رأى شادي حميد، مدير الأبحاث بمركز بروكنجز في الدوحة، أن على إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما التي تواجه «معضلة مستحيلة في مصر» أن تلجأ إلى فتح قنوات اتصال مع المعارضة المصرية بمختلف أطيافها في الوقت الذي تقدم فيه حوافز مالية كبيرة من خلال «وقف إصلاح» يقدم حوافز مادية لنظام الرئيس حسني مبارك كي يشرع في عملية تحول ديمقراطي.
وقال حميد إنه في ظل المعركة المحتدمة بين الحكام العرب المستبدين وبين المعارضة الشعبية في بلادهم تجد الولايات المتحدة نفسها ممزقة بين حلفاء موثوق بهم وبين إصلاحات اقتصادية تريدها. وما من مكان تكون فيه هذه المعضلة أكثر إلحاحا مما هي عليه في مصر الآن.
وفي مقال نشرته مجلة «ذي أتلانتيك» الأمريكية، الثلاثاء، بعنوان «بعد تونس: المعضلة المستحيلة التي تواجه أوباما في مصر»، قال حميد إن التكهنات التي تقول إن مصر سوف تشهد انتفاضة- على غرار تونس- تطيح بالرئيس حسني مبارك هي تكهنات سابقة لأوانها. فالنظام المصري الذي يمتلك مؤسسة أمنية قوية - يحصل أفرادها على رواتب جيدة - من المرجح أن يكون أكثر اتحادا ووحشية من نظيره التونسي.
وأضاف أنه «سواء نجحت الثورة المصرية أو فشلت، فمن المؤكد أن المحاولة ستتم. وأول اختبار لقوة المعارضة سيكون اليوم الثلاثاء حين يشارك الآلاف فيما يطلق عليه منظمو المظاهرة (يوم الثورة)».
وقال إن هذا التطور «يثير مسألة شائكة بالنسبة للولايات المتحدة وهي: إذا خرج الآلاف إلى الشوارع وظلوا بها، فماذا ستفعل الولايات المتحدة؟».
وأجاب أن «الولايات المتحدة هي المانح الأول للنظام المصري الذي بدوره يدعم على نحو موثوق به أولويات الولايات المتحدة في المنطقة. فبعد العراق وأفغانستان وإسرائيل، تأتي مصر بوصفها أكبر مستقبل للمساعدات الأمريكية التي تتضمن 1.3 مليار دولار سنويا في صورة مساعدات عسكرية».
وأضاف قوله: بمعنى آخر، إذا قرر الأمن إطلاق النار على حشد لمتظاهرين عزل فسوف يطلق النار بأسلحة قدمتها الولايات المتحدة، وكما أشار ستيفن كوك، عضو مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، فإن وظيفة المؤسسة الأمنية هي حماية النظام لا التطلع إلى السلطة.
وقال حميد إن «بوسع الولايات المتحدة أن تختار الصمت النسبي كما فعلت في حالة تونس. لكن في حالة مصر فإن التأييد الشديد الذي يحظى به نظام مبارك (من الولايات المتحدة) سوف يجعل الصمت يفسر على أنه تواطؤ» من جانب إدارة أوباما مع نظام مبارك.
وتابع أنه «من ناحية أخرى، إذا قدمت الولايات المتحدة تأييدا معنويا للمحتجين، فسوف تزعزع حكومة تعتبرها ذات أهمية حيوية لمصالحها الأمنية».
وأوضح حميد أنه «فيما يخص المصالح الأمريكية في حالة تونس، فقد كانت الثورة عفوية وبلا قيادة. ولم يُشاهد قادة الإسلاميين- ومعظمهم في السجون أو في لندن- في أي مكان في شوارع العاصمة تونس أو مدينة سيدي بوزيد. لكن إذا سقطت مصر فسوف تسقط في انتفاضة تتضمن بعضا من أشد التنظيمات عداء للولايات المتحدة في المنطقة بما فيها جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبر أكبر قوة معارضة في مصر».
وأضاف «سوف تظل الولايات المتحدة عاجزة عن العمل في المدى القصير على الأقل. ولا ينبغي أن تكون كذلك. فبعد هجمات 11 سبتمبر 2001، برز إجماع في الحزبين الكبيرين في أمريكا مفاده أن الوضع الراهن أوجد بيئة أدت إلى التطرف».
