سفير مصر الجديد فى إثيوبيا: التفاوض مع إثيوبيا لا علاقة له بمشكلة المياه

كتب: رانيا بدوي الخميس 15-09-2011 19:46

قال محمد إدريس، سفيرنا الجديد فى إثيوبيا، إن مصر لا تستهدف منع بناء سدود إثيوبية، أو تعويق مسيرة التنمية لشعب أفريقى صديق ومهم، وإنما هدفها تأمين مصالحها المائية فى ظروف ندرة مائية متزايدة، جعلتنا أقل دول الحوض فى الموارد المائية، حتى بلغ نصيب الفرد سنوياً «712 متراً مكعباً» وهو الأقل ضمن حوض هذا النهر العظيم.


وأكد إدريس فى حواره لـ«المصرى اليوم» قبيل سفره لتسلم مهام عمله فى إثيوبيا أن ما كان مطلوبا لاحتياجات مصر عندما كان عدد سكانها 20 مليونا لم يعد كافيا وعدد سكانها يتجاوز 85 مليونا، ومتوقع ارتفاع حجم احتياجاتنا عام 2050.


وأوضح أن ثورة يناير أعادت البوصلة إلى اتجاهها الصحيح ووضعت أفريقيا على قائمة الأولويات بقرار سياسى يعكس إرادة شعبية، مؤكدا أننا لن نشهد سيطرة للأمن على ملف النيل فى المرحلة المقبلة، وإنما سيتم التنسيق بين جهات عدة فى إدارة هذا الملف.. وإلى نص الحوار

■ بداية ما أولوياتك فى عملك خلال المرحلة المقبلة كسفير لمصر فى إثيوبيا؟


- العمل فى أديس أبابا له 3 أبعاد: البعد الخاص بكونى سفيراً لمصر لدى إثيوبيا بما يعنيه من متابعة ملف العلاقات الثنائية بمختلف جوانبه، والبعد المتعلق بعضوية مصر لدى الاتحاد الأفريقى بنشاطاته المتعددة، وأيضاً عمل لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية الخاصة بأفريقيا. وكلها مهام فى ظروف صعبة حافلة بالمتغيرات على المستويين الوطنى والإقليمى، أُقبِل عليها باقتناع وحماس وأتطلع إلى أداء يرقى لمستوى تحديات الوطن.


■ هل ترى معى فشل الدبلوماسية المصرية قبل ثورة يناير فى التعامل مع دول حوض النيل؟


- هناك جهد أكثر كان يجب أن يبذل مع القارة الأفريقية ككل ودول حوض النيل على وجه الخصوص، لاستثمار الرصيد الكبير الذى كان لنا هناك يوماً ما. ومرحلة ما بعد ثورة 25 يناير هى مرحلة عودة البوصلة إلى اتجاهها الصحيح إلى حيث توجد مصالح مصر الحيوية. وكون أن جهداً كبيراً كان مطلوباً لا يعنى أنه لم يكن هناك جهد على الإطلاق، ولو أن هناك جهداً كان يبذل لا يعنى أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان.


■ هل ستكون أولوياتك تحسين العلاقات الثنائية أم التعامل مع أزمة المياه تحديداً؟


- تقديرى أنه إذا أردنا تحقيق تقدم فى ملف المياه فيجب ألا تقتصر العلاقات على هذا الملف، وإنما تكون العلاقات ذات نسيج عريض وقاعدة واسعة مبنية على مسارات متعددة، منها العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، أما إذا انشغلنا بملف المياه فقط وحاولنا أن نجد تسوية له بمعزل عن مجمل باقى العلاقات فسندور فى دائرة مفرغة، لكن ما أتصوره وسأعمل عليه أن تتحرك العلاقات وتنمو على مسارات مختلفة، أولها أهمية بناء الثقة والتواصل السياسى. وثمة أهمية كبرى لتفعيل وزيادة التبادل التجارى بين البلدين.. فلا يعقل أن يكون حجم التجارة بين بلدين يربو عدد سكان كل منهما على 85 مليوناً حوالى 150 مليون دولار فقط، لابد من زيادة هذا الرقم، وهناك منتجات مصرية عديدة تحتاجها الأسواق الإثيوبية وكذلك هناك احتياج كبير فى الأسواق المصرية للثروة الحيوانية الإثيوبية ويوجد الآن مجلس رجال أعمال مصرى إثيوبى يتوسع دوره بشكل سريع لتطوير حركة الاستثمارات بين البلدين، فحتى عام 2009 كان حجم الاستثمارات المصرية فى إثيوبيا حوالى 1.7 مليون دولار فقط، ارتفع فى عام 2011 حجم الاستثمارات نفس الرقم ولكن بالمليار دولار.. هناك تعاون مرتقب فى مشروعات عديدة بإثيوبيا فى مجالات الكهرباء والرى والتشييد والبناء.. هناك أيضا آلية للتشاور السياسى فى القضايا الاستراتيجية المهمة التى يتعين إرساؤها.


