعة لقناة «الجزيرة» الفضائية، فيما ذكر شهود عيان ومصادر أمنية أن متظاهرين آخرين قطعوا طرقا بالإطارات المشتعلة فى عدد من مناطق عكار والبداوى والمنية فى شمال البلاد، ووصل البعض إلى عدد من أحياء غرب بيروت، بالإضافة إلى الطرق الرئيسية المؤدية إلى الجنوب من العاصمة.
وفى الجية، جنوب بيروت، أقدم عدد من المحتجين على طلاء جدران على جانبى الطريق بعبارات: «وليد جنبلاط خائن وعميل»، وهتف المحتجون بعبارات ضد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، بالإضافة إلى ما تخللته الاحتجاجات من نداءات منددة بالحزب ومطالبة رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتى بعدم قبول ترشيحه لرئاسة الحكومة.
ورغم حرص قوات من الجيش اللبنانى على التواجد فى مواقع الاحتجاجات وفتحها الطرق دون التعرض للمحتجين، حذرت قيادة الجيش، مساء الاثنين، قبل بدء المسيرات، من «العبث بأمن المواطنين والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة والإخلال بالقواعد السلمية للاحتجاج والتظاهر».
من جانبه، عبّر الحريرى عن شكره للمتضامنين معه وأعرب عن رفضه كل مظاهر الشغب والخروج على القانون. وقال فى كلمة للتليفزيون اللبنانى الاثنين: «الغضب لا يكون بقطع الطرقات والتعدى على حرية الآخرين مهما كانت الدوافع إلى ذلك»، مبديا أسفه للهجوم الذى تعرضت له سيارة «الجزيرة» وأعمال الشغب التى اندلعت بين متظاهرين غاضبين وعناصر الجيش.
كما ناشد الحريرى - الذى سقطت حكومته قبل نحو أسبوعين بعد استقالة 11 وزيرا بينهم 10 يمثلون حزب الله وحلفاءه - المتظاهرين الالتزام بأعلى درجات الهدوء والحذر والابتعاد عن «الدعوات المشبوهة».
فى الوقت نفسه، أكد النائب عن كتلة المستقبل سمير الجسر أن كتلته لن تشارك فى حكومة برئاسة ميقاتى، ودعا الجسر - فى تصريح لقناة (الجزيرة) الفضائية الاثنين - المتظاهرين فى شوارع لبنان إلى التعبير عن غضبهم بطريقة حضارية وسلمية، مؤكدا أن كتلة المستقبل تبذل قصارى جهدها لاحتواء هذا الموقف بالشكل الصحيح.
فى سياق متصل، حذرت الإدارة الأمريكية من تداعيات «تعاظم دور حزب الله»، مما سيؤدى إلى انعكاسات سلبية على العلاقات بين الولايات المتحدة ولبنان. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيليب كراولى: «كلما تعاظم دور حزب الله فى هذه الحكومة ازدادت إشكالية علاقاتنا».
وأضاف كراولى: «رأينا فى حزب الله معروف جيدا، فنحن نعتبره منظمة إرهابية ونشعر بأشد القلق بشأن أى حكومة يقوم فيها حزب الله بدور قيادى»، معتبرا أنه «من الصعب على أمريكا أن تواصل المساعدات المالية للحكومة اللبنانية فى وجود حزب الله - الذى يصنف وفقا للقانون الأمريكى بأنه منظمة إرهابية فى السلطة - وسيطرة فريق نصر الله على شؤون لبنان السياسية».
وفى المنامة، دعت مملكة البحرين مواطنيها إلى الاتصال بأرقام هواتف أعلنت عنها وزارة الخارجية تحسبا لتدهور الوضع الأمنى فى لبنان، ونشرت وزارة الخارجية البحرينية بيانا مقتضبا يدعو «المواطنين البحرينيين المتواجدين فى بيروت إلى الاتصال على بعض الأرقام المحلية.
وأعربت فرنسا عن «قلقها» إزاء الاستقرار فى لبنان. ودعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو «كل الأطراف إلى الهدوء وضبط النفس».
وأضاف فاليرو: «فيما يشهد لبنان موجة تظاهرات عنيفة، تحرص فرنسا على التعبير عن قلقها على استقرار البلاد، فكل شكل من أشكال العنف أو الترهيب يجب أن يحظر».
وأكد الوزير الفرنسى أنه من الضرورى أن تكون الحلول التى ستقدم للأزمة الحالية مبنية على الحوار والسعى إلى التوافق وتلبى توقعات وتطلعات كل الأطراف، بما فى ذلك احترام استقلال وسيادة لبنان.