وقال حميد: «لفترة مارست الولايات المتحدة ضغوطا على الأنظمة العربية من أجل أن تتحرر سياسيا. غير أن المشكلة التي تواجهها الولايات المتحدة حاليا هي ذاتها التي واجهتها خلال فترة (ربيع العرب) القصيرة في العام 2005. وفيما يخص الوقت الراهن، من الصعب- إن لم يكن من المستحيل- أن يكون هناك شرق أوسط ديمقراطي ومؤيد لأمريكا في آن معا».
ورأى أنه «لأن نزعة الكراهية لأمريكا منتشرة على نطاق واسع (وأحد أسباب ذلك الدعم الأمريكي للحكام المستبدين) ولأن الجماعات الإسلامية تمثل أكبر جماعات المعارضة، فإن أي حكومة منتخبة في اقتراع حر سوف تنأى بنفسها عن السياسات الأمريكية».
وقال حميد إنه «مع عدم القدرة على حل هذه (المعضلة الإسلامية)، فإن محاولات الولايات المتحدة للترويج للديمقراطية في العالم العربي بما في ذلك (أجندة الحرية) التي وضعها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش سوف تخف أو تتأجل إلى أجل غير مسمى».
وأضاف: «غير أن الحكومات الأوتوقراطية لا تدوم. وهذا هو الدرس الذي تعلمناه من التحولات الديمقراطية التي تمت على مدار عقود في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية والدول الأفريقية الواقعة جنوب حزام الصحراء وربما الحالة التونسية أيضا. وحينئذ ستجد الولايات المتحدة نفسها في وضع لا تحسد عليه كونها قوة الوضع الراهن في منطقة بها كثيرون يكرهون هذا الأمر الواقع ويرغبون في محاربته وربما- أو لا محالة - سوف يأتي اليوم الذي يتخلصون فيه من هذا الأمر الواقع».
وقال حميد إنه «من سوء الطالع بالنسبة لصانعي السياسة الأمريكيين، فإن النظام المصري لن يسقط غدا. وأمام الولايات المتحدة فسحة محدودة من الوقت كي تقوم أولا بإعادة تقويم سياساتها في الشرق الأوسط ثم تعيد توجيهها كي تتماشى مع- بدلا من أن تقف ضد- مد الحكم الشعبي العربي».
وأوضح أنه «يمكن أن تبدأ بأن تنأى بنفسها عن نظام مبارك عن طريق تصعيد حملة الانتقاد الشعبي لقمع النظام وتعميق الاتصالات مع المعارضة المصرية بطيفها العريض من ليبراليين ويساريين وإسلاميين على السواء. فمن الأفضل أن يكون لها نفوذ عند جماعات المعارضة قبل أن تأتي إلى السلطة وليس بعد».
وأقر حميد بأن «هذا الموقف في حد ذاته، من المرجح ألا ينجح إلا في تغيير سلوك نظام مبارك تغييرا طفيفا- إذا نجح في عمل أي شئ من الأساس- غير أن هذا ليس هو أهم هدف لنا. فالأهم منه هو إرسال رسالة واضحة إلى الشعب المصري أننا نؤيد طموحاته الديمقراطية وأننا لن نقدم بعد اليوم تأييدا غير مشروط لنظام يقمع هذه الطموحات بشكل ممنهج».
ورأى حميد أنه «في المدى القصير، فإن الولايات المتحدة- بجانب حلفائها الأوروبيين- ينبغي أن تدرس القيام بمبادرات سياسة خلاقة».
وأوضح أنه يمكن «على سبيل المثال إقامة (وقف إصلاح) يقدم حوافز مالية كبيرة للأنظمة العربية كي تفي بمتطلبات الإصلاح السياسي بما في ذلك منح مساحة للمعارضة ونقل السلطة من السلطة التنفيذية إلى السلطة التشريعية. وهذا يستلزم جهدا أمريكيا مستداما وجادا عبر سنوات عديدة. غير أنه يجب على الولايات المتحدة أن تبدأ الآن قبل أن يفوت الأوان».