■ كيف ستترجم هذه الأمنيات إلى واقع؟


- الأمنيات تحتاج إلى خطة عمل لترجمتها إلى واقع، والخطوة الأولى هى توفر الإرادة السياسية، وهو ما عكسته زيارة رئيس الوزراء المصرى التى ستقابلها زيارة منتظرة هذا الشهر لرئيس وزراء إثيوبيا. وهناك لجنة مصرية إثيوبية مشتركة سيكون على رأس أعمالها تطوير وتعزيز مسارات مختلفة للتعاون، كما سيكون هناك دعم لرجال الأعمال وتشجيع لهم لتكثيف استثماراتهم فى إثيوبيا، فضلاً عن خطوات ملموسة للتعاون فى مجالات التجارة والتصنيع والتشييد والدواء والتعليم العالى.


■ لكن اللجنة أنشئت عام 87 ولم تنعقد سوى 3 مرات فكيف يمكن التعويل عليها؟


- صحيح، وهذا دليل على أن الاتفاقات وحدها لا تكفى لبناء علاقة صحيحة، وإنما المهم هو تفعيل هذه الاتفاقات، والمرحلة القادمة تحتاج لإعادة بناء الثقة بين البلدين التى تأثرت سلباً فى الفترة السابقة بجهد مشترك عن طريق وجود تفاهم وتواصل وتشاور فى القضايا الجوهرية التى تهم الطرفين.


■ أفهم من ذلك أن أى تفاوض مع إثيوبيا سوف ينطلق من قاعدة عدم المساس بحصة مصر من المياه؟


- على العكس، نحن نرغب فى زيادة حصتنا من المياه لأن الحصة الحالية لم تعد تكفينا وذلك من خلال مشروعات استقطاب الفواقد وهى مشروعات مشتركة فى مجال المياه والرى لزيادة الموارد والاستفادة من أكبر قدر منه بدلا من أن يهدر على طول المجرى.. فحصيلة مياه النهر التى تتجاوز 1600 متر مكعب سنويا لا يستفاد منها إلا بحوالى 6% فقط ويهدر الباقى.


■ هل ترى أن علاقة إثيوبيا بإيران أو إسرائيل تضر بمصالحنا؟


- يجب ألا تكون علاقات الدول الثنائية على إطلاقها رهينة بعلاقاتها الخارجية الأخرى، علينا نحن أن نزيد من رصيد العلاقات المشتركة مع دول قارتنا الأفريقية بشكل عام، والتواصل مع دول حوض النيل بشكل خاص، بغض النظر عن علاقات هذه الدول بأطراف أخرى، وإن كان هناك ما يمسنا مباشرة نطرحه مع الجانب الآخر بصراحة ووضوح ومزيد من التواجد وليس الابتعاد، وهذا يحتاج جهداً وعملاً مبادراً من جانبنا، لا أن نلقى باللائمة دائماَ على عوامل أو أطراف خارج دائرة العلاقات الثنائية، فدولة بحجم مصر وتاريخها فى أفريقيا لا يزيحها الآخرون وإنما يملأون الفراغ الذى يتركه إبتعادها عن ساحتها الأفريقية.


■ هل يمكن استعادة وزن مصر الأفريقى أو أن تكون إثيوبيا بوابة لاستعادة العلاقات مع المنطقة؟


- مصر وإثيوبيا دولتان كبيرتان لهما مصالح حيوية فى أفريقيا، ولابد من وجود حوار استراتيجى مستمر لتقليل الخلافات فى وجهات النظر وتوسيع مساحة التوافق.. بالطبع لن يكون هناك اتفاق كامل فى مختلف القضايا، ولكن يحتاج كل طرف أن يدرك المصالح الرئيسية للطرف الآخر، وأن يطمئن إلى أن سياسات الطرف الآخر لا تمثل إضراراً بمصالحه. فهناك مناطق استراتيجية مهمة، كالسودان والبحر الأحمر والقرن الأفريقى، يمكن التعاون فيها لمصلحة الطرفين والقارة الأفريقية، وأن يكون هناك تشاور وتفاهم حولها لعدم حدوث أى سوء فهم متبادل بشأنها.


