قررت الحكومة التونسية المؤقتة اتخاذ سلسلة إجراءات عاجلة فى مواجهة الاحتجاجات الشعبية المستمرة التى تطالب باستقالتها والإطاحة برموز نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن على.
ورصدت الحكومة الانتقالية التونسية اعتمادات عاجلة وفورية بقيمة 260 مليون يورو لمساعدة المناطق الأكثر فقرا فى الوسط الغربى للبلاد الذى انطلقت منه «ثورة الياسمين».
وقال أحمد نجيب الشابى، وزير التنمية الجهوية والمحلية فى حكومة الوحدة الوطنية، الثلاثاء: «تم رصد 500 مليون دينار (260 مليون يورو) كاعتمادات عاجلة وفورية لمساعدة وإسعاف مواطنى عدد من الولايات والمناطق ذات الأولوية ومنها سيدى بوزيد والقصرين وقفصة التى تضررت من الظلم الاجتماعى واختلال التنمية الجهوية». وكان الوزير يشير بذلك إلى أبرز معاقل الاحتجاج فى الوسط الغربى الفقير الذى شكل مهد الانتفاضة الشعبية.
وأوضح الشابى الذى كان زعيم حزب معارض فى عهد بن على أن «الاعتمادات ستشمل ضحايا ثورة تونس من عائلات الشهداء والجرحى»، مؤكدا أن هذه «الإعانات هى مجرد بداية لحين تقدير حجم الأضرار وكيفية التعويض عنها».
وستشمل «صغار الحرفيين والتجار لاستئناف نشاطهم وأحداث حظائر العمل للمصلحة العامة لفائدة العاطلين عن العمل كإجراءات إسعافية فى انتظار إيجاد الموارد الاستثمارية اللازمة لبعث المشاريع التنموية». وبخصوص العاطلين عن العمل من حملة الشهادات العليا أكد الشابى أنه «سيتم استحداث «فرص للعمل التطوعى بنصف الوقت فى انتظار الحصول على عمل ثابت». وأضاف أن الحكومة ستدفع 150 دينارا شهريا إلى العاطلين. وأكد أن الحكومة ستقوم أيضا بتغيير بعض حكام الأقاليم، حيث اشتكى المتظاهرون من تفشى الفساد والاضطهاد. وأعلن المتحدث باسم الحكومة، وزير التربية، الطيب البكوش الاثنين عن تعديل وزارى وشيك، مؤكدا فى الوقت نفسه أنه «شخصيا» مع الإبقاء على وزراء من حكومة بن على لضمان «استمرارية الدولة».
وتظاهر الثلاثاء مئات المتظاهرين من «قافلة التحرير» أمام القصر الحكومى فى العاصمة، مطالبين باستقالة الحكومة المؤقتة التى يهيمن عليها وزراء من حكومة بن على. وأمضى معظم هؤلاء المتظاهرين ليلة ثانية فى ساحة القصبة أمام قصر الحكومة، مخترقين حظر التجول. وحال نهوضهم من النوم حيوا العلم وأنشدوا النشيد الوطنى قبل البدء فى رفع شعارات ضد الحكومة تحت أنظار جنود يحرسون الساحة. وقام متطوعون بتوزيع القهوة وطعام الإفطار على المحتجين الذين وصلوا إلى العاصمة قبل يومين من مناطق متفرقة فى تونس.
ودعت النقابة العامة للتعليم الثانوى الأساتذة إلى إضراب عام غدا الخميس وتنظيم مسيرات تستهدف حل الحكومة المؤقتة. وجاء فى بيان صادر عن النقابة بعد اجتماع ممثليها بمقر المركزية النقابية بتونس، أنه تقرر «تنفيذ إضراب حضورى كامل والاجتماع حتى الساعة العاشرة (داخل المعاهد) صباحا، ثم تنظيم مسيرات أستاذية للمطالبة بحل الحكومة».
وكان الجنرال رشيد عمار، رئيس أركان جيش البر، الأعلى رتبة فى الجيش التونسى، قد أعلن أن الجيش «حامى الثورة» التونسية، داعيا المتظاهرين إلى إخلاء ساحة الحكومة فى العاصمة.
ومن جانبه، أكد راشد الغنوشى، زعيم حركة النهضة الإسلامية فى تونس، فى مقابلة مع تليفزيون «فرانس-24» أنه ينوى تسليم قيادة هذه الحركة المحظورة إلى الجيل الجديد من الشباب. وقال الغنوشى المقيم فى لندن: «وجودى على رأس الحركة ليس ضروريا». وأضاف الغنوشى: «هناك جيل أكثر شبابا منى وأكثر قدرة على التعاطى مع المستقبل». وكان راشد الغنوشى قد أسس عام 1981 حركة النهضة المتأثرة بجماعة الإخوان المسلمين، ويؤكد اليوم أنها تمثل «إسلاما حديثا» وهى قريبة من حزب العدالة والتنمية التركى.
من جهة أخرى، تعهد مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط جيفرى فلتمان بأن تدعم بلاده «ثورة الياسمين» التى أطاحت بالرئيس بن على. وذكرت وكالة الأنباء التونسية أن فلتمان، أجرى محادثات فى تونس مع كمال مرجان، وزير الخارجية فى الحكومة المؤقتة، وأشاد بـ«ثورة الشعب التونسى»، مؤكدا عزم الولايات المتحدة الأمريكية تأييد نضالات التونسيين من أجل حرية التعبير والصحافة وتكريس حقوق الإنسان والديمقراطية.
وذكر التليفزيون الرسمى التونسى أن الخارجية الأمريكية قررت «إلغاء التأشيرات الدبلوماسية الممنوحة لأعضاء الحكومة التونسية السابقين وأفراد عائلاتهم الذين لم تعد لهم الصلاحيات الضرورية للتمتع بمثل هذه التأشيرات».
وأعلن الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى أنه سيعرض تقديم مساعدات عاجلة لتونس فى الفترة الانتقالية نحو تشكيل حكومة جديدة ودافع عن موقف فرنسا بعدم التدخل فى الاضطرابات السياسية التى اجتاحت هذا البلد. وأقر ساركوزى بأن فرنسا لم تدرك بسرعة كافية أن الاحتجاجات المتزايدة فى الأسابيع القليلة الماضية ستبلغ ذروتها بالإطاحة بالرئيس بن على، وقال إنه يأمل فى بدء عصر جديد بين البلدين.
وأكدت السلطات الكندية أن أراضيها «لن تكون ملجأ» للرئيس بن على وأقاربه. ونقلت شبكة «سى.إن.إن» الإخبارية الأمريكية الثلاثاء عن ميلانى كاركنر، المتحدثة باسم إدارة الجنسية والهجرة بكندا، قولها إن «السيد زين العابدين بن على وأعضاء النظام التونسى المخلوع وأفراد عائلاتهم المباشرين ليسوا موضع ترحيب فى كندا».