يِعملوها ويخِيلوا!!

عبد الناصر سلامة الثلاثاء 28-03-2017 21:02

أكثر ما يمكن أن يرفع ضغط الإنسان والحيوان، على السواء، هو جدول أعمال القمة العربية، التى تعقد اجتماعاتها اليوم، على شاطئ البحر الميت بالأردن، تَخَيَّلوا: اجتماعات القمة تبحث- حسبما جاء فى جدول الأعمال- القضية الفلسطينية، وتطورات الأوضاع الخطيرة فى كل من سوريا وليبيا واليمن، إضافة إلى مكافحة الإرهاب، والأمن القومى العربى، واللاجئين، والتدخلات فى شئون المنطقة، أيضاً العلاقات العربية إقليمياً ودولياً، وسبل تنميتها وتطويرها!!

■ اليوم أيضاً، بالتزامن مع انطلاق القمة، تنطلق مناورات جوية مشتركة، بين السودان والسعودية، على الحدود مع مصر، تحت اسم «الدرع الأزرق١»، قائد القوات السودانية قال: «إن المناورات سوف تستمر ١٧ يوماً، وستجرى فى القاعدة الجوية العسكرية بمنطقة (مروى) بالقرب من الحدود المصرية»، مؤكداً «أنها تهدف إلى رفع قدرات الطيارين والطائرات السودانية والسعودية، وتوحيد المفاهيم القتالية، باستخدام أنواع متعددة من الطائرات فى مهام مختلفة».. هى ممارسات أقل ما توصف به فى الوقت الحاضر، بأنها قمة الاستفزاز.

■ أمس الأول، وبالتزامن مع اجتماعات وزراء الخارجية، تمهيداً للقمة، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» أن هناك نحو ٤٦٢ ألف طفل فى اليمن يعانون من نقص حاد فى التغذية، بسبب انعدام الأمن الغذائى، وانهيار شبكات الماء فى العديد من المدن، وناشدت يونيسيف أطراف النزاع والمجتمع الدولى، الحيلولة دون حدوث مجاعة، وتأمين إمدادات المواطنين بالمنتجات الضرورية للحياة، مشيرة إلى أن التأثيرات الكارثية للنزاع فى اليمن لا يتم الالتفات إليها بالقدر الكافى، بسبب النزاعات الدولية الأخرى.

■ لم تستطع أى من الدول العربية فرض بند بجدول الأعمال يتعلق بعودة سوريا إلى الصف العربى، من خلال جامعة الدول العربية، أو اجتماعات القمة، أملاً فى فتح صفحة حوار جديدة مع دمشق، يمكن من خلالها إيجاد أى نقاط للالتقاء على ما من شأنه وقف القتال الدائر هناك، أو إنقاذ المدنيين، أو الاهتمام باللاجئين، حتى يمكن أن يعود العرب، كطرف فى الأزمة السورية، بعد أن تم سحب كل الأوراق، لصالح اجتماعات دورية، روسية أمريكية تركية إيرانية، ليس ذلك فقط، بل فرض واقع على الأرض يقتصر أيضاً على هذه الدول، بعد أن اقتصر دور بعض العواصم العربية، أو الخليجية تحديداً، على دور الممول للحرب ليس أكثر.

■ على هامش اجتماعات القمة أيضاً، أعلنت وكالة الأمم المتحدة للاجئين فى العراق، أن هناك نحو٦٠٠ ألف مواطن عراقى، لا يزالون باقين فى مناطق غرب مدينة الموصل، التى يسيطر عليها تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش» منهم ٤٠٠ ألف محاصرين فى المدينة القديمة، وهم بحاجة ماسة إلى الطعام، ويعيشون فى ذعر دائم، فى الوقت الذى يستمر فيه سقوط القتلى هناك على مدار الساعة، وهدم البيوت على رؤوس سكانها، نتيجة القصف المتواصل.

■ القضية الفلسطينية هى الأخرى، والتى كانت قضية العرب الأولى، يبدو أنها سقطت من حسابات العرب أجمعين، لم تعد موجودة سوى فى كتب التاريخ، وجداول أعمال بعض الاجتماعات، ذراً للرماد فى العيون، أما على المستوى العملى، أو على أرض الواقع، فقد أصبح التواجد الإسرائيلى قوياً فى معظم العواصم العربية، فى كل دول الخليج دون استثناء، وفى كل دول الجوار الإسرائيلى أيضاً، إن لم يكن بالطريق الرسمى فبغيره، ناهيك عن أن إلقاء خيار المقاومة فى البحر أصبح واقعاً وبديلاً عن إلقاء إسرائيل، وبعد أن كان التخلى خلال السنوات الأخيرة عن تنظيمات المقاومة، أصبح هناك فى المرحلة الراهنة أيضاً من يتخلى عن تنظيمات السلام، نظراً لأن لها من المطالب، ما يتعارض مع أجندات القادة العرب الجدد.

■ ما يتعلق بالأمن القومى العربى، والتدخلات فى شؤون المنطقة، أصبحت هى الأخرى من المبكيات المضحكات، من الذى عبث بالأمن القومى العربى؟ أليس هم العرب أنفسهم؟ من الذى قصف؟ ومن الذى موَّل؟ ومن الذى حرَّض؟ ومن الذى جنَّد؟ ومن الذى خان؟ من الذى سمح بغزو العراق، وقصف ليبيا، واحتلال سوريا؟ من الذى اعتدى على اليمن، وموّل بناء سد النهضة الاثيوبى، وفتح الباب واسعاً أمام علاقات تجارية وسياسية مع إسرائيل، على حساب قضايا العرب؟ من الذى أشاد بسياسة الرئيس الأمريكى الجديد المناوئة للعرب والمسلمين عموماً؟

أعتقد أن الوصف الدقيق لقمة العرب، اليوم، هو قمة التردى، يمكن أن تكون أى شىء بخلاف أنها قمة العرب، أو القمة المعبرة عن الشعوب العربية، اجتمعوا كما شئتم، أصدروا من البيانات العقيمة ما تشاءون، فقد كانت كل كوارثنا بفعل ممارساتكم، يكفى أن الشعوب لم تعد تعول على مثل هذه الاجتماعات، بل أصبح هناك من يتطلع إلى السماء خلال اجتماعاتكم قائلاً: ربنا يستر، إلا أن هناك إجماعاً على حقيقة مؤكدة هى التعبير الشعبى المصرى: يعملوها ويخِيلوا!!