■ هل لدينا بدائل لو فشلت جهود التفاوض مثل اللجوء للتحكيم الدولى مثلا؟


- السيناريو الأساسى هو تطوير العلاقات بين البلدين، وهو الذى يمكن معه حل أى مشاكل قد تطرأ فيما يتعلق بالقضايا المختلفة بما فيها المائية.. وحدث تطور إيجابى لم يتبلور بعد فى اتفاق بشأن هذا الملف بعد زيارتى وفد الدبلوماسية الشعبية ورئيس الوزراء. حيث حدث تفاهم على نقطتين هما: تأجيل التصديق على الاتفاقية الإطارية من قبل الجانب الإثيوبى حتى تكتمل العملية السياسية فى مصر بانتخاب برلمان ورئيس، وتشكيل لجنة ثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا، تنضم إليها أطراف استشارية كخبراء دوليين، لإثراء الحوار فيما يتعلق بالمسائل الفنية ذات الطبيعة المعقدة فى مثل هذه الموضوعات، فوجود أطراف دولية ذات طبيعة محايدة وعلى كفاءة وخبرة فنية سيفيد جميع الأطراف.. وستكون مهمة هذه اللجنة تقييم الجوانب الفنية المتصلة بالحديث الدائر الآن حول مشروع سد النهضة.. فالطرح الإثيوبى يؤكد أن هذا السد وغيره لا ولن يؤثر على مصالح مصر المائية، وهذا ما نأمله.


■ قبل ثورة يناير كانت الملفات الخارجية فى يد الأمن فهل تغيرت الصورة الآن؟


- ليست هناك ملفات أمنية وملفات غير أمنية.. هناك ملفات وطنية تتصل بهذه القضايا وغيرها، ومثل هذه القضايا تكون محل نظر ودراسة وإسهام من جانب مؤسسات عديدة فى الدولة من منطلق تكامل الرؤى وتوخى المصلحة الوطنية.


■ لكن هذه الملفات بالأساس كانت فى يد المخابرات العامة قبل الثورة وكان القرار أحيانا يسبق قرار الخارجية؟


- أنا أعلم أن التعامل مع هذه الملفات الحيوية سيتم من خلال منظور وطنى شامل، فكل جهة لها دور فيها وهذه الأدوار تتكامل فى النهاية، ويجب ألا يكون لجهة ما اليد العليا وأن تتعامل فى الملف بمعزل عن باقى الجهات.. فمثلاً هناك لجنة عليا لمياه النيل تضم جهات متعددة، وليس وزارة الخارجية فقط، وإنما أيضاً الرى والكهرباء والزراعة والأمن القومى والدفاع والتعاون الدولى.


■ ماذا عن زيارتك للبابا شنودة وشيخ الأزهر قبل سفرك وهل المقصود الضغط بكارت الدين فى حل أزمة المياة؟


- لا أميل لخلط الدين بالسياسة ولا الدين بالمياه، وليس الهدف أن يكون هناك دور للأزهر أو الكنيسة فى حل قضية المياه، ولكنى أرى أن العلاقات بين البلدين بها أبعاد عديدة كما ذكرت سابقاً من بينها المكون الروحى والدينى.. فالمكون الروحى يمثل محوراً أساسياً فى حياة الشعبين العريقين اللذين قدما للحضارة الإنسانية تراثاً دينياً وروحياً منيراً ومُلهماً، ويمثل أحد القواسم المشتركة التى نتطلع إلى تعزيزها وتطويرها. فاللقاء مع قداسة البابا شنودة ثم اللقاء مع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر سعيت إليهما استعداداً لمهمتى المقبلة، حيث حرصت على أن أستمع إلى أكبر قدر ممكن من الرؤى المصرية لأستفيد بها، وأعلم أن البعدين، الدينى والثقافى، مهمان فى العلاقات المصرية الإثيوبية، ولا يتم تفعيلهما بالشكل الكافى، لذا أتطلع إلى تواصل متعدد الأبعاد بين البلدين.